حمل تقرير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو» للعام الحالي ٢٠١٧ـ ٢٠١٨ عن حالة التعليم عنوانا هو «المساءلة في التعليم»، وفِي الحالة المصرية فإن المساءلة في التعليم حسب الأدبيات السائدة للوزارتين المسئولتين عنه، لكن تقرير اليونسكو ينطلق من محددات المسئولية الحكومية إلي رحاب أوسع كثيرا تضم كل من له علاقة بالعملية التعليمية، ومن هنا علي الجميع إدراك أن المسئولية عن التربية والتعليم تقع علي كل من له القدرة علي إحداث التأثير الإيجابي في تطوير منظومة التعليم المصري بكل أركانها جودة وإتاحة وتنافسية، فمن منا لا يلاحظ عدد الساعات التي يقضيها أطفالنا يوميا علي صفحات وسائل التواصل الاجتماعي بكل أنواعها وتنوعها؟ ومن منا لا يلاحظ حالة «الانفصال التكنولوجي» داخل البيوت والجلسات المصرية، حيث ينشغل كل فرد فيها بالتواصل الاجتماعي عبر الانترنت عن التواصل مع من يجلس بجواره في المقعد الملاصق.
ويأخذني ذلك إلي الزوبعة المثارة حاليا حول مسلسل «سابع جار» ومدي تأثير ما يتسلل من أفكاره إلي وجدان أطفالنا من خلال القالب الدرامي، وهي زوبعة تتجدد دائما كلما تضمنت الأعمال الدرامية مشاهد أو علاقات أو سلوكيات لا تتفق مع الثابت من أصولنا التربوية والأخلاقية والقيمية والسلوكية وقطعا الدينية، وتحدث الزوبعة نتيجة لانقسام الآراء بين مؤيد لما يعرض في المسلسل بحجة أنه موجود بالفعل في مجتمعنا، ولا يصح حسب رأي المؤيد أن ندفن رؤوسنا في الرمال، أو أن يزيف العمل الدرامي الواقع، أو أن نفرض قيودا علي الإبداع، وهناك من يري أن عرض أفكار هذا المسلسل يؤدي قطعا إلي ترك انطباع بأن وجودها في مجتمعنا بات أمرا طبيعيا «غير مرفوض»، وبالتالي يحدث «تطبيع وتوطين» لها علي أنها شىء «عادي» لا يخالف لا دين ولا عرف ولا أخلاق ولا قيم، وهنا تكمن الكارثة، حيث تتشوه منظومة الأخلاق والدين، وتتلخبط منظومة ما هو صحيح وما هو خطأ، وتتوه الحدود وتختفي الفواصل بين ما هو «مفروض» أخلاقيا وقيميا ودينيا، وما بات «واقعا» نعيشه في بعض الحالات قلت أو كثرت، وينسي الجميع في خضم الزوبعة أن الصحيح يظل صحيحا حتي لو كرهه البعض، وأن الخطأ يظل خطأ حتي لو اعتنقه كثيرون، وأن دور الفن ليس فقط نقل الواقع، بل أن يربي الوجدان، ويرتقي بالأخلاق والسلوك والقيم، وأن يعود بالإنسان إلي فطرته التي فطره الله عليها عندما سوي نفسه فألهمها فجورها وتقواها، ولن يحدث شىء لو كَذَبنا وزيفنا الواقع المؤلم أحيانا إلي واقع جميل راق أخلاقيا وسلوكيا وقيميا.
ومن المدهش في قلب الزوبعة أن ابنتي فاجأتني، وهي في أولي جامعة هذا العام بسؤال عن كيفية إدارة التعامل مع زملائها من الطلاب الذكور في كليتها، هل تتعامل معهم كما تتعامل مع زميلاتها من الطالبات، أم تمتنع عن التعامل معهم، وهنا اسقط في يدي وتذكرت زوبعة «سابع جار»، وكانت إجابتي القاطعة لها أن علاقتك بالطلاب داخل حرم الكلية وفِي نطاق العملية التعليمية، هي ذاتها علاقتك بالطالبات من زميلاتك دون زيادة أو نقصان، أما خارج ذلك النطاق فكما ربيتك، ثم تركتها وأنا لا أعرف إن كانت قد اقتنعت بإجابتي، أم أن «سابع جار» مازال يعبث بوجدانها. إننا جميعا شركاء في تحمل المسئولية عن التربية والتعليم، وعلي كل منا أن يسأل نفسه عما قدمه لهذه المسئولية العظيمة، لكي نحفظ لمصرنا تاريخها وقيمها وأخلاقها التي علمت الدنيا منذ فجر التاريخ كيف تكون المجتمعات الإنسانية ملتزمة ومتدينة في غير غلو، متحضرة ومثقفة في غير تزيد، مسالمة ومتسامحة في غير تفريط.
د. أحمد الجيوشي
نائب وزير التربية والتعليم للتعليم الفني
رابط دائم: