يستحق عرض السيرة الهلامية للمخرج الموهوب محمد الصغير بكل تأكيد أن يمتد لفترة أخرى, وأن يطوف جامعات مصر ويحظى برعاية مزدوجة من وزارة الثقافة بقيادة د. إيناس عبدالدايم ووزارة التعليم العالي.. حيث بدأت الجولة بعرض ليلتين على مسرح جامعة عين شمس هذا الأسبوع.
والسيرة الهلامية ليست مجرد مسرحية ساخرة وممتعة لكنها رؤية جديدة مبتكرة تمزج بين مسرح شكسبير, وبين التراث الشعبى, وبين تناقضات الواقع المعاصر فنرى هاملت الفتى الحائر بين رومانسيته وعاطفته النبيلة وبين رغبته المحمومة فى الانتقام لمقتل أبيه يتحول على يد المؤلف الحسن محمد إلى ثلاث شخصيات أبرزها هراس الساذج إلى حد البلاهة والذى ينسى وصية أبيه له بأخذ الثأر.. بينما أوفيليا الرقيقة الطيبة تتحول إلى ناعسة الفتاة الريفية الماكرة والتى تحاول بحيل مضحكة إيقاع هراس فى فخ الزواج باعتباره الهدف الأسمي.. وفى نفس الوقت يعانى شبح الملك والد هاملت من تسامح ابنه المبالغ فيه ونسيانه المستمر للثأر.. بينما الملكة الأم امرأة شهوانية قاسية وقوية الشخصية مثل الكبيرة فى المجتمع الصعيدي.. وعلى الرغم من القصد الكاريكاتورى للمؤلف والمخرج فى تمصير هاملت إلا أنه يحمل قدرا كبيرا من الوعى بأعماق الشخصيات ودوافعها الدرامية، ولا يشوه النص الأصلى ولكنه يستلهمه ليقدم تصورا جديدا شديد الذكاء والطرافة فى نفس الوقت.. والمبهر فى عرض السيرة الهلامية هو قدرة أغلب الممثلين على الغناء والأداء الحركى ببراعة مذهلة تدل على طول فترة التدريب والحرص على النجاح الجماعى لمجموعة من الممثلين الشاملين أصحاب المواهب الحقيقية وهم مها حمدى ومصطفى السعيد ومحمود المصرى ومحمد إبراهيم ورأفت سعيد ورامى عبدالمقصود وحسن عبدالله وبلال على ومحمود سليمان.. كما تألق محمود وحيد فى تأليف الموسيقى قريبة الشبه بالسير والملاحم الشعبية وقدمت هبة مجدى أزياء مناسبة للشخصيات الكوميدية واستخدم مصطفى حامد الوحدات الرمزية للإيحاء بالديكور بينما بذل سمير وجوليا جهدا واضحا فى تدريب الممثلين على الإيقاع الحركى الجذاب والمضحك.. ولعل محمد الصغير الذى تأثر كثيرا فى بداية مشواره بالكوميديا ديلارتى الإيطالية قد وجد ضالته وبصمته الخاصة أخيرا فى السير والمأثورات الشعبية.
رابط دائم: