رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

خلال 142 عاما على تأسيس الأهرام
«الجندى المجهول» قاد ثورة تكنولوجية نقلت الجريدة إلى القرن الـ 21

مصطفى سامى
هشام بحرى على يمين هيكل وبجواره يوسف صباغ وصلاح منتصر ونوال المحلاوى وممدوح طه ومحمدحقى وأحمد نافع..

توفيق بحرى قائد التطور فى طباعة وإخراج الصحيفة.. قتله الإنضباط واحترام القانون

 

نتحدث كثيرا عن الثورة الصحفية التى قام بها الأهرام فى الستينيات من القرن الماضى والتى نقلت الجريدة الى القرن الواحد والعشرين . كان هناك تطور فى فنون الصحافة التحريرية المختلفة : فى كتابة العناوبين . فى أسلوب الخبر . وفى التحقيق الصحفى وفى الصورة . لكن الثورة فى العلم وتكنولوجيا الطباعة والاخراج الصحفى هى التى سبق بها الأهرام كل الصحف المصرية والعربية فى ذلك الوقت وهى التى كانت الانتقال الحقيقى الى القرن الواحد والعشرين ، لكن لايذكرها أحد .

..................................

الأهرام انفرد تحت قيادة الأستاذ هيكل بأهم الأخبار المصرية فقد كان الأستاذ هو الصحفى الأقرب للرئيس جمال عبدالناصر وكاتب أحاديثه وخطاباته وبياناته . كان الأستاذ أيضا رفيق الرئيس عبدالناصر فى رحلاته الخارجية فتعرف على قادة العالم فى تلك الرحلات وأصبح هؤلاء القادة فيما بعد مصادر مهمة له يفخر فى أحاديثه باستمرار بصداقتهم . قرب الأستاذ من صناع القرار وكبار المسئولين فى الدولة الذين كان بعضهم يسعى بدأب للتقرب منه لعله ينقل اسمه وتوصياته للرئيس عبدالناصر فى تغييرات الوزارة القادمة أو تعيينات رؤساء المؤسسات جعلت الأهرام قبلة للوزراء وكبار المسئولين ولعدد من قادة العالم . ولكن للأمانة لم يكن الأستاذ يهتم سوى بالكفاءات كما أن إخلاصه لعبدالناصر كان يمنعه من أن يجامل أحدا على حساب مصلحة الدولة . لكن الثورة العلمية والتكنولوجية التى سبق بها الأهرام كل الصحف المصرية والعربية لم يكن الأستاذ قائدها ولم يكن له دورا فيها ولم يكن لكبار الصحفيين داخل الأهرام وخارجه علاقة بها .

توفيق بحرى عاشق العلم والتكنولوجيا

هناك من شاركوا الأستاذ فى ثورته الصحفية وكانت لجهودهم ولمواهبهم أثر بالغ الأهمية فى النهوض بـ «الأهرام» لينافس صحف الغرب فى استخدام أدوات االصحافة الحديثة . وقد كنت شاهدا على هذا العصر وعلى من قاموا بجهدهم وعلمهم وخبراتهم بثورة فى الطباعة وفى أدوات إنتاج الصحيفة اعتمادا على أحدث تكنولوجيا تستخدم فى صحف الولايات المتحدة وأوروبا .

الأستاذ هشام توفيق بحرى أستاذ أساتذة الاخراج الصحفى فى الصحافة المصرية هو من هو الجندى المجهول الذى قاد هذه الثورة فى الأهرام . كان سابقا عصره يتابع بدأب كل مايجرى فى العالم المتقدم من تكنولوجيا إنتاج الصحيفة . كان أيضا يتفوق على كل أبناء جيله فى التعرف على الفنون الحديثة فى إخراج وإنتاج الصحف . فى كل مرة أدخل مكتبه كنت أجده يقرأ مجلات وصحف أجنبية فرنسية وإنجليزية متخصصة فى تكنولوجيا الطباعة والاخراج الصحفى وقد ساعده على ذلك مثل معظم أبناء جيله اتقانه للغتين الفرنسية والانجليزية .

كان المصريون من ذوى الأصول الشامية يرسلون أبناءهم الصبية الى مدارس اللغات الخاصه، وكانت الشريحة العليا من الطبقة الوسطى فى مصر تحرص أيضا على إرسال أبنائها الى هذه المدارس . لكن الأستاذ بحرى كان أيضا حجة فى اللغة العربية يحفظ عن ظهر قلب أبياتا من الشعر لكبار الشعراء العرب . كان الصحفيون بالأهرام يرجعون اليه أمام أية معضلة فى النحو وكثيرا ما رأيته يصلح أخطاء لغوية لكبار الصحفيين .

حتى أواخر الستينيات من القرن الماضى لم يكن الكمبيوتر قد دخل العمل الصحفى ولم يكن «اللاب توب » قد ظهر بعد وكانت الصحيفة يجرى إخراجها فى المطبعة على صفحة الرصاص .

بعد ثورة الاتصالات واقتحام الكمبيوتر حياتنا ، بحثت عن أية معلومات عن الأستاذ بحرى فلم أجد للأسف على الـ «إنترنت» كلمة واحدة تتناول حياته ودوره فى النهضة التكنولوجية التى قام بها الأهرام وهو صاحبها ، وكان يعاونه فى تحويل مايراه من تكنولوجيا حديثة فى صحف ومجلات الطباعة المتقدمة فى الغرب الى واقع مهندس شاب بالغ الذكاء أصبح بعد ثلاثة عقود مديرا عاما لمطابع الأهرام هو المهندس محمد تيمور ثم مديرا عاما للأهرام .

الأستاذ بحرى انتقل الى الأهرام عام 1957 قادما من أخبار اليوم . كان أول من ابتدع استخدام الـ «ماكيت» الورقى فى رسم وإعداد مواد صفحة الجريدة ثم يسلم الماكيت بعد تحديد مواد الصفحة عليه الى أحد مساعديه لينفذه فى المطبعة .

الأستاذ بحرى كان عاشقا للتكنولوجيا والألكترونيات . يهتم بكل جديد فى هذا المجال حتى خارج الصحافة والطباعة . أتذكر أننى قمت بزيارته عام 1968– قبل وفاته فى يناير عام 1970 . عندما ضغطت على جرس المنزل جاءنى صوته من الداخل فى ميكروفون مثبت على الباب الخارجى . سأل من القادم وهو على فراشه وعندما رددت عليه انفتح باب الشقة من خلال جهاز صغير كان يضعه بجانبه فى سريره . دخلت عليه حجرة نومه وكان وحيدا فى الشقة وتحادثنا لبضع دقائق ثم تركته ليغلق باب الشقة بعد خروجى بنفس الجهاز ... عندما سألته عن هذا الجهاز الأليكترونى الغريب الذى لايزيد حجمه عن مساحة يد طفل صغير ووزنه أقل من كيلوجراما قال لى انه اشتراه من معرض للأليكترونات الحديثة فى ألمانيا «الغربية» منذ بضعة أشهر ولا أعتقد أن أحدا غيره فى مصر كان لديه مثل هذا الجهاز .

.......

كان يجلس فى مكتبه بالدور الرابع بالجريدة وأمامه شاشة أليكترونية كبيرة عليها مربعات بأرقام صفحات الجريدة ليتعرف أولا بأول على سير العمل بالمطبعة فى الدور الثالث ، وعدد الصفحات التى انتهى العمل بها ونقلت الى المكبس تمهيدا لطباعتها . هو أيضا مبتكر الشاشة الضخمة المتواجدة حتى الآن فى صالة التحرير ولا تعمل ويظهر عليها التوقيتات فى العواصم الكبيرة فى مختلف دول العالم . كان يقدم أوراق الأجهزة الحديثة التى تناسب الأهرام للمهندس تيمور الذى يتولى تنفيذها بمهارة فى مطابع الأهرام .

الأستاذ بحرى هو من وضع مشروع تحويل طباعة الجريدة من الطباعة الساخنة الى الطباعة الباردة وللأسف لم يمهله القدر لينفذ بنفسه مشروعه الطموح الذى كان فى ذلك الوقت بمثابة ثورة فى طباعة الصحف .

كانت مواد التحرير فى الأهرام حتى منتصف السبعينيات يتم جمعها بأجهزة الـ «لينوتايب» وهى عبارة عن لوحة مفاتيح عليها كل الحروف العربية ومخزن للرصاص المنصهر .كانت طبيعة عملنا تضطرنا البقاء ساعات فى المطبعة نتابع سير العمل وتنفيذ الصفحات بدقة طبقا للماكيت الذى نقوم برسمه وتحديد مواد الصفحة عليه .

عمل معنا لفترة قليلة فى سكرتارية التحرير الفنان الكبير عبدالمنعم القصاص وينتمى الى جيل العباقرة من الفنانين الذين أثروا الصحافة المصرية أمثال جمال كامل وحسن فؤاد وزهدى وجميعهم من خريجى كلية الفنون الجميلة لكنه ترك الجريدة اليومية ليتفرغ للعمل فى مجلة الطليعة التى أصدرها الأهرام فى يناير عام 1965ورأس تحريرها الأستاذ لطفى الخولى وقد أغلقها يوسف السباعى رئيس مجلس إدارة الأهرام فى مارس عام 1977 بعد انتفاضة الخبز فى يناير من نفس العام بناء على تعليمات الرئيس أنور السادات . كنا أربعة صحفيين فى سكرتارية تحرير الأهرام من خريجى قسم الصحافة بآداب القاهرة فى العشرينيات من العمر نساعد الأستاذ بحرى رحمه الله فى العمل . وقد أصيب إثنان معى بتسمم الرصاص وهما سمير صبحى وفريد مجدى ولم ينجو من هذا المرض سوى زميلنا الراحل ماهر الدهبى . وأذكر أن طبيب الأهرام فى ذلك الوقت – فى أواخر ستينيات القرن الماضى – نصحنى أن أبتعد نهائيا عن التواجد فى المطبعة بعد إصابتى بتسمم الرصاص لكننا واصلنا نحن الثلاثة العمل بعد شفائنا .

صحافة المستقبل

بعد عودته من رحلة الى الولايات المتحدة عام 1960 كتب بحرى مقالا بعنوان « صحافة المستقبل » قال فيه: « إصطحبنى فرانك بويد رئيس تحرير مجلة الـ « تايم » الأمريكية الى مختلف أقسام المجلة وقال لى وأنا جالس فى مكتبه فى نيويورك إنهم حققوا تقدما كبيرا فى ميدانى التوزيع والنقل. وأصبحت النسخة المحررة فى نيويورك تنقل الى سته مطابع تبعد كل منها عن الأخرى آلاف الكيلومترات ويستخدمون فى ذلك طريقة الـ «أوفست» الفوتوجرافية..

أتذكر بعد عودته من مؤتمر عالمى عن تكنولوجيا الطباعة الحديثة فى نيويورك عام 1967 أن قدم لى نسخة من مجلة « نيوزويك » نشرت فى صفحة الاختراعات الطريقة الجديدة التى تستخدمها المجلة فى الطباعة بالـ «الأوفست» باستخدام التليفزيون والعقل الأليكترونى فى جمع الحروف . قال لى إن هذا الجهاز لديه القدرة على جمع مواد صفحة كاملة فى 14 ثانية . وتبدأ العملية بجمع المادة على جهاز ( البرفوريتور ) أو التثقيب ثم يدخل الشريط إلى العقل الأليكترونى الذى يقوم بعملية ضبط السطر والمقاس وتقسيم الكلمات وفى نفس الوقت يقرأ هذه السطور جهاز آخر اسمه «فيديو كومب » ويكتب بسرعة 600 حرف فى الثانية على شاشة تليفزيونية سطرا سطرا ، وكل من هذه السطور يطبع على فيلم حساس فيخرج على شكل صورة بدلا من حروف الرصاص التقليدية . وثمن هذا الجهاز 170 ألف دولار . [ كان ذلك فى عام 1967] .

يقول الأستاذ بحرى هذا ما يحدث اليوم . فماالذى يخبئه لنا المستقبل القريب ؟ ماهو شكل الجريدة بعد عشر سنوات ؟

لكن القدر لم يمنح الأستاذ بحرى مساحة من الوقت لينفذ طموحاته الصحفية ، لم يمهله لتحقيق أحلامه. كان من أكثر أعضاء أسرة الأهرام إخلاصا فى عمله يريد أن يجعل الأهرام الذى كان له السبق فى الخبر أن ينفرد دون الصحف المصرية والعربية فى استخدام التكنولوجيا الحديثة فى الطباعة وقد وضع الأساس والأعمدة الثابتة التى اعتمد عليها جيل الصحفيين الذين تولوا المسئولية بعده فى فنون الاخراج الصحفى وهم ماهر الدهبى الذى قاد العمل بعد وفاته وسمير صبحى وفريد مجدى وسامى دياب وسامى فريد.

وفى فجر أول يناير عام 1970 كنت أستعد للسفر بعد 48 ساعة الى لندن فى منحة دراسية مدتها ستة شهورمن مؤسسة أو من إمبراطورية طومسون الصحفية البريطانية ، وكان الأستاذ بحرى عائدا من حفل دعاه اليه بعض الأصدقاء فى مصر الجديدة وفى طريقه الى منزله فى الدقى وأمام إحدى المدارس فى غمرة وجد إشارة المرور تحولت الى اللون الأحمر ، ولأنه كان منضبطا يحترم قواعد المرور ويلتزم بالقانون أوقف سيارته – الساعة الرابعة صباحا - لكن سيارة أوتوبيس كانت قادمة خلفه بسرعة جنونية طبقا لشهادة أحد المارة بلا فرامل صدمت سيارة الأستاذ بحرى الذى فقد السيطرة عليها فاصطدمت بأحد أعمدة الانارة وتحطمت السيارة تماما . جاءت عربة الاسعاف بعد نصف ساعة ونقلته فى حالة سيئة الى مستشفى دار الشفاء .

ذهبت لزيارته بالمستشفى مساء اليوم التالى فمنعتنى الممرضات من دخول الحجرة التى كتب على بابها اليافطة المعتادة فى مثل هذه الحالات « ممنوع الدخول طبقا لأوامر الأطباء» . وهكذا كان الانضباط واحترام القانون هما من قتل الأستاذ بحرى يوم الثلاثاء3 يناير بعد ساعات من سفرى الى لندن عام 1970.

كان بعض الكتاب والصحفيين يغضبون من الالتزام بمواعيد تقديم المواد التحريرية فى كل صفحة بالجريدة والتى يحددها الأستاذ بحرى طبقا لمواعيد الطبع . وكان ملحق عدد الجمعة الذى يشرف عليه المرحوم الأستاذ أحمد بهجت تقدم مواده كاملة يوم الثلاثاء ، وكثيرا ما وقعت مشادات بين الأستاذين بحرى وبهجت الذى كان يتأخر فى معظم الوقت فى تقديم مقاله فى الموعد المحدد ، لكن بهجت كتب مقالا عن الأستاذ بحرى بعد وفاته جاء قطعة من الأدب الانسانى أبكى بها كل من قرأه . وختم أحمد بهجت مقاله معتذرا للأستاذ بحرى لأنه تأخر عن موعد تقديم المقال 24 ساعة . وجه الكاتب الكبير كلامه للأستاذ بحرى قائلا : متأسف ياأستاذ بحرى لأننى تأخرت فى كتابة المقال ، لكن هذه المرة بسببك أنت .

ولأن الحياة مستمرة ولاتتوقف فقد كشفت وفاة الأستاذ بحرى عن أنه كان أيضا أستاذا قديرا ومعلما يهتم بالأجيال الجديدة من الشباب. استمر العمل فى سكرتارية التحرير تحت قيادة ماهر الدهبى أول من ابتكر ماكيت مجلة «نصف الدنيا» التى رأست تحريرها الفنانة والكاتبة سناء البيسى كما تولى إخراج الطبعة الدولية من الأهرام التى كانت توزع فى أوروبا والولايات المتحدة وكندا . وأسس سمير صبحى الأهرام ويكلى بينما عملت الى جانب عملى فى الأهرام والطليعة مديرا لتحرير مجلة الشباب وعلوم المستقبل التى رأس تحريرها أول من ابتدع الصحافة العلمية فى الصحف المصرية المرحوم صلاح جلال.

[ من كتاب : «أهرام القرن الواحد والعشرين » الذى يصدر بإذن الله فى خريف عام 2018 ]

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق