هل هى جريمة كراهية؟..أم عملية إرهابية؟..أم مجرد جريمة جنائية؟ ما هى المعايير التى تنتهجها السلطات الأمريكية فى تقييم موجة القتل وضياع أرواح عشرات الأبرياء فى الاعتداءات، من لاس فيجاس وحتى تكساس فى غضون أسابيع قليلة، التى تجتاح الولايات الأمريكية الواحدة بعد الأخرى؟
هل هى ازدواجية المعايير الأمريكية مرة أخرى، التى عانى منها العالم على مدار عقود طويلة، والآن يدفع ثمنها الشارع الأمريكى باهظا؟ أم أن هذه التصنيفات ذات أبعاد سياسية؟ فهى نوع من التلاعبات التى يستفيد منها الساسة ورجال الأعمال ويدفع ثمنها رجل الشارع..
كما جرت العادة فى مختلف الدول بطبيعة الحال من الصعب اعتراف أى جهة بالاختيار الأخير، فهذا ليست من سمة السياسة أو السياسيين. ولكن ماذا عن التقييمات الأمنية هل يمكن أن تستسلم لعالم السياسة؟
وفقا لمكتب المباحث الفيدرالية الأمريكى فإن تعريف الإرهاب المحلى بأنه «يرتكبه أفراد أو جماعات مستوحاة من الحركات التى تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها فى المقام الأول، والتى تتبنى أيديولوجيات متطرفة ذات طابع سياسى أو دينى أو اجتماعى أو عرقى أو بيئي».
ووفقا للقانون الأمريكى فيتم تعريف الإرهاب على أنه «عنف متعمد بدوافع سياسية ارتكب ضد أهداف غير مقاتلة من جانب مجموعات غير وطنية أو عملاء سريين».
ووفقا لقاموس «ويبستر» فإنه يتم تعريف الإرهاب على أنه «الاستخدام غير القانونى للعنف أو التهديد ضد الدولة أو الجمهور كوسيلة للهجوم أو الإكراه بدوافع سياسية».
ولكن التعريفات السياسية تختلف تماما عما تنص عليه القواميس والكتب، فعلى الرغم من أن الفيصل الأساسى فى تعريف أو حتى تصنيف الإرهاب هو الفكر والأيديولوجيا والدوافع. ولكن حتى هذه اللحظة، فإن السلطات الأمريكية فشلت فى تحديد الدوافع أو الأيديولوجية وراء الهجوم الذى نفذه الأمريكى ستيف مادوك فى لاس فيجاس قبل أسابيع قليلة، وأسفر عن مقتل ما لا يقل عن 58 قتيلا وإصابة العشرات، أو حتى كيفية حصوله على الكم الضخم من الأسلحة التى كانت بحوزته لدى تنفيذ جريمته ضد البشرية.
وترفض السلطات الأمنية تعريف هذا الاعتداء الدامى على أنه «إرهاب» أو حتى شكل من أشكال الإرهاب. وفى الوقت نفسه، فإن هجوم نيويورك، الذى تزامن مع الاحتفالات الأمريكية بعيد «الهالوين»، وأسفر عن مقتل 8 أشخاص ونفذه الأوزبكى سيف الله سايبوف، لم تتردد السلطات الأمريكية فى تعريفه بأنه «إرهاب» ، خاصة عقب العثور على منشورات مكتوبة باللغة العربية داخل سيارة الجانى واعترافه باعتناق أفكار تنظيم داعش الإرهابي. وها هى المأساة تتكرر مرة أخرى عقب الاعتداء الدامى على كنيسة فى تكساس، نفذه الأمريكى باتريك كيلى وراح ضحيته عشرات القتلى.
وعلى الرغم من عجز الجهات الأمنية عن التوصل إلى دوافع الجريمة، إلا أنها اكتفت بوصف الجانى بأنه «مختل عقليا» وتعاملت مع اعتدائه الوحشى على أنه جريمة عادية، وهو ما يؤكد لنا أن هناك نوعا من التلاعب أو حتى العنصرية فى تصنيف الجريمة والإرهاب.
وعلى الرغم من حرص الرئيس الأمريكى دونالد ترامب على نفى تهمة «تسييس الأزمات» عن نفسه،فإن هذا تحديدا ما يفعله مع كل أزمة عاشتها الولايات المتحدة فى عصره. فخلال أحداث تشارلوتسفيل العنصرية ومسيرات أنصار «فوقية البيض» التى أسفرت عن أحداث عنف وضحايا، جاء رد فعله متأخرا وفاترا، وهو ما علله برغبته فى الحصول على المعلومات الكافية قبل التسرع فى رد الفعل. ولكن لم يكن هذا موقفه خلال اعتداء نيويورك الذى راح ضحيته 8 قتلى ونفذه أوزبكى مسلم، فقد سارع إلى الإعلان عن تشديد الرقابة على اللاجئين وإلغاء برنامج وزارة الخارجية لمنح تأشيرات الدخول والهجرة فى بعض الدول عبر «اليانصيب».
وفى الوقت نفسه، جاء رد فعله خلال اعتداءى لاس فيجاس وتكساس غير متناسب مع عمق الأزمة أو رغبته فى القضاء عليها، فقد رفض الحديث تماما عن إلغاء قانون حيازة الأسلحة الصغيرة واعتبره لا علاقة له بالأحداث، بالرغم من الأزمة تكمن فى أن كل الاعتداءات كان أساسها سهولة حصول الجناة على السلاح، وعلل ذلك بأنه لو كان قد ألغى القانون قبل تنفيذ الهجوم الإرهابى بثلاثة أيام فلم يكن ذلك ليمنع وقوعه، ولكن لم يكن هذا هو المنطق الذى طبقه لدى تعامله مع جريمة سايبوف فى نيويورك، فإلغاء «يانصيب التأشيرات» الآن لن يمنع اندلاع مثل هذه الجرائم الإرهابية فى المستقبل القريب.
إن تسييس القضايا الأمنية، وسيطرة الساسة على قوات إنفاذ القانون أو بمعنى أصح عرقلتهم لتنفيذ القانون، يسقط ضحيته عشرات الأبرياء يوما بعد الآخر، ويدفع الأمريكيون ثمنه باهظا. وسواء كان ما تشهده أمريكا حاليا إرهابا داخليا أو خارجيا أو حتى اختلالا عقليا .. فلابد من أن تصمت الحسابات السياسية فى مواجهة الضرورات الأمنية، وقفا لإراقة الدماء.
رابط دائم: