انتشرت فى ربوعنا ثقافة «العنف اللفظي» الذى يقوم به الشغوفون للصيت والشهرة فى إشارة واضحة إلى أن هناك خللاً كبيراً فى مفهوم حرية التعبير، ونحن نرى هذا الاختلاط فى الأوراق بين العقول الكبيرة التى تناقش الأفكار، والعقول الصغيرة التى تناقش الأشخاص .. فمن الذى قال إن حرية التعبير تعنى السب والشتم، وإلحاق التهم جزافا؟ ومن الذى قال أنها تعنى الانقضاض على رموزنا الدينية والوطنية وتجاهل دورها التاريخى فى أمجادنا السابقة، وأن نهيل عليها التراب بشكل فج؟ .. إن علينا أن نتعلم من جديد أبجديات حرية التعبير، والنقاش الناضج البناء الذى يرتقى بنا كأفراد ومجتمعات والتخلى عن الفهلوة فى الكلام الذى قد يصلح لبعض المناسبات ولا يصلح لغيرها، وعلينا أن نفرق بين الحوار مع عامة الناس من خلال وسائل الإعلام المختلفة بحيث يكون الحديث إليهم بعيداً عن هدم ما رسخ فى الأذهان، وبمنأى عن إدخالهم فى متاهات وتفاصيل دقيقة من شأنها تفكيك الضمير الجمعى وإحداث اهتزاز فى قيم راسخة شكلت بنياناً من القدوة الحسنة، وبين أحاديث تجرى داخل أروقة العلم من خلال سجال بين علماء لهم باع طويل كلٌ فى مجاله، ينتهى باتفاق أو اختلاف فى الرؤى دون المساس بكيان ومستقبل الوطن، وبعيداً عن الضرب على الهوية وتخريب ذاكرة الأمة بعد أن أصبحنا نتعرض لعمليات استباحة لقيمنا وأعرافنا، وكذلك ممارسة الإفساد العام للوعى الجمعى دون رقيب فتكون النتيجة الحتمية جيلاً يكون نهباً لأفكار دخيلة تطفئ ما تبقى لديهم من وهج الضمائر الحية فيستوحشون طريق الحق والصواب، ويأنسون طريقاً غاب عنه مفاهيم القيم والأخلاق تمهيداُ للزج بهم إلى غياهب عدم الانتماء والوطنية.
عبد الحى الحلاوى مدير عام بالمعاش ـ قوص
رابط دائم: