رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«أوراق الجنة» .. فضىحة «مشروعة»!

رحاب جودة خليفة
للمرة الثانية فى أقل من عامين، تكشف التحقيقات والوثائق المسربة عن شبكة واسعة مترابطة سبل النخبة العالمية للتهرب من دفع الضرائب.

لذلك فإن ما يسمى «أوراق الجنة» تحمل تقريبا اسما مشابها لـ «أوراق بنما» التى هزت العالم العام الماضي. ولكن فى الحقيقة فإن أوراق الجنة فى مضمونها والإجراءات المقترنة بها تعكس أوضاعا مختلفة سواء عن حجم تعقيد النظام الضريبى عبر البحار أو ردود الفعل المخيبة للآمال بشأن ارتباط التجارة العالمية بالنخب السياسية. 

وعادة، فإن القواعد الدولية المتعلقة بالتهرب من الضرائب وتجنبها تهدف إلى مساعدة الحكومات الوطنية على متابعة مرتكبيها، ولكن أوراق بنما كشفت أن بينما كانت تستخدم فى المقام الأول من قبل النخب التجارية والسياسية فى دول مثل روسيا والصين وغيرهما الكثير فى أمريكا اللاتينية وآسيا.

وبمعنى آخر فهى دول ترتبط فيها الحكومات ارتباطا وثيقا بالأعمال التجارية لكن يقل بها احتمال استخدامها للأدوات التى توفرها القواعد الدولية الجديدة لملاحقة الجناة. وبالتالي، فقد تم القبض على عدد قليل نسبيا من الأمريكيين أو الأوروبيين فى قصة بنما. 

أما أوراق الجنة فتكشف لجوء النخب من العالم هذه المرة إلى ملاذات من المفترض أنها منظمة بشكل كبير وخاضعة بشكل أوضح للقواعد الدولية مثل جزر كايمان وبرمودا وسنغافورة وجزيرة جيرسى فى القنال الإنجليزى وما شابه.

فجميع هذه الدول تلقت تقارير وشهادات، خاصة من قبل «منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية» قبل بضع سنوات تؤكد صحة خضوعها للقواعد الملزمة. ومن هنا أكدت شركة المحاماة المتخصصة فى خدمات ما بعد البحار والواقعة فى وسط هذا التسرب الجديد وهى «آبل باي»، أنه لا يوجد دليل على ارتكاب مخالفات فى هذا الأمر.

وكذلك فإن النخب التجارية والسياسية جاءت بدورها هذه المرة من دول خاضعة لتنظيم جيد مثل الولايات المتحدة وبريطانيا ومتورط بها مجموعة من الشركات متعددة الجنسيات الكبري، وأفراد فوق مستوى الشبهات على رأسهم الملكة إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا.

ومع ذلك، فإن أوراق الجنة ما زالت تكشف الكثير عن القواعد المعمول بها وسبل التحايل عليها من قبل الأثرياء وأصحاب اتخاذ القرار والمسئولين عن تنفيذ هذه القواعد. ومن الواضح أن مناطق مثل جزر كايمان وبرمودا التى لا تفرض ضريبة دخل أو ضريبة أرباح رأسمالية أو ضريبة القيمة المضافة أو مبيعات أو ثروة أو ضرائب على الشركات لا تزال تجتذب قدرا كبيرا من التجارة الدولية.

وبالتالى فإن أفرادا من أصحاب المميزات وما يشبه الحصانة يستثمرون فى أكثر من صندوق فى الخارج لتنويع محفظتهم مثل ملكة بريطانيا رغم أنها تدفع الضرائب طواعية فقط. صحيح أن الكثير منهم يستثمرون بنسبة صغيرة من ثرواتهم ولا يوجد هناك شيء غير قانونى حول هذا، ولكن من المؤكد أن أخلاقيات هذا التصرف ومصداقيته هى الخاضعة حاليا للتشكيك والانتقاد.

 وهكذا، فإن ما يسمى بـ «صناعة الثروة» أو استثمارات الأثرياء تتحرك بشكل أفضل من خلال نشاطات ما وراء البحار، والسبب فى ذلك بسيط للغاية فكل صندوق أو معاملة، أو طائرة أو يخت، أو أيا كانت الممتلكات التى يسعى الشخص لحفظها فى كايمان أو برمودا، لا تخضع للضريبة ولا يستطيع العامة الاطلاع عليها.

وعلى الرغم من مجموعة من اللوائح الجديدة، فإن أوراق الجنة تبين أن أى شخص يرغب فى إخفاء شئونه بعيدا عن المنافسين والحلفاء والحكومات أو العامة، يمكنه أن يفعل ذلك بكل سهولة، ويمكنه أن يفعل ذلك أيضا من خلال الصناديق والودائع التى لا تخضع للتدقيق المحاسبي. وبالتالى ظهر أن ويلبر روس، وزير التجارة الأمريكي، كانت له صلات تجارية مع عائلة بوتين، التى تعمل من خلال نظام من الصناديق المترابطة الموجودة فى مختلف المناطق التى لا تخضع للمراجعة القضائية.

وتظهر أوراق الجنة كذلك حجم استخدام «الابتكارات» والحيل والثغرات المالية المعقدة مثل استخدام ترتيبات المقايضات المالية للتجنب الضريبي، وهذا مجال لا يكون عادة مفهوما بشكل جيد ولا يتم دراسته على نطاق واسع، أضف إلى ذلك، أن العديد من شركات الخدمات عبر البحار تعمل من خلال المناطق الواقعة للقواعد الدولية فى الخارج  ولذلك فهم يدعون أنهم محترفون بدرجة عالية، ليس فقط باتباع القواعد بل أيضا باتباع روح القانون.

وكما كشفت هذه الأوراق حجم «الهاجس» النفسى الذى تسببه مصادر الرزق للأثرياء أكثر من الفقراء وحجم الفساد الأخلاقى فهى تكشف أيضا أنها لن تغير الكثير على نطاق أوسع. فحتى الآن، لم تشجع رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماى التى طالما أكدت أنها تدعم «المزيد من الشفافية» على إجراء تحقيق فى المزاعم أو أى تغييرات رئيسية فى القوانين القائمة.

وكانت ردود الفعل أكثر صمتا فى دول مثل آيرلندا وسويسرا وهولندا، التى أصبحت معروفة باستخدام الثغرات الضريبية لجذب الشركات ونشاطات الأغنياء فى العالم. ولكن إذا كانت هذه الشركات ليست مسئولة بشكل مباشر عن أنشطة عملائها، فإن هذا الشكل من التجارة فى الخارج سوف يستمر فى الازدهار.

وتستمر بدورها هذه الشركات فى الاستفادة من الثغرات التنظيمية بين مختلف القواعد من أجل تقليل الضرائب، ففى العام الماضى عندما كشفت أوراق بنما كبار المسئولين والمشاهير والسياسيين المستفيدين من الملاذات الضريبية، نتج عن ذلك بعض الاستقالات والتحقيقات والإحراج.

ومع ذلك، فإن ذلك لم يؤد إلى أى نوع من الإصلاحات القانونية بعيدة المدى والضرورية لحظر مثل هذه الممارسات المثيرة للجدل خاصة بين كبار السياسيين والمستشارين المكلفين بوضع القواعد للحد من التهرب من دفع الضرائب أو تجنبها. ولذلك يظل السؤال المطروح هو: إلى متى ستصبح هذه الممارسات شرعية؟

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق