ربما يكون غريبا أن تعرف أن بعض نساء السكان الأصليين فى دولة كندا يتعرضن للعنف والخطف وأحيانا القتل. صحيح أن الحكومة الحالية تحاول أن تجعلها جزءا من مشكلة أكبر هى مشكلة العنف ضد المرأة بشكل عام. لكن على أى الأحوال فهى مشكلة مؤلمة للضمير العام، ربما على خلفية الشعور بالذنب تجاه المذابح والاضطهاد الذى تعرض له السكان الأصليون من قبل المهاجرين الأوائل.
هذا الاضطهاد الذى استمر حتى اوائل ستينيات القرن الماضي، وتمثل على سبيل المثال حسب تحقيق لتليفزيون هيئة الإذاعة الكندية، فى أن هناك العديد من أطفال السكان الأصليين تم اخذهم من عائلاتهم بالقوة، لكى يتم بيعهم فى أمريكا وأوروبا لأسر بيضاء. وقد شاركت فى هذه التجارة المأساوية كنائس ووكالات تبنى أمريكية.
على هذه الخلفية قام السكان الأصليون باحتجاجات للتحقيق فى اختفاء وقتل نساء من السكان الأصليين، كما مارست العديد من منظمات المجتمع المدنى المحلية والدولية ضغوطا شديدة، لكن حكومة حزب المحافظين السابقة لم تهتم، رغم أن هناك على سبيل المثال تقريرا نشرته الشرطة الكندية فى عام 2015 يؤكد أن 1181 امرأة من السكان الأصليين قتلن أو فقدن بين أعوام 1980 و2012 .
لكن الأمر تغير بعد حصول الحزب الليبرالى على الأغلبية فى عام 2015 وحينها قرر رئيس الوزراء جاستين ترودو تشكيل لجنة للتحقيق، فحسبما قالت وزيرة العدل الكندية- وهى بالمناسبة اول وزيرة كنديةمن السكان الاصليين تشغل المنصب ـ إن اعلان حقوق شعوب السكان الأصليين اصبح حقيقة واقعة، وليس فقط فى نص الدستور الكندى لعام 1982، حيث يعترف بحقوق السكان الأصليين ويدافع عن المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان.
رغم هذا الحماس فقد تباطأ عمل اللجنة وانتشرت تلميحات الى أن الشرطة غير متعاونة بالقدر الكافى مع لجنة التحقيق، وبشكل غير مباشر كان هناك تلميح الى تورط بعض رجال الشرطة فى هذه الجرائم. ومن ثم أعربت العديد من منظمات حقوق الإنسان عن قلقها. واعلنت جمعية رجال الشرطة التزامها بالتعاون مع جمعية نساء السكان الأصليين للتوصل إلى الحلول، لكنها فى الوقت ذاته تجاهلت وجود لجنة تحقيق.
ربما لذلك حاولت ميشال اوديت رئيسة جمعية نساء السكان الأصليين مد جسور الحوار مع الشرطة لتخفيف التوتر، وللحديث عن التعاون بدلامن توجيه اللوم.
موقف الشرطة غير الواضح ربما يشير الى ممانعة غير معلنة من البعض لمحاسبة مرتكبى هذه الجرائم. فقد رفض رئيس حكومة مقاطعة ساسكاتشوان طلب نقابة معلمى المدارس الابتدائية بتغيير اسم المدارس التى تحمل اسم جون ماكدونالد الأب المؤسس للفيدرالية الكندية، والذى كان قد وصف سكان كندا الأصليين «بالمتوحشين»، مشيرا إلى مقولته تلك كانت تمثل العقلية السائدة وقتها، مؤكداً ضرورة الاستفادة من انجازات القادة التاريخيين مع رفض الأخطاء التى ارتكبوها.
بالطبع ليست الصورة قاتمة تماما بالنسبة للسكان الأصليين فى كندا، فهم يتمتعون بكثير من الامتيازات، منها الإعفاء الكامل من الضرائب، وقيام الحكومة الكندية بتمويل مشروعات عديدة بهدف على الحفاظ على لغاتهم وثقافاتهم. كما أن هناك من وصل منهم الى مواقع مرموقة مثل إيفا أوتاوا زعيمةٌ سابقة لقبيلة «الأتيكاميك» من السكان الأصليين التى عينتها حكومة مقاطعة كيبيك رئيسة لمجلس المرأة الذى يقدم دراسات واستشارات للحكومة للدفاع عن حقوق المرأة.
وفى النهاية يبدو أنه صراع سلمى ديمقراطى يخوضه المجتمع الكندى للتخلص نهائياً من بقايا الإرث الثقيل للماضى الاستعمارى للمهاجرين الأوائل، والذى سينتصر فيه حتماً اصحاب الحقوق.
رابط دائم: