رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«صبى المقهى» مكاوى زهرة البستان

مى إسماعيل
احب الحيوانات فاحبته

نعيش هذه الأيام ذكرى أربعين الأديب الراحل مكاوى سعيد. وهو مبدع بدرجة إنسان، اجتمع كبار الكُتاب والشباب حول نصه السلس من جهة وابتسامته ورُقى شخصيته الجذابة من جهة أخرى فكانوا خير زاد للمس حقيقة الأشياء التى صنعت تاريخه واسمه الذى سيظل محفوراً فى قلوب الجميع، واليوم من بيته الثانى «مقهى زهرة البستان» نتذكر مع أحبائه وتلاميذه وبكاء قططه الصامت، كثيرا من الحكايات والعادات والحقائق التى ستظل رغم رحيل «عمدة زهرة البستان».


وسط صُحبة مثقفى زهرة البستان أمسك الروائى وحيد الطويلة بجهاز التسجيل فى أحد الأركان ليبعث إلى مكاوى رسالة بعد فراقه، هامساً: «نحن الآن فى زهرة البستان بعيداً عن الحزن، لأنك يا مكاوى لم تكن تحبه، لكن المكان فارغ بلا روح من دونك». وأضاف إن جزءا من أزمة غياب مكاوى «الموت الصدمة» الذى جعل الجميع يفيق على فكرة الغياب بلا مقدمات. ربما تخاصمت أنا وهو ذات يوم، وأوجعنى أنه خصام بلا عتاب». وقال الطويلة:«نم سعيداً يا مكاوي.. مقتنيات وسط البلد تتجول باحثة تبحث عمن يلتقطها. مكاوى أنت لم تكن عابراً، حتى الذين ظنوا فى البداية هذا تركت لهم فى النهاية بصمة كبيرة.. نحبك ونفتقدك كثيراً».

ويقول صديق طفولته «مُحسن جاد» المحامي: «أنا ومكاوى قصة عُمر بدأت ونحن صغار دون السادسة نلعب فى شوارع جاردن سيتي، بعد ذلك كنا معاً فى كل المراحل التعليمية، إلى أن تفرقنا فى جامعة القاهرة، فالتحق هو بكلية التجارة وأنا بالحقوق. وربما لايعرف البعض أن مكاوى بدأ حياته الأدبية شاعراً عام 77 ولُقب بشاعر الجامعة، ووقتها كان لنا مشروعنا الصغير فى صحن كلية الحقوق، كان هو يكتب القصائد وأنا وصديقنا عباس جمجوم نرسم. بعد التخرج اشتغل مكاوى محاسبا فى الثمانينيات براتب مجز لكنه ترك كل شيء من أجل الكتابة، وكنت ألومه فيرد بثبات.. «الأدب رسالة مهمة جداً». وعن مكتبة مكاوى الثرية أكد جاد أنه بعد حصوله على موافقة الورثة بالتبرع بمكتبة مكاوى لغير القادرين، قام هو والكاتب فتحى سليمان بجرد الكُتب التى وصل عددها إلى ثلاثة ألاف كتاب تقريباً لتوزيع جزء منها على قصور الثقافة بمختلف المحافظات، وجزء لجامعة القاهرة، ومكتبة أكاديمية الفنون.

وأضاف صديقه الكاتب «فتحى سليمان»: «جرد المكتبة سيشمل أوراقه المكتوبة بخط يده، ومازلنا نناقش إهداء شهادات مكاوى الرسمية لمكتبة الإسكندرية التى نتمنى على إدارتها تخصيص جزء خاص بمكاوى داخل صرحها الثقافى العظيم. وعن علاقة مكاوى بزهرة البستان التى اختلفت كثيراً عن أبناء جيله قال سليمان: «مكاوى علامة مميزة من علامات البستان، الكل تعود على وجوده فهو معنى مهم من معانى المقهى بل هو زهرة بستان وسط البلد التى عشق مقتنياتها فعشقته. أغلبنا ذهب للبحث عن لقمة العيش أولاً ثم رجعنا للكتابة الأدبية لكن مكاوى حافظ على فكرته ومشروعا الخاص حتى أصبح مختلفاً».

وعن عشق مكاوى للحيوانات وأسلوب حياته اليومى داخل زهرة البستان قال صديقه الشاعر «عبد المنعم رمضان»: «تحدثت عن مكاوى كثيراً لكن هناك شيئا لم أذكره من قبل، هو علاقته بالحيوانات؛ فقد كانت القطط الضالة التى حول المقهى تأتى لتلهو معه وتأكل من يده، وكأن هناك لغة خاصة بينهم، اكتشفت بعد فترة أن هذا لم يكن هاجس قطط، بقدر عشقه للحيوانات والطيور.و ذهابى لزهرة البستان كان لا يكتمل إلا بجلوسى معه فهو صاحب المكان المنضبط فى عاداته اليومية؛ يأتى للمقهى التاسعة صباحاً ويغادر للقيلولة الثانية ظهراً ليعود فى الخامسة مساء، كان يجلس معنا وعندما يكتظ المكان بالبشر يقول:«بدأ العصف الذهني» ويختفي. كنت أستمتع بصمته كما استمتعت بحكاياته؛ كان يجلس ليرى من حوله أما لسانه فهو معطل أغلب الوقت، يرصد ليملأ خزائن حكاياته بقلب الأشياء التى لمسها فى صمت. آخر لقاء لنا يوم الجمعة السابق لوفاته كان يحدق بصمت، لم أكن أعرف أنه الوداع الأخير».

وعن مكاوى الإنسان البسيط يقول صبى المقهى «هاني»: «الدكتور مكاوى سعيد هو زهرة البستان، كنت أناديه دائماً بالدكتور وسأظل لأنه داوى قلب وروح كل من جلس معه على هذه القهوة. منذ زمن طويل يأتى ليجلس يومياً فى مكانه المعتاد، وبمجرد وصوله نقدم له طلبه الصباحي، فالكل يعرف ما يريده دون أن يطلب، وبعد قراءته للجرائد كنت أجلس معه لنتحدث ونضحك كأصدقاء، كان يتعامل معى ومع زملائى ببساطته المعتادة دون أى حواجز يسمع لمشاكلنا ويشاركنا أفراحنا، كان متواضعاً يأتى للجلوس معه من وقت لآخر الكثير من المثقفين الشباب والكبار كان يعرفنى عليهم كصديق له.

ويقول الكاتب الشاب «وسام جنيدي»: «ليلة عزاء مكاوى وجدتُ أحد الحضور الشباب يسأل: « سأتحدث مع من فى الصباح الباكر عندما أذهب إلى زهرة البستان بعد ذهاب مكاوي!؟». كان هذا الصوت كأنه صدى لما بداخلنا جميعاً، بالفعل مع من سوف نجلس بعد افتقاد مكاوى الذى كان موجودا دائماً بابتسامته وروحه النقية التى تدخل حياتك بخفة شديدة وهو يتحاور معك بكل هدوء، لتجد نفسك تحكى كل ما بداخلك بارتياح ومع الوقت تكتشف انه موجود لأجلك، كنت من كبار الكُتاب أو من طالبى النصح فى الكتابة، أو القضايا الشخصية، كتاب، أو من أبناء وسط البلد المهمشين؛ سيظل فى قلوب هؤلاء رغم رحيله.

وتحكى الإعلامية التونسية «سماح قصد الله» قصة معرفتها بمكاوي: «فى إحدى زياراتى إلى القاهرة عام 2016 كنت أتجول بين مكتباتها لاقتناء كُتب جديدة فاستقر نظرى على «تغريدة البجعة»، و«أن تحبك جيهان»، وقابلت الأستاذ مكاوى فى اليوم التالى على زهرة البستان، وكان منهمكا فى القراءة والكتابة بركنه الخاص، وتقدمت لتحيته بلا تفكير، فنظر إلى بوجه بشوش وعيون تدعوك إلى الجلوس، فلم أفوت الفرصة وأخبرته بأننى اقتنيت كتبه، فرح كثيراً وطلب أن أعطيه رأيى بعد القراءة وحدثنى عن حبه لتونس ورغبته فى زيارتها، شعرت بسعادة كبيرة لتواضع هذا الرجل وطيبته الواضحة ومنذ ذلك اليوم بدأت صداقتنا وفى كل مرة كنت آتى إلى مصر أذهب مباشرة إلى زهرة البستان لنتجاذب الحديث. مكاوى لم يحقق إضافة للساحة الأدبية المصرية فقط بل العربية أيضاً، بإنسانيته وإبداعه، ومد جسور محبة وأخوة مع مختلف المثقفين العرب».

وقالت الأديبة الشابة «نهلة كرم» التى تبناها منذ سنوات: «تعرفت على مكاوى عام 2009، بعد قراءة روايته «تغريدة البجعة»، ومن وقتها أخذ يشجعنى على كتابة القصص القصيرة، وحصلت على أول جائزة فى حياتى وهى المركز الثانى بمسابقة الجامعة، وبعد تخرجى ساعدنى على كتابة مجموعتى القصصية التى دخلت قائمة ساويرس للقصة القصيرة، وبعدها بدأت فى روايتى «على فراش فرويد» التى تحمس لها كثيراً، وقدم لى الدعم النفسى والأدبى خلال كتابتها، وبعد انتهائها نشرها على نفقته الخاصة. وما زلت ممتنة كثيراً لكل ما أعطاه لى أستاذى من دعم وأبوة ولمحبة الناس التى ورثتها منه، وهو لم يكن كاتباً عاديا نتعرف عليه أو نقرأ له ونمر، بل كاتب وإنسان نبيل، المحترم مكاوى سعيد».

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق