رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«طوكر» تنتشل تاريخنا الحديث من النسيان

عائشة عبد الغفار

بعض مؤلفى الأدب يفلحون أحيانا بإحياء فترات منسية من التاريخ، وبعثها مجددا أمام القراء بأسلوب مشوق يشعرهم أنهم يعيشون أحداث تلك الفترة، ويتفاعلون مع شخصياتها، و«عمرو شعراوى» مؤلف روايتنا هذه «طوكر» (حكاية مائة وألف قمر) الصادرة عن دار العين، وهو نجل «محمد باشا شعراوى» وحفيد «هدى شعراوى» محررة المرأة، نجح فى إحياء وقائع من أصعب فترات تاريخنا الحديث، بتناوله قصة ضابط شاب شارك فى مظاهرة عابدين، وحارب فى صفوف «جيش عرابى» ضد الإنجليز، وشهد هزيمة «التل الكبير» واختبأ بعدها بعيدا عن عيون رجال الشرطة الذين نشطوا فى ملاحقة العرابيين مع دخول الإنجليز مصر، وإعادة تنصيب الخديوى توفيق حاكما لمصر. وتتوالى حكايات الضابط أثناء اختفائه، وحتى صدور العفو العام عن صغار الضباط، ونستشعر معاناته بسبب الهزيمة وانهيار طموحاته، ورغم ذلك يحاول تحقيق انتصاراته الخاصة التى تعينه فى مواجهة واقعة البائس، إلى أن ينظم إلى قوة «الجندارمة» التى تأسست لإعادة الاستقرار والأمان للبلاد، ثم يفاجأ نهاية 1883 بقرار الخديو توفيق ورئيس الوزراء «شريف باشا» بإرسال «الجندارمة» ضمن حملة بقيادة «بيكر باشا» لإنهاء حصار ضربه المهديون على حاميات المصرية شرق السودان.

والفترة التاريخية التى تتناولها الرواية، إجمالا، تعتبر نقطة البداية

للحركة الوطنية المصرية، ولحظة فارقة تشكلت فيها القوى التى نادت باستقلال مصر، وإقامة حكم دستوري، والوحدة مع السودان. ويسرد الراوى «عبد الكريم صبرى» الأحداث التى مر بها خلال ثمانية عشر شهرا، يتنقل خلالها بين تحولات كبري، وأحداث جسيمة، كأنه يمر بين هزيمتين، من «التل الكبير» إلى «طوكر». محاولا نقل الجو العام المضطرب عبر الصعوبات التى واجهها الراوي، فبدأ المشهد المصرى وقتها «بانوراميا»، من خلال نقاشات وتصرفات عموم الناس، وأورد المؤلف أحداث وحوارات حول ظهور أول دستور مصري، والمحاولات الأولى لتأسيس نظام ديمقراطي، وانقسام القوى الوطنية والمواجهة بين العرابيين والخديو، وما تبعها من احتلال الإنجليز لمصر، وملاحقة العرابيين بتهمة العصيان. ونقلت الرواية الارتباك الذى ساد المجتمع، واختباء بطلها فى مدافن «الإمام الشافعى» وعمله «ثربيا» عدة أشهر، ثم انضمامه إلى قوة «الجندارمة». وتعرض المؤلف لعدة نقاط خلافية مهمة، مثل علاقة مصر والسودان، وصراعات الأجنحة المختلفة للحركة الوطنية، وأطماع القوى الامبريالية فى مصر، وأساليب الإنجليز للسيطرة على البلاد. واللافت أن جميع شخصيات الرواية من عامة الشعب، وذكرت الشخصيات التاريخية بشكل عرضى على ألسنة الناس، وبالرغم من ذلك تظل الخلفية التاريخية حاضرة بقوة من بداية الرواية إلى نهايتها، حيث نسج المؤلف أحداثها بوقائع حقيقية ثرية، مثل إسقاط «تمثال إبراهيم باشا» من فوق قاعدته فى صيف 1882، أثناء «الثورة العرابية»، وانتشار وباء الكوليرا فى مصر فى نفس الصيف. والأدوار التى لعبتها شخصيات مهمة ومنسية مثل «شريف باشا» و«الزبير رحمة»، و«عثمان دقنه»، و«بيكر باشا». ما منح الرواية مصداقية وجاذبية تجعل القارئ يعايش أحداث وجو تلك الحقبة. وتكامل بوصف أحياء القاهرة فى نهاية القرن التاسع عشر بدقة، خاصة أحياء الأزبكية، ووش البركة، والقلعة، والمدافن المحيطة بها، والدرب الأحمر، والصليبة. وحرص المؤلف على ذكر أسماء الشوارع فى تلك الفترة، ووصف المبانى القائمة فى ذلك الوقت بالتفصيل. وفى مشهد غير مسبوق نقل المؤلف تفاصيل المعارك التى اشترك فيها بطل الرواية، وما رآه وشعر به أثناء القتال. وتمكن من رسم صورة شيقة للمعارك المختلفة، بما يعكس الجهد الضخم الذى بذله المؤلف فى دراسة تحركات القوات على الأرض.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق