غزل الصبر بجريد النخل

 مفتولة أو مجدولة أو متوازية .. ستجدها دوما متوازنة وكأنها من صنع آلة دقيقة.. حسبت المسافات.. وحددت القياسات.. فخرج منتجها متساوى الأضلاع منسق المنظر. ولكنها يده فقط هى من طوعتها وحولتها من «جريدة» خضراء، أو «سعفة» صفراء إلى ذلك المقعد الأنيق أو تلك المنضدة البسيطة التى تزين شرفة منزلك أو تراها فى النوادى والفنادق. يجلس عم «جمال» على حصيرته داخل قرية تونس بالفيوم يصمم وينفذ بضاعته وينتظر الزبون المناسب.. يجادله البعض ويفاصل معه البعض الآخر ويخرج الجميع فائزا.. فهو يرضى بجنيهاته القليلة و هم راضون بالصفقة الرابحة فهذه الصناعة اليدوية تكلف الكثير . وبالرغم من أن عم «جمال» لا يطلب فيها تلك المبالغ ويرضى بالقليل إلا انه ينتظر الزبائن بفارغ الصبر ويخيرهم بين الحصول عليها بالورنيش الشفاف ليحفظها من السوس أو بدونه ليزيد جنيهاته إلى رقم أكبر قليلا. يجلس بالساعات صابرا على عمله .. ولا يقوم من مقامه إلا اذا انتهى من منتجه .. هكذا تعلم فى قريته «العجميين» .. وهكذا يعلم الصغار الآن ولكنه يخشى عليهم من أمراض المهنة، فخشونة مفاصل اليدين والقدمين وانحناء الظهر أمراض شائعة ولكنه يخشى على المهنة أيضا من الاندثار.
 ف»العيال» لا تقبل عليها كما قال. ينتظر عم «جمال» اهتماما من جهة ما بمهنته .. مستقبلها.. توثيقها.. أو تأمينا للعاملين فيها.