أنا سيدة أقترب من سن الخمسين، أبعث اليك بهذه الرسالة شاكية أخى الأصغر الذى بلغ عامه الأربعين منذ شهور, فبرغم أنه طيب القلب وحنون ويحب عمله جدا, إلا أنه مضرب عن الزواح, وينفر منه, وقد حاولت ومعى العائلة مرارا اقناعه بالزواج لكنه رفض تماما, وأسبابه فى ذلك واهية, فهو يحب السهر مع أصدقائه, وفى الوقت نفسه لا يرتكب ما يغضب الله، ومعارفه محترمون جدا, ولقد تعود على نمط معيشى معين فى السهر والنزول فى أى وقت وليس عنده استعداد للتخلى عن هذا الأسلوب الذى تعود عليه, فكل خطباته فشلت لهذا السبب, إلى جانب شكوكه الدائمة بشأن الزواج، وما سيترتب عليه من مسئوليات ومشكلات قد تواجهه, ويفترض دائما أسوأ السيناريوهات وليس أفضلها, فحتى عندما نجد له الفتاة بالمواصفات التى يريدها يدب الشك فى قلبه حتى قبل أن يقابلها أو يدور بينهما حوار, ويبرر ذلك بفشل زيجات نصف أصدقائه، وبضيقهم، وضجر نصفهم الآخر من زوجاتهم والمشكلات التى يثرنها لهم, وهو ما جعل شقيقى مترددا فى فكرة الزواج أصلا بغض النظر عن المواصفات التى يرغبها فى شريكة حياته.
إن أخى يعيش مع الدتى فى شقتها, وهو سعيد معها وهى أيضا سعيدة به برغم أنها تحلم باليوم الذى سيتزوح فيه، ولكنها فقدت الامل فى مسألة زواجه، ويوم بعد يوم أصبح متعلقا بها جدا, وهى التى تتولى رعايته, ولكننى خائفة على اخى من زحف الزمن عليه دون أن يدرى، إذ بدأ الشيب يلون شعره, وقد تقل فرصه فى الزواج والانجاب بعد سنوات معدودة, وربما يندم فى وقت لا ينفع فيه الندم, ناهيك عن تعلقه الشديد بوالدتي, وإذا رحلت عن الحياة فى وجوده فسوف يصاب بمكروه نفسى رهيب, وربما يحدث له اختلال فى حياته خصوصا أنه ليس له بديل غيرها يرعاه ويحنو عليه.. لقد وجدتنى أحمل همه وأشفق عليه مما ينتظره، ووصلت معه فى موضوع الزواح إلى طريق مسدود انا وجميع افراد عائلتي, ويغضب منى كلما قلت له: «إن والدتك لن تدوم لك», ولا أدرى كيف يمكننى أن أنهى اضرابه عن الزواج، وأقنعه بضرورة أن يتزوج قبل أن يضيق عليه الزمن؟.
< ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
الوضع الطبيعى لكل رجل أو امراة هو الزواج.. صحيح أنه قد يعزف البعض عنه لأسباب خاصة بهم، لكنهم يظلون الاستثناء وليس القاعدة، ويقول الله سبحانه وتعالى: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة»، فالزواج سنة الحياة، وبه تكتمل أركانها، ويعمر الكون، ويتناسل الانسان إلى يوم القيامة، ومادامت هناك حياة زوجية، فإن الفرصة قائمة لنشوب خلافات فى وجهات النظر وسبل معالجة القضايا المختلفة, ولو أن الزوج والزوجة على تطابق تام فى وجهات النظر، فإن الحياة تكون بلا طعم، بل إن ذلك ضد طبيعة النفس البشرية، والأفضل أن يتكاملا ويستفيدا من خبراتهما فى الحياة للوصول إلى قرار سديد فى كل أمر يخصهما، وينبغى على الزوج دائما أن يحاول رأب الصدع فى علاقته بزوجته، وأن تسعى هى الأخرى لتضميد الجراح التى قد تنشأ بينهما لسبب أو لآخر.
أيضا فإن الانسان تكون له أوقات راحة وهدوء وطمأنينة، وأحيانا أخرى يشعر بالضيق والضجر، ولذلك لا معنى أبدا لأن يصدر أحكاما مسبقة على شريكة حياته، بل ويعمم المسألة برمتها على الجميع.. ولا أعتقد أن أخاك يكره النساء, فهو فى الغالب يخشى أن تتكرر فى حياته نفس تجارب بعض معارفه، ولذلك أدعوه إلى أن يدع جانبا هذا الشعور المحبط تجاه النساء, وليدرك ان من سوف يتزوجها اذا أحسن اختيارها لن يقل مستواها فى معاملته، عن أمه واخته.. وهذه هى شيمة الزوجة التى تعرف ربها وتقدر زوجها، فلتساعديه على تغيير نظرته غير الصحيحة، وستكون أموره أفضل مع زوجة المستقبل بمشيئة الله.
رابط دائم: