-
من يوقف «حرق» أسعار السياحة المصرية فى الصين؟
-
«المنظمة العالمية»: الصين القوة السياحية الأولى فى العالم.. ومواطنوها ينفقون 261 مليار دولار..ويتفوقون على الأمريكيين الذين ينفقون 123 مليار دولار
-
135 مليون سائح يخرجون من الصين .. كان نصيب مصر منهم العام الماضى 280 ألفا
-
فرنسا وإسبانيا تقدمان خدمات متميزة للسائح الصينى .. ونحن لا نقدم سوى ضرب الأسعار
ما نكتبه اليوم عن أسعار السياحة المصرية «المخزية» فى الصين ليس جديدا.. ولكن ما دفعنا إلى إعادة الكتابة هو «رسالة غاضبة» من صاحب إحدى شركات السياحة التى تعمل مع شركة فى السوق الصينية مشهورة بأنها تحرق الأسعار أو تضرب الأسعار.. لدرجة أن الأسبوع فى مصر يباع فى الصين بعد سعر الطائرة بما يوازى 70 أو 90 دولارا.. أكرر الأسبوع.. يعنى الليلة فى فنادق 5 نجوم فى الأقصر وأسوان إقامة شاملة بهذا السعر وفى رواية أخرى بخمسة دولارات فقط للفرد فى الكابينة!!.
لقد كتبت عن هذه السوق أكثر من مرة وقلت إن المصريين عندما يفعلون ذلك يبدون كمن يطلق النار على قدميه ليصبح عاجزا عن الحركة والتحرك والنمو والتنمية وكأنه يعمل لحساب جهات أخرى تريد أن تقتل السياحة المصرية كمورد لدعم الاقتصاد القومي.
العجيب أننى سمعت ذات مرة من أحد أصحاب الفنادق العائمة أن إحدى الشركات التى تعمل فى الصين عرضت عليه »زبائن« من الصين ولكن بشرط أن يعطيهم الغرفة أو «الكابينة» مجانا.. وعندما سألهم وماذا أستفيد قالوا له «خد إنت الزبائن وقلبهم وطلع مكسبك.. بيع لهم رحلات أو من البازارات اتصرف يا أخى وطلع ثمن الغرفة.. مش كفاية إننا جبناهم لحد عندكم.. كبر دماغك وفتح مخك يا مان»!!
يا إلهي.. ما هذا الذى يحدث من المصريين.. إن الذين يبيعون بهذه الأسعار فى الصين هم المصريون أنفسهم.. إن هذا إهدار عجيب لسمعة السياحة المصرية التى باتت تصنف فى الأدبيات السياحية العالمية بأنها مقصد سياحى رخيص.
إلى هذا الحد وصل الاستهتار بسمعة مصر.. للأسف ليس فى السوق الصينية فقط بل فى أسواق أخرى فى الهند وأوروبا وأصبحنا بالفعل مقصدا رخيصا.. لكن الأخطر أن هذا لا يناسب مقومات مصر السياحية وأكثر من هذا إهدار لمواردها ومقوماتها الطبيعية التى لا مثيل لها فى العالم.. والتى كان يقولون عنها سابقا إنها مقصد سياحى فريد.. لقد كانت الكابينة فى الفنادق العائمة تباع بسعر 200 دولار للفرد.. الآن تباع للأسف بخمسة دولارات للفرد أو حتى 10 أو 12 دولارا إقامة شاملة.
طبعا هذا لا يمنع من أن هناك البعض ممن يحترمون قيمة السياحة المصرية ويقدمون خدمة متميزة يبيعون بأسعار أعلى ولكن الغالبية «مرمطط» سمعة مصر السياحية.
إن الأسباب كثيرة لهذا التدهور وتدنى مستوى الخدمة بسبب التوسع فى الطاقة الفندقية وبسبب زيادة عدد شركات السياحة لتصل حاليا إلى أكثر من 2500 شركة فى حين كانت قبل هذه الألفية لا تتعدى 500 أو 700 شركة.
أعود إلى الصين وأقول إن هذه الدولة هى القوة السياحية الأولى فى العالم حاليا خاصة فى الإنفاق من جانب مواطنيها على السياحة كما تقول منظمة السياحة العالمية وبالأرقام الصين يخرج منها للعالم نحو 135 مليون سائح سنويا ينفقون نحو 261 مليار دولار وبذلك يحتلون المركز الأول فى قائمة أكبر 50 دولة إنفاقا على السياحة عام 2016 قبل أمريكا التى تأتى فى المركز الثانى بنحو 123 مليار دولار وألمانيا فى الثالث بنحو 81 مليار دولار رغم أننا نقول إن الألمان «أبطال العالم فى السياحة».
أما السياحة داخل الصين فتقول الأرقام إنها استقبلت فى عام 2016 نحو 59٫3 مليون سائح حققوا عائدا للصين نحو 44٫4 مليار دولار.
إن هذه الأرقام تؤكد أهمية السياحة من الصين.. لكن للأسف مصر لا تأخذ نصيبها العادل من هذه الحركة رغم تدنى الأسعار وكل من زار مصر فى عام 2016 كان نحو 179 ألف سائح والعام الماضى 2017 وصل إلى نحو 280 ألف سائح أى أن مصر بعيدة جدا عن أعداد معتبرة من الصين.
للأسف هناك دول كثيرة مثل فرنسا وإسبانيا وغيرهما تقدم خدمات سياحية خاصة للسائح الصينى وتوفر له مرشدين وكل متطلباته فى الغرف لأنهم يريدون جذب هذا السائح الذى يعتبر الأول فى الإنفاق على السياحة.
ولذلك الحزن يملأ القلوب حينما نرى أن هذا السائح لا ينفق شيئا فى مصر سوى 70 أو 100 دولار فى الأسبوع.. هل هذا معقول؟
من فعل هذا بالسياحة المصرية؟
الإجابة بالطبع المصريون أنفسهم الذين يتنافسون بطرق غير شريفة أو غير مشروعة وبنظرة ضيقة وينسون مصلحة مصر والاقتصاد القومى أو ينظرون تحت أقدامهم .. إن فكرة «عيشنى النهاردة ... وموتنى بكرة» فكرة خاطئة والمستقبل الحالك ينتظر كل من يفعل ذلك أو يفكر بهذه الطريقة.
والسؤال الذى يطرح نفسه.. من يوقف هذا الحرق فى الأسعار فى الصين؟.. ونحن نقول إن الدولة متمثلة فى وزارة السياحة بالتأكيد فلديها أدوات كما أن غرفة شركات السياحة لديها أدوات وغرفة الفنادق يجب أن تمنع هذه الأسعار بالفنادق وكذلك اتحاد الغرف السياحية وقبل ذلك كله ضمير أصحاب الشركات وميثاق الشرف فى المنافسة بما يحقق مصلحة الاقتصاد.
ولست اليوم فى مجال شرح أدوات مواجهة هذا التدني.. فقط أنا أعرض اليوم «المصيبة» وعلى الجميع أن يفكر فى هذه الأسعار المخزية للسياحة المصرية فى الصين.
يجب أن تقرأوا معى هذه الرسالة التى وصلتنى ودفعتنى للكتابة مرة أخرى فى قضية الصين الدولة الأولى فى الإنفاق على السياحة فى العالم.
تقول الرسالة «الغاضبة» التى تثير فى النفس ذكريات مؤلمة عن تعامل المصريين فى تسويق السياحة المصرية:
مقدمه لسيادتكم/ رئيس مجلس ادارة شركة (...) للسياحة
أتشرف بعرض الآتي:
حيث إن شركتنا متعاقدة مع شركة سياحية فى الصين، وتقوم تلك الشركة ببيع البرامج التى تقدمها لعملائها من خلال موقعها الإلكترونى على شبكة الإنترنت، ثم يتم إبلاغنا بالبرنامج المراد تنفيذه وبيانات العميل ومكان إقامته فى مصر لتنفيذ البرنامج.
وفى يوم 5 فبراير 2018 تم إخطارنا بوجود بعض العملاء التابعين للشركة الصينية المقيمين فى فندق ميريديان هليوبوليس لتنفيذ برنامج (أوفر داى اسكندرية)، وقامت شركتنا بإخطار ادارة تأمين الأفواج السياحية وعمل الإخطار اللازم لتنفيذ البرنامج فى موعده.
وفى يوم 6 فبراير 2018 قام مندوب شركتنا والسائق ومعه إخطار شرطة السياحة بالتوجه لفندق ميريديان هليوبوليس الساعة السابعة صباحا لاصطحاب العملاء (6 أفراد صينيين) إلا أننا فوجئنا عند ركوب العملاء للباص الخاص بشركتنا بقيام مرشدة سياحية ومندوب تابع شركة (...) التى تعمل فى الصين بإب لاغ شرطة السياحة بأن هؤلاء العملاء يتبعون شركتهم وليس من حق شركتنا تنفيذ أى برنامج لهم! وقام أحد أفراد شرطة السياحة الموجود بالخدمة بفندق ميريديان هليوبوليس بتهديدنا إما أن نقوم بإنزال السائحين من الباص أو سيقوم بعمل محضر ضد شركتنا.
ونتيجة لهذا التصرف قمنا بإنزال السائحين خوفا من تحرير محضر ضد الشركة، وعندما علمت الشركة فى الصين بأننا لم نقم بتنفيذ البرنامج المتفق عليه قاموا بالرجوع علينا بالتعويض نتيجة إخلالنا ـ من وجهة نظرهم ـ باتفاقنا معهم.
لذلك، يرجى التكرم من سيادتكم ببحث شكوانا هذه لوضع ضوابط وقوانين تمنع مثل تلك الشركات التى تقوم ببيع البرنامج السياحى بأقل من تكلفته الفعلية ثم تقوم بتعويض الفارق من السائح فى أثناء وجوده فى مصر فى الرحلات الفردية التى لا يشملها البرنامج الأساسى وبأسعار مغال فيها، مما نتج عنه منع الشركات المصرية الأخرى المتعاقدة مع شركات أخرى فى الصين ـ مثل شركتنا ـ بتقديم خدماتها للسائحين، فلماذا تتعرض شرطة السياحة لهذا الأمر مادام تم إخطارها رسميا بالبرنامج المراد تنفيذه، وتقوم بمساندة تلك الشركات مثل (شركة...) التى تقوم بـ (حرق الأسعار)، فالهدف الأول لجميع من يعمل فى هذا المجال هو إدخال السعادة والبهجة على السائح ليعود مرة أخرى إلى مصرنا الحبيبة، وليس تكديره ومنعه من القيام بالبرنامج الذى يريده بطريقته، وقد يصل الأمر إلى منع السائح من مغادرة الفندق، وهذا ليس مناخا صحيا للتنمية السياحية فى مصر.
أرجو من سيادتكم اتخاذ اللازم نحو السعى إلى وضع آلية أو ضوابط تتيح لنا وللشركات الأخرى العمل بعيدا عن هذا المناخ السييء بما يحقق مصلحة السياحة المصرية.
ويبقى السؤال: من يمنع الاستمرار فى «قتل» السياحة المصرية «بدم بارد» فى الصين؟!
melnaggar@ ahram.org.eg
رابط دائم: