لم تعد عناصر القوة الآن هيكلا عسكريا فحسب كما كانت فى السابق، وإنما تعضد ثلاثة عناصر بعضها البعض هى الاقتصاد والتكنولوجيا ومعهما القوة العسكرية التى تتولى حمايتهما،
ويحتل الاقتصاد الآن أول عناصر القوة للدولة، وعدم القدرة على بناء علاقات اقتصادية مع الدول الأخرى وخاصة المجاورة يحطم كيانها ومكانتها بين الدول ويتسبب فى فقر شعبها, وقد أسعدنى ما أعلنه الأمير محمد بن سلمان ولى عهد السعودية عن إطلاق مشروع «نيوم» ويشمل أراضى داخل الحدود المصرية والأردنية والسعودية، حيث تدعمه بخمسمائة مليار دولار خلال الأعوام المقبلة، وقد أعلن الأمير بن سلمان أن هذا المشروع العملاق الجاد سيركز على تسعة قطاعات استثمارية متخصصة تستهدف مستقبل الحضارة الإنسانية، ومنها مستقبل المعيشة الذى يمثل الركيزة الأساسية لباقى القطاعات، وذلك بهدف تحفيز النمو والتنوع الاقتصادى، وتمكين عمليات التصنيع وابتكار وتحريك الصناعة المحلية على مستوى عالمى، وكل ذلك سيؤدى إلى توفير فرص عمل، وسيحظى مشروع «منطقة نيوم» بكثير من الموانى بعضها فى السعودية والبعض الآخر فى مصر.. ويقابل مثل ذلك ما تم فى مصر من مشروعات عملاقة مثل مشروع محور قناة السويس الذى سيجعل منطقة القناة مركزا عالميا للملاحة والخدمات اللوجستية، وأيضا إنشاء المدن الجديدة فى صحرائنا الشاسعة واستصلاح ملايين الأفدنة لنجعلها صالحة للزراعة ومشروعات أخرى قادمة مما يوفر فرصا استثمارية جذبت وستجذب الكثيرين من المستثمرين العرب والأجانب لنبدد وحشة الصحراء، ونعمّرها بعيدا عن وادى النيل الذى ضاق بأكثر من مائة مليون مواطن، وتتولى الأجيال القادمة استكمال تعميرها بمدن ومشاريع جديدة، ويساعد على ذلك مناخ الاستقرار الحالى الذى يكتمل بإذن الله بالقضاء على بعض الفلول الإرهابية الأخيرة.
وما يلفت النظر فى بدء مشروع نيوم السعودى ـ الأردنى ـ المصرى، والمشروعات التى قامت وتقوم بها مصر هو اختلاف الفكر عن ذى قبل، حيث يتم التخطيط لعام 2030 برغم أننا مازلنا فى عام 2017 وتشجيع المستثمرين العرب والأجانب على استثمار أموالهم فى هذه الصروح الواعدة، وآمل أن تنضم باقى الدول العربية ليصبح تكتلا عربيا، ويبدو أننا نضع أقدامنا على أول الطريق الصحيح، ونقطة البداية لقيام وحدة عربية عصرية تختلف عن محاولات الوحدة الهشة السابقة التى كانت تتم بقرارات فوقية ولأهداف سياسية بحتة، خاصّة بعد وضوح الرؤية واستشعار عدد كبير من الدول العربية الخطر الداهم إذا لم تتوحد الأهداف الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية، وقد سبقت ذلك محاولات جادّة وزيارات عمل متبادلة بين مصر ودول الخليج ـ ماعدا قطرـ بالإضافة للأردن، كما تتواصل مصر مع كل الأطياف فى العراق وسوريا وليبيا واليمن وتعمل على المصالحة بين الفلسطينيين .. إن الاقتصاد يقوّى فرص الاتحاد الحميد عن التباعد البغيض .
د. مصطفى شرف الدين
رابط دائم: