رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

سمير غريب الرئيس الأسبق لجهاز التنسيق الحضارى: لماذا تغضب الأمكنة؟

حوار : ناهد السيد

الدولة أنشأت جهازاً لم تدعمه ولم تفصل فى مخالفة واحدة منذ تأسيسه

القانون لا يطبق بفعل فاعل.. ولا يجرؤ أى محافظ على تنفيذه

 

وجوه عابسة كفنجان قهوة صباحية فقد بشاشته ، هكذا بدت وجوه أو واجهات عمارتنا وتراثنا المعمارى العريق فى أنحاء مصر كافة معلنة عن غضبها لأننا نمشى بلا رحمة فى اتجاه اللاهوية ، تلك الهوية التى صنعها أجدادنا ولم نستطيع أن نمشى على هداهم، فراحت العمارة تتنوع من عصر لعصر وفقا لظروف المرحلة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وأصبحت لسان حال المجتمع ومرآته ،فمنذ سقوط النظام الملكى وصعود النظام الجمهورى تميزت الممارسات المعمارية بالازدواجية الفكرية ،مما أدى الى استيراد عمارة ، وأحدث إرباكا لعمارة الطبقة المتوسطة ، وفى الخمسينات أممت الحكومة العمارة والعمران وهربت الجموع الى العمارة التقليدية ، وظهر ايضا نمط العمارة الوحشية التى تمثلت فى المبانى الحكومية والتعليمية والمساكن الشعبية وهى كلمة فرنسية مشتقة من (الخرسانة الخام) وما زالت مستمرة حتى يوم هذا ،أما بعد حرب 1973 فقد تحول نظام البناء إلى مجال مفتوح للتكامل بين العمارة التقليدية والتيارات الغربية بمعالجات تناسب التغير الايدلوجى للمجتمع آنذاك ،ونتاج ذلك كله يرجع الى عدم وضوح الهوية المصرية المعمارية ،التى يحاول كل معمارى بوجهة نظره الشخصية إيجادها وكلها محاولات فردية كما فعل جمال بكرى وحسن فتحى . وبعد انفراط عقد القانون الذى منح حق البناء الحر سادت الفوضى وطرقنا أبواب التشوه المعمارى والعمرانى ، الذى بلغ ذروته فى الآونه الأخيرة رغم وجود جهات من المفترض انها مسئولة عن وقف هذه الفوضى وعلى رأسها جهاز التنسيق الحضارى.



فكان لقاؤنا مع رئيسه السابق و رئيس مركز ارتقاء للارتقاء بالثقافة و التراث الدكتور سمير غريب الذى علا صوته مناديا بوقف فوضى التشويه خاصة بعد اندلاع ثورة يناير محذرا من شطب اسم مصر من قوائم التراث العالمى فعلى مدار توليه رئاسة الجهاز وهو يحاول جاهدا ان يطبق تلك الأسس التى تأسس لأجلها التنسيق الحضارى التى اذا ما تحققت لكان الوضع أخف قبحا –كما اشار- ليس بوصفه رئيساً سابقاً للجهاز ولكنه فى الاساس ناقد فنى تولى مناصب مرموقه منها إدارة الاكاديمية المصرية بروما ، وصندوق التنمية الثقافية ورئاسة مجلس ادارة دار الكتب والوثائق ،وكان أول مصرى يرأس الاتحاد العربى للوثائق ،كما اصدر 11 كتاباً فى الفن التشكيلى أولها السريالية المصرية وأحدثها كتاب الفن ، ثم تبرع بمكتبته الخاصة لدار الكتب المصرية.

ويمثل الدكتور سمير غريب الصوت المدوى حاليا لوقف التشوه العمرانى الذى فجر حقيقة مفزعة قائلا فى بداية الحوار إن جهاز التنسيق الحضارى الذى أسسته الدولة لم يحظ بدعمها ومنذ تأسيسه لم يتم الحكم على مخالفة واحدة ،ولو كان حدث ذلك ما كنا عانينا من فوضى وتشوه بهذا الحجم المخيف الآن

> حول سؤالى عن أن جهاز التنسيق الحضارى لا يملك القرار وان أسسه أصبحت مجرد بنود على ورق ؟

أجاب بكل أسى قائلا إن أى جهاز أو هيئة فى حد ذاتها لا تملك قرارا وإنما الحكم للقانون الذى ينظم عمل هذه الهيئة ومدى تطبيقه. وهناك باب العقوبات فى كل من القانونين (قانون 144 لسنة 2006 لحماية الثروة المعمارية والقانون رقم 119لسنة 2008 المتضمن التنسيق الحضاري). وخلال عملى شخصيا على رأس الجهاز القومى للتنسيق الحضارى ،لم أر حكما واحدا أو عقوبة واحدة تطبق على أية مخالفة رغم كتابتى للجهة المعنية بالواقعة مطالبا بتطبيق القانون فى كثير من الحالات ، وقد طالبت اثناء صياغة قانون التنسيق الحضارى بالضبطية القضائية للجهاز فتم رفض هذا الطلب وقتها، وأرجو أن يكون الجهاز قد تمكن من تحقيق هذا مؤخرا وإن كانت الضبطية القضائية فى حد ذاتها ليست ضامنة لتطبيق القانون، ولكنها تختصر مسافة من التقاضى وتتيح للجهاز فرصة للعمل الجاد.

> ماذا عن تعديلات القانون144 لسنة2006 التى تبنيتها لتحفظ حقوق المبانى وتقضى بتجريم التعدى عليها ؟

آخر ماحدث فى هذا الشان منذ تركت الجهاز 2014 كان تشكيل لجنة مكونة من وزير الاسكان

لعمل تعديلات على هذا القانون الذى يتم اختراقه ليل نهار وبه عدة ثغرات يستفيد منها المخالفون، وقد عقدت اللجنة عدة جلسات وأعدت بالفعل صياغة للتعديلات

> صرحت بأن %75 من المبانى التراثية فقدتها مصر خلال ثلاث سنوات .. فى رأيك من المسئول وكيف تحل هذه الاشكالية؟

المصريون المعاصرون يدمرون بأنفسهم ما تركه لهم آباؤهم وأجدادهم، لقد تغير المجتمع وتغيرت القيم وتغيرت الثقافة أيضا، أصبح المال هو الهدف فى ظل انعدام أو ضعف الوعى ،هذا حال الحكومات المتعاقبة ايضا فالحكومة من الشعب وليست من بلد آخر، يزيد على ذلك أن الحكومة لا تطبق القانون الذى من المفترض أن يحمى التراث، ولا أعفى كثيرا من القائمين على تطبيق القانون فى أجهزة القضاء من هذا الحال فهم أيضا من الشعب نفسه وإن كان من المفترض أن يكونوا أكثر وعيا وارفع ثقافة، الكل مشترك فى الجريمة ،ومما سبق يظهر حجم التحدى الجبار للتصدى لهذه الجريمة المستمرة، كما تظهر الحلول وهى فى المقام الأول تطبيق القانون مع العمل الجاد والمخطط لتغيير ثقافة الشعب وثقافة الحكومة قبل الشعب.

> حذرت من خروج مصر من قوائم تراث اليونسكو..كيف الخروج من هذا المأزق؟

الاحتفاظ بقوائم اليونسكو يحتاج إلى امرين اساسيين لا نملكهما هما: تطبيق القانون وعمل مشروعات حماية.

> أليس غريبا أن تكون القاهرة التاريخية هى الوحيدة المسجلة بقوائم التراث العالمية فلماذا لم يتم تسجيل المبانى التراثية الأخرى بمصر ؟

بابتسامة بائسة أجاب :بسبب الانتهاكات التى حدثت فيها ،وقد قمت بمجهود كبير مع مركز التراث العالمى فى اليونسكو فى إطار اتفاق تعاون بينه وبين الجهاز لعمل خارطة للمنطقة التراثية والأثرية فى القاهرة التاريخية بالتعاون مع وزارة الآثار بعد عام 2011 وعمل قواعد لحماية هذه المنطقة الأمر الذى أنقذ القاهرة التاريخية من الشطب ،أما بالنسبة للقاهرة الخديوية فقد اشترك الجهاز فى تشكيل مجلس أمناء القاهرة الخديوية برئاسة محافظ القاهرة المرحوم الدكتور عبد العظيم وزير وضم فى عضويته محافظ البنك المركزى ووزير الاستثمار والتعاون الدولى ورئيس الشركة القابضة للتأمين وغيرهم وكان لهذا المجلس صندوق يمول مشروعات ، وقد مات الصندوق برحيل المحافظ .

> لماذا فى رأيك يتم استبعاد الجهاز فى تطوير بعض الاماكن شأن منطقة الغورية مثلا ؟

بامتعاض شديد قال :يسأل عن ذلك من يستبعد الجهاز!

> مارأيك فى التشوهات الحديثة فى الاعلانات واللافتات والارتفاع والالوان ، ومن المسئول ؟

الإعلانات اصبحت كارثة عمرانية،الكل يسعى لأموال الإعلانات ابتداء من اصحاب الشركات وحتى المحافظات على حساب كل القيم العلمية والجمالية والثقافية،نحن فى غابة من التشوه الإعلانى، وأذكرك هنا بأن هناك فصلا خاصا بالإعلانات فى القانون 119 لا يطبق ولا يجرؤ محافظ على تطبيقه لسببين: فلوس الإعلانات التى تذهب إلى المحليات وبطش وتوحش شركات الإعلانات التى ترفض تماما تطبيق القانون، بل إن هناك قانون ينظم الإعلانات من سنة 1958 لا يطبق وينص مثلا على ضرورة أن يكتب الإعلان باللغة العربية قبل أى لغة اخرى، وهذا بند سارى المفعول قانونا حتى الآن فهل يعرفه أحد فى الجهات التى تمنح ترخيص الإعلان؟ وهل تعرفه شركات الإعلانات نفسها؟ وهل يطبق أى بند فى القانون 119 الخاص بالتنسيق الحضاري؟

فالجهاز لا يملك الفراغ العمرانى وإنما تملكه المحافظة فى أى مكان. ولو كانت المحافظات على مستوى من الوعى بالقيم التى من أجلها تم إنشاء الجهاز كان من الممكن أن تقوم المحافظات بدور الجهاز كما هو حادث فى الدول المتقدمة، وقد تم إنشاؤه فى مصر لعدم قيام اجهزة المحليات بهذا الدور.

> توقفت مهمة الجهاز عند وضع ادلة استرشادية لخريطة التراث المعمارى تمهيدا لحمايته التى لم يعمل بها الى الان ..فما قولك ؟

بالفعل استعان الجهاز بافضل أساتذة الجامعات المتخصصين لوضع ادلة استرشادية فى عدة محافظات وبدأنا بميدان طلعت حرب وشارع قصر النيل ومساحات من شارع رمسيس والقاهرة الخديوية والفاطمية والمعادى ،وقام باعتمادها برئاسة رئيس مجلس الوزراء طبقا للقانون 119 لسنة 2008لتصبح هذه جزءا مكملا للقانون واجبة التطبيق ، ومع ذلك فهى لا تطبق ،لكنها موجودة كمرجع علمى قانون واجب التطبيق ،فالقانون لا يطبق بفعل فاعل .

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق