«إذا كانت جميع النساء اللاتي تم التحرش بهن قد كتبن : أنا أيضا، قد نعطي الناس انطباعا عن حجم المشكلة «. هذه العبارة أحدثت ضجة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، واختصرت ما تعانيه النساء في كل مكان، في الشرق والغرب، في المدينة والريف، في أماكن العمل ومراكز الترفيه، وكشفت باختصار أن التحرش مشكلة كل النساء في مختلف أنحاء العالم، وهن مدعوات إلى مشاركة تجاربهن على هاشتاج «أنا أيضا» أو me too.
النجمة الأمريكية إليسا ميلانو لم تكن تدرك وهي تدعو جميع النساء اللاتي تعرضن للتحرش لكتابة هذه العبارة أنها ستكشف هذا الكم الهائل من القصص والروايات لنساء تم التحرش بهن، فالمبادرة التي انطلقت من هولندا عبر الحساب الشخصي لميلانو «تويتر»، والتي جاءت كرد فعل لفضيحة المنتج السينمائي الأمريكي هارفي واينستين التي تفجرت مؤخرا، انتشرت كالنار في الهشيم لتجمع نساء العالم الأول والثالث على مائدة واحدة، ففي أول ٢٤ ساعة فقط من إطلاق الهاشتاج بلغت نسبة المشاركة حوالي نصف مليون سيدة روين تجاربهن وإحساسهن بالظلم والقهر نتيجة التحرش بهن، روايات تضمنت حالات تحرش من قبل فنانين مشاهير ورجال سياسة منهم على سبيل المثال الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الأب والممثل العالمي داستن هوفمان واللذان أجبرا على الاعتذار لضحاياهما رغم مرور سنوات على تلك الوقائع.
المبادرة جاءت بمردود قوي طالبت به صحيفة «الجارديان» البريطانية فتح صفحة يتم فيها نشر هذه الاعترافات متضمنة أسماء المشاهير والفنانين ورجال الأعمال المدانين وكانوا أقوى من أن يطالهم العقاب.
ويبدو أن المبادرة استطاعت كسب تعاطف الرجال أيضا، فكتب أحدهم على حسابه الشخصي على تويتر «أنا لن ألوم الضحية أبدا وسأربي أولادي على ضرورة احترام المرأة».
والحقيقة أن «أنا أيضا» لم تكن الصرخة الأولى فى مواجهة ظاهرة التحرش، فمنظمات المجتمع المدني طالما كان لها دور كبير في توعية المجتمع، ومن أشهر المبادرات في مصر «خريطة التحرش الجنسي» التي انطلقت عام ٢٠١٠ و»شوفت تحرش» عام ٢٠١٢ وكونتا مجموعة ضغط لرصد وتوثيق ومكافحة التحرش، بجانب توفير الدعم القانوني والنفسي للضحايا، ونظمت المبادرة سلاسل بشرية للتوعية وتوزيع منشورات للتعريف بقانون التحرش الجديد.
وتأكيدا على أن الدول الأوروبية ليست بمنأى عن هذه الظاهرة المزعجة، وإحياء لليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة والذي يوافق ٢٥ نوفمبر من كل عام، أطلقت الأمم المتحدة عام ٢٠١٤ حملة عالمية باللون البرتقالي لمدة ١٦ يوما تحت عنوان «هو من أجلها» للحصول على دعم الرجل للمرأة لمناهضة العنف ضدها.
ثم جاءت مبادرة فرنسا عام ٢٠١٦ ضد التحرش الجنسي في وسائل النقل العامة كخطوة فعالة للحد من هذه الظاهرة التي تطال عددا كبيرا من النساء، حيث أكدت دراسة أجرتها الهيئة العليا للمساواة بين الرجال والنساء أن ٦٠٠ سيدة يعشن في باريس وضواحيها بنسبة ١٠٠٪ تعرضن للتحرش الجنسي في وسائل النقل العامة مرة واحدة على الأقل في حياتهن.
فمبادرة «توقف- كفاية»، تضمنت لافتات ولوحات رقمية في محطات المترو والأوتوبيسات، وكذلك فيديوهات على الإنترنت، بالإضافة إلى منشورات ورقية تذكر بعقوبة التحرش والتي تتراوح بين السجن ستة أشهر والغرامة المالية التي قد تصل قيمتها إلى ٢٢٥٠٠ يورو.
أما المكسيك، فقد ابتكرت طريقة قد تبدو طريفة إلى حد ما ولكنها فعالة في مواجهة التحرش، وهي عبارة عن «صافرة» توزعها البلدية على النساء يستخدمنها في حالة تعرضهن للتحرش لضمان الاستجابة السريعة من السلطات.
ومن مظاهر الوعي الحقوقي لهذه القضية في أمريكا اللاتينية تأسيس المنظمات المتخصصة على غرار مرصد مكافحة التحرش في شيلي الذي توسع بعد ذلك إلى أوروجواي وكولومبيا وبيرو والأرجنتين والسلفادور، وينظم حملات تشارك فيها وجوه معروفة مثل البطلة الأوليمبية ناتاليا مالاجا التي أطلقت حملة فريدة في بيرو بأفكار مبتكرة تعمل على تحديد هوية الشباب المتحرشين، ثم تقنع بعد ذلك والداتهم بأن يمشين في مناطق تجمعهم بثياب مثيرة مع تغيير ملامح الوجه، وما أن يتعرضن للتحرش من أبنائهن حتى ينزعن القناع، ليجد الشاب أنه تحرش بوالدته!
رابط دائم: