شيء ما كان فى صدر الفتى طالب دبلوم الصنايع، جعله يربط ما بين الجريمة وتحقيق حلم الثراء المفاجئ الذى بات يؤرقه وهو لا يزال فى الثامنة عشرة من عمره، وقد طغت عليه أحلامه حتى راح يسجلها فى الأوراق كخطط يرسمها نحو تحقيق الحلم المنشود.
ولأن الفتى الذى يعيش فى قرية منقباد التابعة لمحافظة أسيوط، كان يسمع أخبارا عن استيلاء عصابات خطف الأطفال على مبالغ طائلة كفدية على كل طفل خطفوه من ذويه الأثرياء.
تلفت أحمد ـ طالب الدبلوم ـ حوله، فلم يجد سوى شبيهه فى الاسم ايضا وهو «أحمد» الطفل ذو السنوات الثلاث الذى هو حفيد أحد أقاربه الذى يعيش فى منزل مجاور لمنزل أسرته، حيث كانت والدة الطفل وهى ابنه قريبه التى تؤثر أن تمكث مددا طويلة فى بيت أبيها، لأن زوجها والد الطفل يعمل فى إحدى الدول العربية وعلى درجة كبيرة من الثراء.
وراح أحمد «الكبير» يفكر فى كيفية التخطيط لخطف أحمد الصغير ثم يسجل فى أوراقه أفكاره التى طبقها على جريمة خطف أحمد «الصغير» ولكنه عند اعتزامه التنفيذ، بدا الأمر أكثر سهولة مما كان متوقعا، فقد كان الطفل يخرج كثيرا من منزل جده لأمه ليلعب أمام الباب ولم يكن هناك ما يقلق لأن المنطقة آمنة وليس هناك من غريب بين بيوت الشارع الهادئ.
تنفيذ الجريمة
وكان أن تقدم الكبير نحو الطفل ليمد يده إليه ويحمله ليلاعبه ولأن أحمد يعرفه، فقد فرح بأنه سيلاعبه ولم يكن هناك أدنى قلق من أن يدخل به إلى منزله. وهكذا تمت الخطوة الأولى بنجاح، فلم يلحظ أحد دخول الطفل إلى منزل أسرة الفتي.
وبدأ الفتى فى تنفيذ المراحل التمهيدية للجريمة، بأن أجرى اتصالا تليفونيا بأحد أعمام الطفل الذين يعيشون فى قرية «نجع سبع» التابعة لمركز أسيوط الذى تتبعه منقباد أيضا، وكان أحمد قد اتخذ احتياطا مناسبا لتلك الخطوة، بأنه احتفظ بخط هاتف محمول مجهول البيانات وطلب من عم الطفل مبلغ 250 ألف جنيه محذرا من أنه سيذبح نجل شقيقه لو تأخروا فى تلبية طلبه بشأن الفدية.
شيء ما أيضا غير مفهوم ومغرق فى الغموض وهو أن الفتى أحمد كان يدون كل ما يفعله أولا بأول ولكن الأكثر غموضا وما يفوق حد الغباء هو أن أحمد الكبير استبطأ الفدية، فأسرع بالتخلص من أحمد الصغير بالذبح، ثم تخلص من الجثة وراء منازل العائلة!. ومع ذلك واصل اتصالاته وتهديده ووعيده لعم الطفل، مطالبا بسرعة إرسال مبلغ الفدية!.
بداية السقوط
كان البلاغ الذى تقدمت به أسرة الطفل باختفائه والعثور على جثته عقب هذا الاختفاء المريب، محط اهتمام اللواء جمال عبد البارى مساعد وزير الداخلية ومديرقطاع مصلحة الأمن العام، فكلف اللواء علاء سليم مدير المباحث الجنائية بوزارة الداخلية واللواء أسعد الذكير مديرمباحث أسيوط، بسرعة التوصل إلى حل للغز الجريمة، حيث قاد اللواء أشرف توفيق مساعد مدير الإدارة العامة للمباحث الجنائية بمصلحة الأمن لعام لمنطقة وسط الصعيد، جهود فريق بحث أمكن من خلال تحقيقاته، حصر دائرة الشبهات فى المنطقة المحيطة لموضع العثور على الجثة، ومن خلال متابعات العميد عصام غنيم مفتش الإدارة العامة للمباحث الجنائية والعميد مجدى سالم رئيس مباحث أسيوط، حامت الشبهات حول الفتى أحمد وتحققت هذه الشبهات بمجرد مداهمة منزل أسرته وكان هناك ثلاث أدلة أحكمت حلقات الإدانة حول عنقه وأدت إلى أنه راح يدلى بتفاصيل جريمته وكأنه جهاز تسجيل!.
أول هذه الأدلة كان العثور على بقع دماء متناثرة فى إحدى غرف المنزل ولم يستطع أحمد تبرير وجودها خاصة أنه أدرك أنه من اليسير على جهات التحقيق إثبات أنها من نفس دم الطفل أحمد والذى انفجر كالنافورة من جسده عندما تلقى أول طعنة من السكين الحاد.
والدليل الثانى تمثل فى شريحة خط الهاتف المحمول التى عثر عليها معه وبتجريبها تبين أنها تحمل أرقام نفس الخط الذى تلقى منه عم الفتى نبأ خطفه والتهديد بقتله!.
أما الدليل الثالث فقد كان بيد أحمد نفسه الذى دون خطوات تحقيق حلمه بالثراء كتابة على الورق وكأنه يكتب خطابا لمجهول أو مجرم عتيد يكتب يحرص على تسجيل أحداث حياته فى مذكراته عن الجريمة!.
الغريب أنه كشف فى خطابه أنه سيخطف طفلين كان أحمد أولهما وأنه سيجنى مبلغ ربع مليون جنيه من هذه العملية التى سيعقبها بعملية أخرى لطفل آخر قام بتدوين الخطوات التى كان ينتوى تنفيذها معه ولكن سقوطه حال دون ذلك وأنقذ حياة الطفل الثانى المجهول الذى كان مزمعا أن يستولى من أهله على ربع مليون جنيه آخر، ليكون النصف مليون هو حصيلة فى أول عمليتين لتحقيق حلم الثراء المبكر.
وعلى جانب آخر اتخذت أجهزة الأمن احتياطها بإشراف اللواء جمال شكر مدير أمن أسيوط، لمنع وقوع أى احتكاكات بين عائلة القتيل الصغير أحمد الذين فزعوا مما حدث وبين العائلة التى ينتمى إليها أحمد القاتل الكبير والتى لم يقل فزعها على الطفل ابن ابنتهم ولكن تحسبا لطبيعة المنطقة وسيادة ثقافة الثار، تم اتخاذ الإجرءات اللازمة للحيلولة دون وقوع اشتباكات بين العائلتين المكلومتين مما سببه القاتل وحزنا على الطفل القتيل.
رابط دائم: