رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«مدينة الله».. والآلام!

أيمن السيسى

عادة حين أزور دمشق، أخصص جُل وقتى فيها للقاء الأدباء. وأعود محملا بما تيسر من أعمالهم التى تمنحنى سعادة لوقت طويل. ومؤخرا لم أنتش بعمل أدبى منذ سنوات كما حدث لى مع هذه الرواية.. «مدينة الله». التى أوهمتنى للحظة أن الكلاب الجميلة لا تعض، بما يخالف طبيعتها، مع أن الأصل عندها هو العض. وهو ما فهمته من فهمى لطبيعة «سيلفيا» حبيبة بطل الرواية التى جعلتها تربيتها الصهيونية شريرة وحاقدة.. وتعض.

و«مدينة الله» هى القدس التى اختصها الأديب «حسن حميد» المبدع الرصين برواية استثنائية. تجولت فيها مع «فلاديمير» الباحث الروسى عبر حارات القدس القديمة ومساجدها وكنائسها العتيقة. ما جعلنى أصل الليل بالنهار لألتهمها، حيث أجبرتنى حبكة «حسن حميد» وروعة القص على تعقب أبطالها فى دروب المدينة إلى النقطة الأخيرة، واستمهلت متعتي، وما زلت أستعيدها باجترار التفاصيل المدهشة.

وتعلقت بدروب القدس، كما تعلق بها الباحث الروسى «فلاديمير»، ونسجت معه صداقات بأهلها، وكتبت معه حكاياتهم فى رسائله إلى أستاذه «إيفان» فى روسيا. التى بدأها بعثوره على لفائف الكاهن. وشهدت علاقة «فلاديمير» بالحوذى الأيرلندى «جو» الذى عشق المدينة بدوره واختبأ فيها، وراقبت علاقته بـ «سيلفيا» السجانة الإسرائيلية الدموية الأكثر إغراء وأنوثة، واندهشت لشخصية «فرج» الدليل الفلسطينى الذى تعرض كثيرا للضرب الوحشى من الإسرائيليين، ودوسهم له بحوافر بغالهم. واستعرضت مع «حميد» حكايات الناس وشوارع القدس خلف متاريس الهمجية الصهيونية. حيث قدم تفاصيل افتقدناها فى الأدب والإعلام العربيين عن حياة المقدسيين، والمعاناة والقهر الذى يتعرضون له يوميا. ونجح بوخز الضمائر بكلمات نافذة، وجارحة للخذلان العربي، وإهمال ما يحدث داخل فلسطين، وكأنه يردد رائعة «مظفر النواب» «القدس عروس عروبتكم». ويقدم بانوراما شجية لعلاقات الفلسطينية بالوافدين من السائحين والباحثين. كما تناول حكايات الحب بلغة شاعرية. ووصف بلغة أليمة ما يحدث للسجناء الفلسطينيين الذين تفترسهم وحشية الاحتلال الصهيوني. وعرضه بشجن لمفاتيح البيوت مضفورة بحكايات بسيطة ومفعمة بالأمل والصمود، من ذاكرة متخمة بأحلام العودة. كما استوقفنى ظهور واختفاء «عارف الياسين». دون تحديد متى سُجن، وتمسكه، وغيره من فلسطينيى الداخل، بمناداة «فلاديمير» الروسى بكلمة «رفيق»، التى لا تبدو عفوية، إذا انتبهنا لدلالتها القديمة حين كان الروس يساعدون شعوب العالم الثالث، وأصحاب القضايا العادلة بمواجهة الإمبريالية والاستعمار، وكأن حميد يلمح لخسارة العرب، أو الفلسطينيين للاتحاد السوفيتي. وأيا ما كان القصد فهو يشير، من جانب آخر، للمنطقة البور فى المخ العربى الذى يتصور أن النصر سيأتى من الخارج. الواضح فى هذه الرواية أن الكاتب بذل مجهودا شاقا، وبحثا شائقا، وجمّع بدأب حكايات الدروب، ليحفظ على أنحاء القدس عراقتها، وتاريخها المزدحم بالتفاصيل الكبري، والإيحاءات الرائعة بالقدم. لا شك أن الرواية تعد الأعمق والأكثر وضوحاً بين ما قرأت عن فلسطين. وتبرز تميز «حسن حميد» بلغته الشفيفة الموحية، التى تشعرك بأنك تقرأ قصيدة لا رواية رغم ما تكتظ به من آلام.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق