رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

جناية أفعل التفضيل !

د. مصطفى رجب

لا أحد يستطيع أن يحدد بالضبط بداية ولع العقل العربى بصيغ التفضيل، فكُتب التراث تحوى الكثير عن أهجي، وأمدح، وأغزل، وأفخر بيت قالته العرب!! والعجيب أن بعض المؤلفين، يدفعهم تعصبهم لشاعر كبير كجرير فيجعلون قوله: ألستم خيرا من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح؟

أمدح بيت فى العربية، وقوله: إن العيون التى فى طرفها حور قتلننا ثم لم يحيين قتلانا أغزل بيت. إلى آخر اللعبة التى تنتهى بالحكم المعروف: أن جريراً أشعر العرب !!

هذا التفكير «الأُحادي»، أو «الآحادي»، له انعكاسات خطيرة على العقل العربي، فأبو حنيفة أعظم الفقهاء (عند أنصاره)، والشافعية يرون إمامهم أعظم الفقهاء وأتقاهم، وبالضرورة فالحط من مكانة أبى حنيفة واجب، ولأن مالكاً أعلم الثلاثة عند المالكية كان لابد من التهوين من شأن أبى حنيفة والشافعي، وهكذا صنع الحنابلة، والأربعة فى النهاية هم «الأعظم» فضاعت جهود فقهاء عظام لم تتح لهم شهرة الأربعة، مثل الأوزاعي، وزيد، والليث بن سعد، وداود الظاهري، وغيرهم. والكلام نفسه قيل عن كتب الحديث، فالغالبية يرددون «أصح» كتاب بعد كتاب الله «صحيح البخاري» أو «مسلم». والإباضية يصفون مسند «الربيع بن حبيب» بأنه الأصح بعدالقرآن، فاتسعت هوة الخلاف، نفسياً على الأقل. وكتب اللغة تؤكد أن التفضيل صيغة اشتقاقية لا تعنى إلا زيادة المفضل على المفضل عليه، دون سلب المفضل عليه الخاصية الأصليةِ موضوع التفاضل، إلا أن قولنا: زيد أحد بصراً من عمرو أصبح يعنى فى مفهومنا أن عمرواً لابد له من نظارة طبية كثيفة، مع أن نظره قد يكون 6 على 9، بينما نظر زيد 6 على 6، وبذا يكون هناك ملايين نظرهم يتراوح بين 6 على 12 و6 على 60، لكنهم لا يشعرون بمهانة عمرو حين يسمع تلك الجملة التفضيلية .وترتب على هذا: أولاً:انحياز المفضَّل عليه إلى نفسه، وانحياز أنصاره إليه، فنتج عنه أن وجد فى المجتمع العربى فريقان كبيران: الفرزدقيون والجريريون، وتحولت العقلية العربية من الأحادية إلى الثنائية. ففى مصر أكثر من خمسة عشر نادياً رياضياً لكن المصرى يجب أن يكون أهلاوياً أو زملكاوياً. فالأهلى والزمالك هما جرير والفرزدق، ولا معنى لتشجيع غيرهما. وكثير من شعرائنا مطلع القرن العشرين كانوا مجيدين بمقاييس عصرهم، مثل أحمد محرم ومحمد عبد المطلب وخليل مطران وعلى الجارم، لكن العالم لم يتسع إلا لـ «شوقى وحافظ». والأدب كان كالشعر، ففى الوقت الذى كان فيه محمد حسين هيكل، وتوفيق دياب، وأحمد أمين، وعبد الوهاب عزام، ثم توفيق الحكيم ونجيب محفوظ، لم تكن الساحة تحتمل إلا طه حسين والعقاد، فانقسموا إلى طحاسنة وعقاديين.

وإذا فكرت بإقناع متعصب بالتحرر من التأييد أو الذم المطلق، وأنك تحب الأيام لـ طه حسين و«أنا» للعقاد بنفس الدرجة لاتهمك بأنك من «الباطنية» أو ممن يؤمنون بـ «التقية»، أى تخفى تحيزك. وما زالت صحافتنا تكرس هذا الوضع، ففلان أشجع العرب، وفلان أعلم أهل عصره، وفلان أمهر لاعب فى الفريق.

ومن الأحادية إلى الثنائية أضاع العقل العربى جهوداً كبيرة فى الخصومات والعصبية كان من الممكن أن تستغل لمزيد من العطاء والإبداع بعيدا عن مقارنة البحترى بأبى تمام، وشوقى بحافظ!.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق