توقفت الصحافة الروسية بالكثير من التفاصيل حول ما وصفته بـ «الوقاحة السياسية» التى حالت دون المباحثات التى كانت مقررة بين الرئيس فلاديمير بوتين ونظيره الأمريكى دونالد ترامب على هامش قمة «آبيك» ــ بلدان جنوب شرق آسيا والمحيط الهادئ ــ فى فيتنام ــ وهى القضية التى تمحور حولها الكثير من التعليقات الصادرة عن هذه القمة.
وفى معرض سردها لملابسات الموقف والارتباك الذى أصاب صفوف الفريق الروسى بسبب رفض الجانب الأمريكى إعطاء أى تفسيرات لتراجع ترامب عن قراره حول لقاء بوتين الذى سبق وأعلن عنه فى أكثر من مناسبة، قالت ان خبرات بوتين كرجل مخابرات حالت دون تعقيد الموقف، وساهمت فى إنقاذ ما يمكن إنقاذه .
انتهت قمة دانانج فى فيتنام ولم يعقد الرئيسان بوتين وترامب «مباحثاتهما» التى كان الطرفان أعلنا عنها قبل انعقاد القمة، رغم كل المحاولات التى بذلها أعضاء الوفد الرسمى المرافق للرئيس الروسي.
ورغم ان الرئيس بوتين نجح فى «استمالة» نظيره الأمريكى إلى عدد من الأحاديث الجانبية أجرياها «وقوفا»، وعمد إلى عدم تصعيد «المشكلة»، فضلا عما قاله فى مؤتمره الصحفى الختامى حول ان المباحثات لم تتم بالشكل المناسب نظرا لازدحام جدول أعمال ترامب من جانب، وتعقيدات جدول لقاءاته من جانب آخر ، فانه كشف «ضمنا» عن تقصيرٍ، عزاه الى عدم اضطلاع المسئولين عن البروتوكول وتنظيم اللقاءات، مؤكدا انه سوف يعاقب المسئول عن ذلك، وإن قالها وابتسامة خفيفة ترتسم على شفتيه.
وكان دميترى بيسكوف الناطق الرسمى باسم الكرملين اضطر أيضا من جانبه إلى الكشف عن بعض ملابسات الموقف ، حين قال ان المباحثات لم تتم، بسبب ما وصفه بـ«المطالب غير النمطية»، التى طرحها أعضاء الوفد الامريكي، فضلا عن عدم تحليهم بالمرونة، على حد قوله.
ومضى ليشير إلى ان «البروتوكول» ينظم مثل هذه الأمور، وضرب مثالا على ذلك بان اللقاء السابق الذى جرى فى هامبورج فى يوليو الماضى على هامش قمة العشرين عُقِد فى قاعة أخذ الجانب الأمريكى على عاتقه مسئولية تأجيرها، بما يعنى ان اللقاء جرى على أرض أمريكية.
وأضاف ان ذلك يعنى ان الجانب الروسى كان هو المدعو هذه المرة للاضطلاع بمسئولية تنظيم اللقاء، إلا ان الجانب الأمريكى أصر على الاستئثار بهذا الحق، وطرح مكانا واحدا قام بتأجيره فى موعد كان واضحا انه لا يتناسب مع جدول لقاءات الرئيس بوتين دون أى بدائل، فضلا عن عدم الرغبة فى إبداء أى مرونة، وهو ما اعتبره الجانب الروسى محاولة من جانب الطرف الآخر إملاء إرادته عليه، رغم أن ترامب كان استبق ذلك الموقف بتصريحات، قال فيها إنه كان يود الحوار مع بوتين من أجل التوصل إلى الحلول المنشودة بشأن الأزمة المتعلقة بالبرنامج النووى الخاص بكوريا الشمالية.
على أن ما قاله بوتين حول عزمه على معاقبة المقصرين يمكن أن يكون وراء تسابق الكثيرين من ممثلى الجانب الروسى لتفسير مبررات عدم إجراء المباحثات وإلقاء اللوم على الجانب الأمريكي. وكشفت صحيفة «كوميرسانت» عن أن الجانب الروسى قام بحجز القاعة المخصصة وزودها بعلمى الدولتين استعدادا للقاء الرئيسين، إلا ان الجانب الأمريكى لم يحضر وهو ما آثار ارتباك وغضب الوفد الروسى بطبيعة الحال. وفيما حرصت المصادر الأمريكية على تأكيد عدم مسئوليتها عن فشل تنظيم اللقاء، قال آخرون إن ترامب كان يبدو وكأنه يتعمد عدم اللقاء مع بوتين، على غير ما سبق وصدر عنه من تصريحات.
غير أن الخلافات بين الجانبين لم تقتصر على فشل عقد المباحثات «الكاملة القوام» فى دانانج الفيتنامية، بل وتعدتها الى الاختلافات حول تفسير البيان الصادر عن الجانبين بشأن الأوضاع فى سوريا، وهو ما كان بوتين وترامب ناقشاه وقوفا خلال لقائهما العابر على هامش قمة «ايبيك».
وقال دميترى بيسكوف الناطق الرسمى باسم الكرملين» انه «لا محل بهذا الشأن لأى تفسير أو تأويل، ولا بد قبل كل شيء من الاطلاع على نص المذكرة وقراءته. من غير المقبول هنا التفسير المزدوج، ولا بد من الاستناد إلى نص المذكرة الصريحة»، فيما دعا واشنطن إلى «الكف عن محاولات تأويل نص المذكرة الروسية الأمريكية الأردنية المبرمة فى عمّان فى الثامن من الشهر الحالى حول جنوب غربى سوريا».
ومضى بيسكوف ليقول ان «هذه المذكرة كانت خضعت للبحث والمشاورات على مستوى الخبراء قبل الإعلان عنها، وتم الاتفاق على صيغتها فى دانانج خلال قمة «آيبيك» لرفعها الى الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب اللذين أقرّاها بشكل نهائي».
وكان ممثل الخارجية الأمريكية قال فى تعليقه على البيان الذى وقعته روسيا والولايات المتحدة والأردن، أنه ينص على إزالة وجود القوات غير السورية، بما فيها الإيرانية والقوات المحسوبة عليها، من جنوب غرب سوريا، فيما أشار إلى أن روسيا وافقت على البحث مع السلطات السورية فى هذه المسألة، إلى جانب إشارته إلى أن الوثيقة تنص أيضاً على إبقاء سيطرة القوات المعارضة على مناطق فى جنوب غرب سوريا حتى عملية التسوية السياسية.
ورغما عن كل ذلك فقد حرص كل من الجانبين الروسى والأمريكى على الإشادة بمواقف الآخر انطلاقا من مقتضيات الزمان والمكان، وهو ما تمثل فيما قاله بوتين حول انه لا يزال يعلق الكثير من الآمال على تجاوز العقبات التى تتناثر على طريق العلاقات بين البلدين، والتى تحول دون التفاهم المنشود وإرساء جسور التعاون اللازم للعمل المشترك من أجل الارتقاء بمستوى العلاقات الثنائية فى كل المجالات ومنها الاقتصادية والسياسية، إلى جانب التعاون المشترك فى مجال مكافحة الإرهاب، فضلا عما كشف عنه فى المؤتمر الصحفى الختامى الذى عقده قبل مغادرته لفيتنام، من حرص واضح على الإشادة بنظيره الأمريكى ترامب وتأكيد «دماثة خلقه ورقيق تصرفاته».
وذلك ما رد عليه ترامب على نحو غير مباشر فى تصريحاته التى قال فيها «انه يعتقد انه من العار ان تستطيع مثل هذه الأمور تدمير القدرات الهائلة للعلاقات المتبادلة بين بلدين كبيرين يعتبران من أكبر البلدان»، فضلا عما قاله حول ان الأوضاع المتعلقة باحتمالات تدخل الكرملين فى الانتخابات الأمريكية تعتبر «عارا» يحول دون تطبيع العلاقات بين البلدان المهمة، وان روسيا يمكن بالفعل أن تساعدنا» على حد قوله.
وكشف ترامب عن انه تبادل عددا من الأحاديث القصيرة مرتين أو ثلاثا مع الرئيس بوتين خلال الأيام القليلة الماضية، فيما وصف محاولات الديمقراطيين حول إثبات تدخل الكرملين فى الانتخابات الأمريكية بأنها أشبه بالبحث عن الأشباح.
رابط دائم: