قال د. «إمام عبد الفتاح» أستاذ الفلسفة الشهير إن مجتمعنا لا تنقصه الأخلاق كما يظن البعض، ولا العودة إلى الله كما يتوهم غيرهم، فما ينقصنا حقا هو الشخصية الإنسانية المتكاملة التى تنال جميع حقوقها،
وتشعر بكرامتها الإنسانية. وأضاف إن فواجع الأمة كثيرة، لكن الأشد إيلاما له هى الفواجع الفكرية التى لا مثيل لها. ومن يقرأ روائعه، سيلمس عمق وجلال وعذوبة كتابته! وسألته عن مرد هذه العذوبة، فابتسم قائلا: «تأثرا بأستاذى د. زكى نجيب محمود، وكنت أشبه نفسى بقط يترقب الفتات المتساقط من مائدة طعامه ليلتهمها!».
كيف ترى المشهد الفكرى والثقافى الآن؟
أراه منهارا بكل أسف.
ما السبب بتقديرك؟
دورة رأس المال أصبحت فى يد العمال، وهى طبقة لا تقرأ بطبيعتها، وهو الأمر الذى هبط بالثقافة عموما، وحل محل التشبيهات اللغوية الجميلة اللافتة انهيار فى التعبير، وأصبحنا نسمع بدل «وردة الحب الصافي» «كوز المحبة»، وعبارات سوقية للغاية، ما يدل على انهيار الثقافة .
ألم يغن المثقفون والنخبة من الأمر شيئا؟
الثقافة فى النهاية تجميع لفكر المجتمع، وإذا كان فكر المجتمع هابطا، فستهبط الثقافة معه بالتأكيد .
قبل عقود طرح المفكر الكبير د. «زكى نجيب محمود» أفقا لتجديد الفكر العربي، أما من أفق ترسمه، وأنت تلميذه النجيب، للهدف نفسه؟
د. زكى نجيب محمود، رحمة الله عليه، كان مهموما بالمجتمع وتخلفه؛ لأنه مجتمعه، وكان يرجو إصلاحه، وحاول الإسهام فى نهضته قدر استطاعته، لكنى أظن أن المسألة لا تتوقف على جهود مفكر واحد أو اثنين، بل تحتاج إلى نهضة شاملة تأتى من أسفل، والثقافة تأتى متأخرة عادة لتعبر عن المجتمع ككل، وكما قال هيجل «بومة مينيرفا لا تبدأ فى الطيران إلا بعد حلول الليل».
هل تحققت نبوءة د. زكى نجيب محمود «مجتمع جديد أو الكارثة»؟
نحن فيها الآن بلا جدال، وهناك عوامل كثيرة تضافرت وأدت إلى تآكل الثقافة، منها سوء النشر .
وفواجع الأمة كثيرة.. فأيها يؤلمك أكثر؟
الأشد إيلاما لى الفواجع الفكرية، لأننا من أيام أرسطو نقول: «الانسان حيوان ناطق مفكر»، فالفكر هو الأساس، فإذا فُجعنا فى الفكر، فالفجيعة لا مثيل لها! وكلمة الفكر تقال الآن فى سياق الهم والألم والحزن والكرب العظيم، وباتت الأم تدعو الله أن يجنب ابنها الفكر، كما لو كان الفكر ليس ما يميز الإنسان عن الحيوان !
البعض يرد فواجع الأمة إلى نظرية المؤامرة، فهل هذا صحيح بنظرك ؟
أعتقد أن نظرية المؤامرة تعنى «الشماعة» التى نعلق عليها مشكلاتنا. فأى مؤامرة تلك ؟! إذا كان على المؤامرة، فالمؤامرات فى العالم كله، فى أمريكا وروسيا، لماذا نحن فقط؟.
قديما كان بائع الصحف ينادي:«مقال العقاد»، ويهتف بائع آخر: «قصيدة شوقي». فهل تعتقد أن ثمَّة انفصام بين النخبة والشعب الآن؟
لم تعد هناك نخبة، لأن الثقافة منهارة، وغاب الفكر لعدة عوامل، أهمها كما قلت سابقا سيطرة دورة رأس المال على المجتمع، وأصبحت فى يد العمال .
من أين نبدأ لو أردنا النهضة؟
لن نبدأ من جديد، فلا يمكن العودة إلى الوراء، وليس ما ينقصنا هو الأخلاق كما يظن البعض، ولا العودة إلى الله كما يتوهم غيرهم، ما ينقصنا حقا «الشخصية الإنسانية المتكاملة التى تنال كل حقوقها، وتشعر بكرامتها الإنسانية» !
وكيف ترى دعوة البعض، مثل أدونيس، إلى القطيعة المعرفية مع التراث؟
نحن نهضم ما نستطيع أن نهضمه من التراث، فلمَ القطيعة؟ هناك قيم فى تراثنا صالحة للبقاء .التراث ليس جبلا يسيطر علينا ولا نستطيع زحزحته، بل هو عناصر تجرى فى دمائنا !
العقاد كان يرى الجمال فى الحرية.. ففى أى شيء تراه؟
الجمال فى كل شيء، ورآه العقاد فى الحرية، لأنها بلا قيود.
كتبت عن هيباتيا بحثا من أمتع الأبحاث.. فما كان دافعك؟
أشياء كثيرة، منها براعة المرأة وقوتها ودورها فى التاريخ، وأنها ليست أقل من الرجل من حيث قدرتها على التفكير وعلى العطاء العقلي، والاستشهاد فى سبيل الفكر، وقتلها القساوسة، ومن أعجب العجب أنهم قبل أن يقتلوها- باسم الدين- عروها، والسؤال: لمَ؟ الغريزة ما زالت موجودة، ومازال الاستمتاع بجسد المرأة موجودا.
ما الأشياء التى تصنع التطرف؟
أولا الجهل، لأن الجاهل لا يعرف كيف تسير الأمور؟ ويحاول أن يسيّر الأمور بقوة، والفقر أيضا، وغيرهما من العناصر التى تعد الحطب والوقود الذى يشعلل التطرف.
ومن يصنع الاستبداد؟
أساسا ـ فى رأيى نظام الحكم، ونظام الحكم المستبد يتكرر حتى يصل إلى الأسرة، فيطمس الشخصيات.
هل ثمة فرق بين فؤاد زكريا وزكى نجيب محمود فى الاشتباك مع الواقع والمجتمع؟
كلاهما كان عضوا فاعلا قويا لصالح المجتمع المصري، وكانا ينقدان جوانب النقص الموجودة فى المجتمع، ويدعمان جوانب القوة خصوصا مطالب الحرية وقد أديا دورا قويا فى الفكر العربى بأسره، وليس المصرى فقط.
ما سر تميز كتاباتك بالعذوبة مع أنها تكون عادة فى معضلات فلسفية؟
هى عادة كعادة مثل المشي، وتنشأ مع المفكر من بداياته، وأنا تأثرت بالدكتور زكى نجيب محمود الذى كان أستاذى المباشر، وكنت أحبه جدا وأزوره باستمرار، ليست مجرد زيارة، فكنت أتعمد استفزازه فى النقاش، وكنت أشبه نفسى بقط يترقب الفتات المتساقط من مائدة طعامه ليلتهمها .وكنت بعد نزولى من بيته على النيل، أمشى مسافة طويلة جدا، لأجتر كل حواراتى معه، ومن هنا جاءت عذوبة الكتابة التى تسأل عنها، تأثرا بأستاذى زكى نجيب محمود عليه رحمة الله.
هل هناك كتاب جديد لك؟
كتاب قيد الطبع بعنوان «الديمقراطية والوعى السياسي». ومن المعروف أن الديمقراطية نشأت فى بلاد اليونان مع شعب حافٍ، ويخطئ من يقول إنها لا تصلح لنا .ولا يجب أن ننسى أهم جزء وهو أن الديمقراطية مسيرة وممارسة، وظلت فى انجلترا فترات طويلة تعانى سيطرة اللوردات والأغنياء ومشكلات مثل الموجودة عندنا وأكثر، وشيئا فشيئا تلاشت تلك المشكلات، وظهرت الديمقراطية بأعمدتها الأصيلة وتطورت، وصار أعلى مد للديمقراطية فى انجلترا، ويجب ألا نيأس بسرعة.
رابط دائم: