رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«طارق لطفى» و«هشام سليم» يتألقان خارج السباق الرمضانى
«بين عالمين» .. شغف السيناريو وبراعة أداء الممثلين

محمد حبوشة
على الرغم من تأخر موعد عرضه إلى ما بعد انتهاء الموسم الرمضانى، فقد حقق مسلسل «بين عالمين»، نجاحا كبيرا منذ عرضه قبل ما يقرب من شهر ، حيث استطاع المسلسل أن يلفت أنظار عدد كبير من الجمهور، حتى تكاد تكون عناصره أقرب للكمال فى واقع الأمر على مستوى كتابة السيناريو والأداء التمثيلى وجودة الإخراج،بل يمكننا القول بأنه مصنوع صناعة جيدة، كما يبدو الصراع عصريا للغاية من خلال الأحداث المتشابكة، فضلا عن كونه مليئا بالإثارة والتشويق منذ اللحظة الأولى وحتى نهاية الحلقات.

..............................................

أقصد بالتشويق والإثارة تلك التى تبعد المشاهد عن الملل والمط المعتاد، وربما صنعهما بشغف ذلك السيناريو الجيد، وهو ما جعل نسب مشاهدة المسلسل عالية للغاية، إلا أن كثرة استخدام «الفلاش باك» فى الحلقات العشر الأولى وما بعدها قليلا سبب بعض الإرباك لجمهور يتطلع دائما لمتابعة عمل جاد مصنوع بشكل جيد، وربما عمد مؤلف المسلسل «أيمن مدحت» لهذا الأسلوب فى إطار التحليق بعيدا عن نمطية هذه النوعية من دراما الأكشن بإضفاء عناصر التشويق من خلال هذا الأسلوب، معتمدا على أن الجمهور اليوم ليس جاهلاً بتقنية «الفلاش باك» التليفزيونية، وبلاشك إنه تم إختبارها فى كثير من المسلسلات حتى ألف أشكالها الجمهور، ولكن المشكلة هنا تكمن فى أسلوب التعامل مع هذه التقنية على هذا النحو الذى لا يعنى مشكلة فى بناء السيناريو، بقدر ما يعنى مشكلة فى فهم طبيعة التلقى التليفزيونى، والتجريب الذى ينفع فى السينما وعلى خشبة المسرح، هو الأخطر فى التعامل مع جمهور التليفزيون، كما يتفق أهل الاختصاص.

صحيح أن طارق لطفى أوضح فى تصريحات له قبل عرض المسلسل منوها بأنه يحتاج إلي تركيز من المشاهد، لأنه مليء بالفلاش باك، والتى تظهر مشاهدها مختلفة من حيث الألوان المستخدمة فى المونتاج، وكذلك من حيث كاريكاتير الشخصيات، حيث تم عمل معالجة فنية خاصة لمشاهد الفلاش باك لتكون ألوانها «وورم» أكثر، على عكس المشاهد الحديثة التى تكون «كولد» ليسهل على المشاهد تمييزها، فالحلقة الواحدة من المسلسل كالسينما، ولو فات الجمهور دقيقة واحدة من الحلقة سوف يتوه، ولا يستطيع ربط الأحداث.

لكن تبدو لى المشكلة فى استخدام «الفلاش باك» كما ظهر فى الحلقات العشر الأولى للمسلسل هى فوضى المتواليات الزمنية للقصة، وإن كنت فى هذا المقال لن أناقش كم بدت هذه المتواليات ضرورة لكشف أحداث حاسمة فى القصة ورحلة أبطالها، وفى خلق شعور بالانتقال فى الزمان والمكان، إلا أننى سأكتفى منها بالبحث عن مدى قدرتها فى الوصول للجميع بنفس المقدار، والسؤال الأبرز فى هذا السياق - بحسب الناقد السورى ماهر منصور - هل انتبه صانعو هذه المتواليات الزمنية المتعددة، حد الفوضى، إلى طبيعة المتفرج التليفزيونى، وإلى أنه يشكل فسيفساء متنوع من مختلف الأعمار والأذواق والخلفيات الثقافية والمجتمعية…؟

هل يتناسب تعدد المتواليات الزمنية، وفق ما شاهدناها مع شكل الفرجة التليفزيونية التى تفترض أنها جزء من حياة عائلية، تتداخل معها كثير من التفاصيل اليومية لحياتنا الفردية والأسرية والعامة، وتتأثر بظروف ومستويات المعيشة المختلفة ؟

ألا تتطلب هذه المتواليات الزمنية المتعددة، نوعاً من التركيز لا تحققه دائماً طريقة التلقى التليفزيونية وما يرافقها من تشتت متوقع لانتباه المتفرج..؟

ظنى أن إفراط السيناريو فى استخدام «الفلاش باك» بكثرة فى الحلقات العشر الأولى، كان النقطة السلبية الوحيدة فى هذا المسلسل، وربما كان تخفيفه منها فى باقى الحلقات سببا فى نجاح المسلسل إلى حد كبير، ولقد ساهم فى إنجاح العمل ككل أداء الممثلين، وعلى رأسهم بطلا المسلسل «طارق لطفى وهشام سليم»، فيبدو الأول قد اعتاد أن يجدد نفسه دائما، خاصة أنه نجح فى تلك النوعية من الأعمال التى تعتمد على الحركة والإثارة، وهو ما جعلنا نشاهد أداء تمثيليا بارعا منذ الحلقة الأولى، حيث كان يبلغ نفس حالة الإلهام التى يعيشها المؤلف أوالرسام أو الموسيقى فى كل مشهد يؤديه، ولكن فى وضع غير أوضاعهم حين تكون حالاتهم الإبداعية فى خلوة خاصة، بينما عليه هو أن يبدع من خلف الشاشة وأمام حشد جماهيرى معين وإضاءة معينة وظروف أخرى محددة من أمامها.

لقد أصبح لطارق لطفى اسم لامع فى الدراما التليفزيونية، فهو يقدم مسلسلات من بطولته تحقق نجاحا، ويحسب له اختياره أدوارا مختلفة عن التى سبق وقدمها، حيث ينوع ما بين الشر والطيبة، فضلا عن حرصه على أن يكون مسلسله من نوعية الغموض والتشويق فكل حلقة أنت تنتظر ماذا سيحدث، كما أن الغموض الذى يحيط بكل شخصية يلعبها يجعلك تتعاطف معها فى بعض الأوقات وتكرهها، وهو أيضا ما يجذب المشاهد لمتابعة الأحداث.

وفى سبيل أن نستمتع بمباراة جادة فى التمثيل والأداء فلم يطمع «طارق لطفى» فى بطولة المسلسل لنفسه فقط، بل هناك أيضا معه الممثل القدير هشام سليم، والذى أصابنا بالذهول من فرط أدائه العذب، فمنذ سنوات طويلة لم يصل «سليم» بنا إلى ذروة المتعة التمثيلية التى تعتمد على الملاحظة والخيال فى إلمامه بالعواطف والمواقف والدوافع الإنسانية التى مكنته بالضرورة من القيام بدوره على نحو أفضل، بل جعلته قادرا دوما على التعبير عن كافة العناصر التى يتم للمشاهدين فهمها، ومن ثم فقد أمكنه التحضير للدور جزئياً بملاحظة كيف يمشى رجال الأعمال «المافياوى»، وكيف يقف وكيف يجلس بحيث يمكن تطبيق هذه الحركات لتتماشى مع الشخصية التى يريد تصويرها، كما بدا لنا فى لعبه لشخصية رجل الأعمال الفظ «نادر» على مدار حلقات المسلسل.

كانت الحركة والإشارة هما الطريقتين اللتين يصور فيهما «هشام» طريقة مشى الشخصية وقامتها وإشاراتها ومميزاتها الجسمانية الخاصة، صحيح أن المخرج يتحكم فى إطار حركة الشخصية العام، غير أن الممثل هو المسئول عن إخراج هذا النموذج التجريدى إلى حيز الوجود، وذلك بقدرته على فهم هدف كل دافع عاطفى وراء كل حركة تقوم بها الشخصية، كما أن ميزات الصوت عنده تحدد خصائص الشخصية من الناحية الصوتية، حيث حدد الميزات المرغوبة فى الصوت وقام بمواءمتها على نحو صحيح، فتارة تبدو طبقة صوت حادة؛ بينما فى مشهد آخر قد يتطلب صوته ناعمًا مريحًا.

يبدو فى الحقيقه أن مسلسل «بين عالمين» هو التعويض الفنى المناسب لكل سنوات التجاهل التى مر بها هشام سليم الذى كان يستحق اهتمامًا أكبر مما هو عليه، كما تبدو الأدوار النسائية مرسومة بعناية فائقة، وبحيوية مطلقة عبر العنصرين الجسدى والحركى أهمها «فيدرا» أو «فرح» زوجة نادر وشريكته فى رحلة صعوده، رغم ما شاب علاقتهما من توتر نتيجة زواجه بأخرى، ، وهنا يظهر الثقل الجمالى للممثلة وتركيزها الجسمانى اللذين يؤثران على استيعابنا لحضورها الدرامى، وهكذا فإننا لا نرى فقط ملامحها الخاصة، لكننا نتفهم إيقاع حياتها وحركتها الجسدية الفريدة كردة فعل على الأشخاص الأحياء من حولها، أى طريقتها فى الوجود وفق وصف «إنغمار برغمان»

وكذلك الحال مع «مها نصار»، فرغم صغر مساحة الدور بتجسيدها شخصية الراقصة «سمية» إلا أننا نقف أمام ممثلة هى من بين القلة من الفنانين الذين لا يمكنهم فصل وسائل التعبير لديهم عن أنفسهم، لأنهم يبدعون باستخدام أجسادهم وأصواتهم وميزاتهم النفسية والعقلية؛ وهذا يستند بطبيعة الحال إلى توافر عناصر أساسية لديها كممثلة تعرف كيفية الدمج بين المقدرة على الأداء والدراسة والممارسة، فعلى مستوى الجسم والصوت يحتاج الممثلون إلى أجساد مرنة مطواعة معبرة، ويتحتم عليهم استخدام أجسادهم لعرض مواقف عديدة ومتنوعة كما فعلت «مها» فى لعبها شخصية «سمية»، ونفس الحال ينطبق على «دارين حداد» المذيعة العنكبوتية صاحبة العلاقات المتعددة، والزوجة الثانية لمروان، أداء جيد، يناسب الشخصية شكلًا، وروحًا، أما شخصية الزوجة التى قدمتها» لقاء الخميسى» فلم يكن لها أى تطور إلا على مستوى الشكل وليس الجوهر، على عكس الابنة «سلمى» الذى جسدته الفنانة الشابة «ريما» فهى صاحبة وجه هاديء وأداء ناعم، ولقد منح السيناريو فرصه ذهبية لأمير صلاح الدين للتعبير عن طاقاته وقدراته المتلونة فى أداء شخصية «حمادة»، وكذلك «حازم سمير» فى شخصية «هشام» الخصم اللدود والمنافس الدائم لـ «مروان» أو «طارق لطفى». وعلى الرغم من كل ما مضى فتبرز لى بعض العيوب فى السيناريو ما كان يجدر الإبقاء عليها وإغفالها، ومنها شخصية الرجل الحديدى، والتى جسدها الفنان «زكى فطين عبد الوهاب»!! ذلك اللهو الخفى، أو الرجل المجهول الذى يخفى وجهه تحت قناع حديدى، فليس من المنطقى أن يكون هناك مسئول خطير وناقذ يمكن أن يتحرك بين الناس وهو يخفى وجهه بهذا القناع الساذج، أيضا عمد السيناريست لجعل أهم خصمين وهم «مروان» و«هشام» جيران فى نفس العمارة، بحيث يسهل على أسرة كل منهما أن تتابع ما يحدث فى شقة الخصوم بسهولة، ومع ذلك لايدور الصراع فى «بين عالمين» بين شخصيات بريئة بعينها وأخرى فاسدة، ولكنه يدور بين شخصيات فاسدة وأخرى أكثر فسادًا، وهو ما يصعب المهمة عليك كمشاهد أن تتعاطف مع إحداها على حساب الآخر، ولكنك حتما ورغما عنك سوف تستمتع بتلك الحرب الشرسة بين أسود غاضبة وأفاعى تبطن سمومها، يحاول كل منها أن يقضى على الآخربفرط من شر مطلق، بينما يجلس المشاهد أمام الشاشة فى ترقب منتظرا من سيسقط صريعا فى النهاية، فالمعركة ساخنة للغاية والمكاسب مذهلة للغاية أيضا، فنحن أمام مزيد من الثروة وتضخم النفوذ، ولا يبدو فى حلبة الصراع مكانا للضعفاء أو الأغبياء، ومما يثير شهية المشاهد ويحفزه على المتابعة أن ما يراه أمامه مجسدا على الشاشة لايبعد كثيرا عما يحدث فى حياتنا الواقعية بين رجال اﻷعمال والساسة وأصحاب النفوذ والإعلاميين.

وتجدر الإشارة فى النهاية إلى المخرج أحمد مدحت قدم مسلسلًا من أفضل أعمال الأكشن والإثارة هذا العام، وهو بذلك يؤكد قاعدة أن العمل الجيد يفرض نجاحه فى أى توقيت ، ولعل نجاح مسلسل «بين عالمين» يحطم فكرة أن الأعمال الجيدة لابد لها أن تلحق العرض الرمضانى وإلا خرجت من حسبان الجماهير، وخاصمها النجاح!، فلو قمنا بإحصاء عدد المتابعين لحلقات المسلسل على اليوتيوب، أو من خلال بعض المواقع الحريصة على رفع الحلقات أولًا بأول، فسوف نتأكد أن هناك جماهير غفيرة تتابع المسلسل وبشغف كبير، كما أن اختياراته لطاقم التمثيل يدلل على حنكة وموضوعية، الأمر الذى صنع الأداء الموحّد، الذى يعنى الإحساس بالتناغم والترابط اللذين ينتجان عن جهد الممثلين التعاونى الشامل، ويبرز الأداء الموحد فى تأقلم كل ممثل مع حاجيات المسلسل ككل، وكان فى نفس الوقت على بينة من طرق تمثيل زملائه الآخرين ومواطن ضعفهم وقوتهم - بفضل إدارة العمل من جانب المخرج طبعا - بالإضافة لاختيارات أماكن التصوير وزوايا الكاميرا وخلق إيقاع مناسب لكل مشهد، فضلا عن دقه المونتير الذى حافظ بشكل متوازن على إيقاع المسلسل إجمالًا طبقا رؤية المخرج بحيث تختفى تقريبًا اﻷزمنة الميتة، وتبقى الحلقات محتفظة بسخونتها وقدرتها على جذب اهتمام المتفرج، وقدم تامر كروان بموسيقاه العصرية المميزة عنصرًا فنيًا جماليًا يثرى دراما «بين عالمين» ويزيدها ألقًا وبريقا مع كافة عناصر العمل الأخرى.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق