رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

اتفاق على مؤازرتها وخلاف على زيارتها
عقل «الإمام» السياسى ينتصر ويعيد القدس للصراع الدينى

محمد أمين المصري;

رغم الكلمات الكثيرة التى ترددت فى جنبات قاعة مركز مؤتمرات الأزهر التى استضافت فاعليات «مؤتمر الأزهر لنصرة القدس» الأسبوع الماضى، سواء فى الجلسة الافتتاحية أو غيرها من جلسات الحوار على مدى يومين، فإن كلمة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف،

تضمنت الكثير من المواقف والمعانى السياسية وعكست قوة فى المواقف قلما يعلنها السياسيون، رغم تضارب بعض المواقف فى المؤتمر نفسه بشأن ضرورة فتح الزيارة أمام العرب مسلمين ومسيحيين لمدينة القدس والصلاة بالمسجد الأقصى وكنيسة القيامة وزيارة معالمها الإسلامية والمسيحية.

...............................................

ويبدو أن شيخ الأزهر لم يكن فى حاجة الى التذكير بأن الأزهر هو صاحب مبادرة نصرة القدس، فتخلى تماما عن مصر القضية فقط فى إطار الدين اللهم سوى فى اختتام كلمته عندما أراد التنبيه الى أن الأمة العربية والإسلامية مستهدفة فى دينها وهويتها وتعليمها ووحدتها، وأن عليها الاعتماد على سواعدها وتستعيد ثقتها فى الله وفى أنفسها وقدرتها وألا تركن إلى وعود الظلمة القابعين وراء البحار ممن قلبوا لنا ظهر المجن، وتجاوزوا كل الخطوط الحمراء: {وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} (هود: 113) . كانت الكلمة بحق رسالة قوية للمجتمع الدولى بأن العرب والمسلمين لن يتركا القدس ومسجدها الأقصى للاحتلال الصهيونى..حتى إن شيخ الأزهر أعاد التنبيه الى ضرورة تذكير العرب والمسلمين بأن احتلال فلسطين هو احتلال صهيونى : «المؤتمر يدق من جديد ناقوس الخطر والتصدى للعبث الصهيونى المدعوم من السياسات المتصهينة». وتكررت كلمة «الصهيونية» أكثر من مرة فى كلمة شيخ الأزهر: «العبث الصهيونى الهمجى والكيان الصهيونى والسياسات المتصهينة» وهى الصفة التى غابت تماما عن مفردات الخطاب العربى الرسمى عقب توقيع اتفاقيات السلام المنقوصة بين الفلسطينيين والإسرائيليين التى استغلتها إسرائيل وأجبرت الجمعية العامة للأمم المتحدة على إلغاء قرار سابق لها بمساواة الصهيونية بالعنصرية.

ولعل من أخطر ما طالب به شيخ الأزهر هو عدم تردد العرب والمسلمين فى التعامل مع قضية القدس من المنظور الديني: إسلاميا كان أو مسيحيا:«من أعجب العجب أن يهمش البعد الدينى فى مقاربات القضية الفلسطينية، بينما كل أوراق الكيان الصهيونى أوراق دينية خالصة لا يدارونها، ولا يحسبونها سوءات يتوارون منها».فالكيان الصهيونى يستبيح دماء الناس وأعراضهم وأموالهم مدعوما من الصهيونية المسيحية الحديثة التى تقف وراءه وتدعمه وتؤمن له كل ما يحلم به، من تفسيرات دينية زائفة مغشوشة يرفضها آباء الكنيسة وعلماء المسيحية وأحبارها ورهبانها وينكرونها أشد الإنكار.

وقد تضمنت كلمة شيخ الأزهر تأكيدا بالغا بأن كل احتلال الى زوال إن عاجلا أو آجلا وأن عاقبة الغاصب معروفة ونهاية الظالم معلومة، مستذكرا أساطير الاستعمار القديم والحديث :«الزّوال هو مصير المعتدين، وأن كل قوة متسلطة فيما يقول ابن خلدون- محكوم عليها بالانحطاط، فهذه حقيقة كونية وسنة إلهية والشك فيها زراية بالعلم وبالعقل وبأمانة التفكير». ثم استدرك الإمام الطيب هذه الحقيقة الكونية بانتقاد مبطن للعرب والمسلمين :«إلا أن هذه الحقيقة مقرونة بحقيقة أُخرى تسبقها وتعد لولادتها، وأعنى بها امتلاك القوة التى ترعِب العدوان وتكسِر أنفه وترغِمه أن يعيد حساباته، ويفكر ألف مرة قبل أن يمارس عربدته وطغيانه واستهتاره واستبداده». ويستمر شيخ الأزهر فى نقد الذات حتى لو كنا أمة تدعو للسلام، فدعاة السلام لا يعرفون الذلة والخنوع والمساس بذرة من تراب الأوطان أو المقدسات:«السلام تدعمه قوة علم وتعليم واقتصاد وتحكم فى الأسواق، وتسليح يمكنه من رد الصَاع صاعين وبتر أى يد تحاول المساس بشعبِه وأرضِه».

وتتواصل السياسة فى كلمة الإمام غير مبالية سوى بالتحفيز على ضرورة استرداد منطق القوة والعلم:«وإذا كان قد كتب علينا فى عصرنا هذا أن يعيش بيننا عدو دخيل لا يفهم إلا لغة القوة، فليس لنـا أى عذر أمام الله وأمام التاريخ فى أن نبقى حوله ضعفاء مستكينين متخاذلين، وفى أيدينا لو شئنا - كل عوامل القوة ومصادرها المادية والبشرية»..فتمت هنا الإشارة الى نقاط الضعف والقوة أيضا، رغم أن هذه القوة ربما لا نراها أو نشعر بها فى وقتنا الراهن. وتتصاعد قوة الكلمة لتتخلى عن الانتقاد المبطن الى الاتهام الصريح الى قيادات عربية بأنها السبب فى هزيمة العرب بسبب ضعفها وتشتت مواقفها وعدم قتالها تحت راية واحدة :«وأنا ممن يؤمن بأن الكيان الصهيونى ليس هو الذى ألحق بنا الهزيمة فى 48 أو 67 أو غيرهما من الحروب والمناوشات، وإنما نحن الذين صنعنا هزيمتنا بأيدينا، وبخطأ حساباتنا وقِصَر أنظارنا فى تقدير الأخطار، وتعاملنا بالهزل فى مواطن الجد».. أما عن الوقت الراهن، فلم تعد الخطب الرنانة والمقالات ترهب العدو الذى يواصل حملاته المسعورة فى ابتلاع الأراضى الفلسطينية :«لم تغير خطب أساطين السياسة والعلم والفكر والإعلام عبر سبعين عاما، واقعا أو تتوقِف شهوة مسعورة فى القضم والابتلاع».

ثم تنظر الكلمة إلى واقعنا الراهن المؤلم حيث خطط تفتيت الأوطان وتقسيم المقسم لتنصيب إسرائيل شرطيا على المنطقة فى تأكيد واضح لمعاناتنا وضرورة مواجهة التحديات :» فقد بدأ العد التنازلى لتقسيم المنطقة وتفتيتها وتجزئتها، وتنصيب الكيان الصهيونى شرطيا على المنطقة بأسرها تأتمر بأمره، ولا ترى إلا ما يراه هو ويريها إياه، وما على المنطقة إلا السمع والطاعة»..ولم يترك شيخ الأزهر تحذيره إلا وهو يضرب الأمثلة على هذا مع تنبيه القيادات الراهنة من لعنة الأجيال القادمة إذا تركنا الأمور هكذا دون استعادة ما ضاع وتم اغتصابه: «إن نظرة على ما يدبر لهذا الوطن على شواطئ الأطلسى، ومداخل البحر الأحمر وشواطئ شرق المتوسط، وامتداداتها، فى اليمن والعراق وسوريا لجديرة بالتنبيه إلى أن الأمر جلل، وأن ترديد الخطب واجترار الشعارات لم يعد يناسب حجم المكر الذى يمكر بنا، وأننا لو واجهناه بما اعتدنا مواجهته به منذ سبعة عقود فلسوف تلعننا الأجيال القادمة، ولسوف يخجل أحفادنا من أن نكون آباءهم وأجدادهم».

وينتقل شيخ الأزهر الى الحديث المكثف عن القدس وضرورة الخروج بنتائج عملية غير تقليدية، من أجل إعادة الوعى بالقضية الفلسطينية عامة وبالقدس خاصة، منتقدا فى نفس الوقت وسائل الإعلام المختلفة العربية والإسلامية، التى تتجاهل الحديث عن فلسطين و القدس تماما اللهم سوى بعض الأخبار النادرة، كما أن هذا الإعلام لم يحشد طاقاته فى هذا الميدان الذى نجح فيه العدو فى تسخيره كل إمكاناته لقضيته.

متى يزور العرب والمسلمون والمسيحيون القدس؟

ورغم الكلمات القوية التى ترددت فى جنبات قاعة المؤتمر، فإن الأمر لم يسلم من خلافات تصل الى حد وصفها بالحادة، ونقصد تحديدا دعوة الرئيس الفلسطينى محمود عباس العرب والمسلمين والمسحيين الى ضرورة زيارة القدس وعدم ترك أهلها وحدهم، وهى دعوة توجب علينا جميعا معايشة آلامهم ومعاناتهم، عبر زيارتهم والصلاة فى المسجد الأقصى وكنيسة القيامة. وهو ما وافق عليه الدكتور محمود حمدى زقزوق، وزير الأوقاف الأسبق، وعضو مجلس حكماء المسلمين، إذ دعا أيضا إلى زيارة بيت المقدس، وأن على المسلمين أن يكثروا من زيارته كما يحجوا إلى البيت الحرام، حتى يجعلوا العالم يشعر بأن القدس إسلامية، وأنه لا يمكن التهاون فى شأنها أو التنازل عنها. وأشار زقزوق الى مطالبته قبل 20 عاما بالذهاب لبيت المقدس، حيث تم اتهامه وقتذاك بالتطبيع. ولكن المفكر الإسلامى لم يعترض على عدم التجاوب مع دعوته آنذاك، ويطالب بالإسراع بالذهاب للقدس الآن من أجل خلق واقع جديد.

إلى هنا والموقف مؤيد لدعوة الرئيس محمود عباس لزيارة القدس لمؤازرة أهلها، ولكن الخلاف دب بإعلان الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر الشريف - فى كلمته خلال المؤتمر - موقفَ الأزهر الرافض لزيارة القدس تحت الاحتلال، فى حين لم يصدر أى معنى بالرفض الصريح خلال إعلان الأزهر العالمى لنصرة القدس الذى ألقاه شيخ الأزهر بنفسه. ولم يكن رفض شومان دعوة زيارة القدس مقنعا، بسبب ما ذكره بأن مستوى وعى النشء العربى والإسلامى بقضية القدس الشريف ليس على المستوى المطلوب. ثم إن وكيل الازهر جزم بأن الرفض صادر من مؤسسة الأزهر نفسها وليس موقفه الشخصى، وكان حريا به وهو من كبار المسئولين تضمين هذا الموقف فى البيان الختامى..فى حين أن موقف أهل القدس أنفسهم مع زيارة العرب والمسلمين والمسيحيين لمدينتهم لأسباب عدة، أولها الصلاة فى المسجد الأقصى وقبة الصخرة والمصلى المروانى وزيارة كنيسة القيامة والتعرف على معالم المدينة وإعلان الزوار تضامنهم مع قضيتهم العادلة. وثمة شق اقتصادى يتعلق بتنشيط الحالة التجارية فى المدينة التى تخضع لقيود صارمة من جانب الاحتلال الإسرائيلى ومحاولة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تشديد الخناق على تجارها وسكانها لإجبارهم على مغادرتها..ولعل هذا هو سبب دعوة جميع القادة الفلسطينيين الى زيارة القدس، فزيارة السجن لا تعنى بالضرورة الاعتراف بالسجان، وأهل القدس أدرى بأمانيهم.

وإذا كان نص الإعلان الختامى لمؤتمر الأزهر لنصرة القدس قد أكد أن القدس هى العاصمة الأبدية لدولة فلسطين المستقلة ويجب العمل الجاد على الاعتراف الدولى بها، وأن عروبة القدس أمر لا يقبل العبث أو التغيير، فالمطلوب فى هذه الحالة تأييد دعوة زيارة القدس، حتى نخلق واقعا عربيا وإسلاميا جديدا بتأكيد رفضنا قرارات إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. وكما قال البيان : «هذا القرار لا يعدو أن يكون حبرا على ورق»، فأولى بنا جميعا دعم المقدسيين فى صمودهم وانتفاضتهم فى مواجهة القرارات المتغطرسة بحق القضية الفلسطينية ومدينة القدس والمسجد الأقصى، حتى نخطو خطوة جيدة للأمام ونتبنى مواقف عملية ونتخلى ولو لمرة عن الكلام، وهو الهدف الأسمى لمؤتمر الأزهر لنصرة القدس.

ثم كيف يؤكد إعلان الأزهر فى بيانه الختامى «عروبة القدس» وكونها حرما إسلاميا ومسيحيا مقدسا عبر التاريخ وأنها العاصمة الأبدية لدولة فلسطين المستقلة التى يجب العمل الجاد على إعلانها رسميا والاعتراف الدولى بها وقبول عضويتها الفاعلة فى جميع المنظمات والهيئات الدولية، بينما يأتى مسئول بمرتبة وكيل الأزهر ليطالب بمنع العرب والمسلمين من إعلانهم اعترافهم العملى بذلك عبر زيارتها. وإذا كان البيان قد أكد أيضا أن عروبةَ القدس أمر لا يقبل العبث أو التغيير، وهى حقيقة ثابتة تاريخيا منذ آلاف السنين، فهذا أمر يستدعى أيضا ضرورة قبول دعوة الرئيس الفلسطينى وغيره لزيارة بيت المقدس، ليكون الاعتراف من جانبنا نحن أولا حتى نطلبه من الآخر.

وأخيرا، طالب إعلان الأزهر العالمى بضرورة وجوب تسخير جميع الإمكانات الرسمية والشعبية العربية والدولية (الإسلامية، المسيحية، اليهودية) من أجل إنهاء الاحتلال الصهيونى الغاشم الظالم لأرض فلسطين العربية..وهنا يجب على الحكومات العربية والإسلامية تسهيل زيارة مواطنيها للقدس الشرقية فى إطار الإمكانات الرسمية والشعبية التى تحدث عنها الإعلان.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق
  • 1
    غيث
    2018/01/26 00:41
    2-
    1+

    بالعربى : بيئة صحية نظيفة امنة للجميع اولاً
    بالعربى : بيئة صحية نظيفة امنة للجميع اولاً
    البريد الالكترونى
    الاسم
    عنوان التعليق
    التعليق