رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

تجربة طبيب نفسى مع مرضاه

طلعت رضوان

أحسنتْ هيئة الكتاب المصرية بإصداركتاب (أيام من الهمس والجنون) تأليف د.أحمد الباسوسي- عام2017. وترجع أهمية هذا الكتاب إلى أنه يسجل شهادات حية لتجارب الطبيب مع مرضاه وهذه التجارب عندما كان الطبيب معارًا للعمل بدولة الكويت، شملتْ مرضى من جنسيات مختلفة (عرب، مصريين، باكستانيين، هنود..إلخ)، وتبيـّـن لى بعد قراءة عشرات الحالات التى عالجها الطبيب، أنّ أعراض المرض النفسى واحدة، بغض النظرعن اختلاف الجنسيات ، كما أنّ.الباسوسى اختار كتابة تجاربه باللغة القومية للمريض، مثل قول العربى (دشيت فى مشكله مع أختي) يقصد (وقعت فى مشكله- ص269) وأنّ المريض جاء العيادة (كاشخ) أى معتنيـًـا بمظهره كما يقول الكوايتة (ص288) وقال مريض مزواج (ارتبطتْ بواحده تالته كويتيه (شيشتني) على الأولى وخليتنى طلقتها) (ص298) وفى الشرح فإنّ كلمة (شيشتني) معناها بالعربى (حرّضتني) وردّد المرضى العرب كثيرًا تعبير (الضيقه اللى فينى موش عايزه تسيبني) (ص300على سبيل المثال) وكلمة (فيني) عند ترجمتها من اللغة المحلية إلى العربية الكلاسيكية تعنى (داخل نفسي) أما كلمة (الضيقه) فهى نحتاية مصرية لكلمة (ضاق) العربية بمعنى (لايسعنى شيء) أو(تضايق القوم إذا لم يسعهم المكان) (مختار الصحاح- ص410) وبهذا تكون ترجمة الجملة كلها من المصرى للعربى (الكرب واليأس داخلى لايتركني) ومع ملاحظة أنه فى هذه الجملة- كما فى كل (فضفضات) المرضى العرب- أداة الوصل (اللي) وأداة النفى المصرية (موش) ولفظ (ساب) مثل (سابنى من سنه) بمعنى هجرنى من سنة بالعربى و(موش عايزه تسيبني)..إلخ. وهذا يدل على أنّ لغة شعبنا المصرى أصبحتْ لغة العرب فى حياتهم اليومية، وأخيرا أن الطبيب النفسى د.الباسوسى هو أديب وناقد ولذلك جاءتْ شهاداته عن تجاربه مع المرضى بأسلوب أدبى رفيع ومُـشوّق، وأقرب إلى القصص القصيرة، التى تفتح أمام جيل الشباب من المُـبدعين آفاقــًـا مُـتعـدّدة من التجارب الإنسانية.

ومن محاور الكتاب

المحورالأول: أهمية دور الأسرة، وهذا الدور يتراوح بين مساعدة المريض النفسى وتشجيعه فيتماثل للشفاء، أو إهماله وعدم العناية به، فينتكس وتتفاقم حالته إلى الأسوأ.

المحورالثاني: أثبتتْ اللقاءات أنّ النسبة الغالبة كانت لصالح الأسر التى ساندتْ الطبيب ونفــّـذتْ تعليماته، فتجاوز المريض أزمته.

المحورالثالث: الطبيب النفسى يـُـواجه مشكلة حجب الأسرار التى يخجل منها المريض، بينما المريض الذى لديه (رغبة حقيقية) فى الشفاء هو الذى يبوح بكل ما تسبـّـب فى مرضه، مثل حالات من تعرّضوا للاعتداء الجنسى فى طفولتهم، فأصيبوا بآفة (الحب المثلي) المعروف- عربيـًـا- باسم اللواط. وكان المرضى الذين أورد الطبيب تجربتهم فى الكتاب لديهم شجاعة الاعتراف، ولكنهم لم يواصلوا جلسات العلاج (من ص305- 314) كمثال

المحور الرابع: تشابه حالات المرض النفسى رغم اختلاف جنسيات المرضى، ومن أشهر هذه الحالات (مرض التوحد) أو(اضطرابات التوحد) أو(الدوران حول الذات) وذلك وفق التعريفات العلمية، وحسب مقاييس الذكاء التى أجراها بعض العلماء، تبيـّـن وجود (تدهور فى القدرة العقلية والمعرفية) والخوف من الأماكن العامة، والاختلاط مع الآخرين..إلخ. مثل المريض الذى يرفض صلاة الجماعة فى المسجد. وبعد أنْ تجاوز بعض العقبات وكاد أنْ يتماثل للشفاء، انتكس بسبب (عدم التواصل بين الأم والأب بخصوص البرنامج السلوكى المعرفى للابن. وهذا النمط من السلبية يـُـهـدّد مسار العلاج وفشل تجربة علاجية توشك أنْ تنجح) (من ص314- 326)

المحور الخامس: تضحيات المُـقرّبين من المريض (أب، أم، زوج، زوجة، أخ، أخت) وهى تضحيات من النوع الذى يتطلب درجة عالية من قوة الاحتمال والاصرار على شفاء المريض، رغم مؤشرات اليأس. وفى الكتاب عدة نماذج منها نموذج الزوجة التى أصيب زوجها بمرض (الشلل الرعاش) بسبب إصابة عموده الفقرى، فأجرتْ بعض الاتصالات بالمعارف (وأهل الخير) حتى جمعتْ مبلغ 200 ألف جنيه. وبعد تحسن حالة الزوج (النسبية) والتحكم فى أعصابه مع القدرة على الحركة، تعرّضتْ العلاقة الزوجية لانتكاسة بسبب (ضعف شخصية الزوج أمام أقاربه وتدخلاتهم فى حياته مع زوجته. انتهتْ هذه القصة الواقعية بهروب الزوج الذى اختفى فترة ولما ظهرلم يعد لزوجته، والأكثر مأساوية رفض طلاقها.

المحور السادس: الوسواس القهرى ومن أعراضه الشك فى كل المحيطين بالمريض، وفقدان الذاكرة والنسيان مثل نسيان عدد الركعات فى الصلاة، وبالتالى البدء من جديد ووصل الأمربمريضة أنها كانت (تشك هل هى متزوجة أم لا؟) والاعتقاد بأنّ زملاء العمل (نجسين) وقالت إحدى المريضات (كل ما أقابل واحدة مسيحية تجينى نفس الوساوس) (ص249)

وعن صعوبة عمل الطبيب النفسى والسدود والأسوارالمُـنتصبة (وتمنع الدخول إلى أعماق النفس البشرية) امتلك د.الباسوسى شجاعة الاعتراف (رغم خبرته عشرات السنين) أنّ المرض النفسى لايزال لغزًا مُـستعصيـًـا على الحل. ورد فى بعض موسوعات الطب العالمية أنّ الحضارة المصرية، عرفتْ نوعـًـا من العلاج بالموسيقى، والجلسات الجماعية. كما اعترف سيجموند فرويد بدورالمصريين القدماء فى (الطب النفسي) وأنه كان يضع تمثالا لرمز الحكمة (بتــّـاح) على مكتبه. وعندما هرب من النازيين إلى بريطانيا قال: حرصتُ على اصطحاب أصدقائى معى فى إشارة إلى نماذج من تماثيل الحكماء المصريين.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق