◙ موظفو كشك بمصر الجديدة: الإقبال يتزايد ونشترى 50 كيلو يوميا
◙ صاحب كشك فى «ألف مسكن»: المشروع يحتاج مزيدا من التنظيم
◙ النائبة د.شيرين فراج صاحبة فكرة الأكشاك: الامتناع عن منح تراخيص جديدة مثير للدهشة
◙ من يحاسب الشركات الأجنبية على ما سببته للمواطن المصرى من تلوث بيئى جسيم ؟!
فى مبادرة بعنوان: «افصلها»، تم تأسيس ما سمى بـ«منافذ شراء المخلفات الصلبة من المواطنين» ولاقت الفكرة احتفاء إعلاميا، مع وعود حكومية بتعميم التجربة التى بدأت فى حى مصر الجديدة، بهدف الاستفادة من القمامة، والتخلص النهائى من انتشارها المؤذى فى الشوارع.على مدى الأشهر الستة الماضية، تم تأسيس 26 كشكا، كلها فى أحياء شرق القاهرة، وهى عين شمس ومدينه نصر والنزهة و جسر السويس، والمطرية و شبرا.
لكن ما تم الاعلان عنه مؤخرا بشأن إنشاء شركة قابضة للقمامة، يفرض تساؤلات بشأن مصير فكرة «الأكشاك»، بل وربما مصير «الشركة القابضة» ذاتها، فما الذى يضمن عدم ظهور فكرة أو مقترح جديد يلغى كالعادة- كل ما سبقه ؟!
جولة سريعة
«تحقيقات الأهرام» زارت اثنين من أكشاك القمامة، يمثلان نموذجين متباينين ، أحدها فى حى مصر الجديدة ، والثانى في«الألف مسكن»، بهدف رصد مدى نجاح التجربة بعد ستة أشهر. فى الثانية ظهرا، الهدوء يخيم على المكان ، توقفت إحدى السيارات، وخرج منها رجل سبعينى يحمل كيسا بلاستيكيا صغيرا به مجموعة من علب «الكانز» . دخل الكشك، مرحبا بموظفيه الذين اعتادوا حضوره من حين لآخر، وزنوا له الكمية فسجلت 200 جرام، ليحصل صاحبها على ثلاثة جنيهات. الرجل أوضح لنا أنه لا يتكبد عناء المشوار بهدف الحصول على تلك الجنيهات القليلة، وإنما لإيمانه بأهمية فصل المخلفات للاستفادة منها، وطالب بأن يتم تعميم التجربة حتى يعتاد المصريون على فصل قمامتهم لتسهيل الاستفادة منها واستثمارها، لكن ربما يجب توفير حافز قوى يدفعهم لفصل قمامتهم ، بينما كشف العاملون فى الكشك عن أنهم يجمعون الان ما يوازى 50 كجم من المخلفات فى اليوم ، بعد أن كانت 20كجم فى بداية الافتتاح ، وأشاروا إلى أن هناك من يأتى إليهم من مناطق بعيدة كالرحاب والعبور والشروق، بل أجانب أيضا ،لمجرد إيمانهم بالفكرة. يوم السبت من كل أسبوع هو يوم ضغط العمل بالنسبة لهم، وأكثر ما يرد اليهم عبوات المياه المعدنية، أما أكبر كمية حصلواعليها فكانت طنين من الكتب باعتها لهم إحدى المدارس فى الحي، وكانت قيمتها ثلاثة الاف جنيه. العاملون فى الحى لهم وظائف أخرى بعد انتهاء ساعات العمل الرسمية من التاسعة صباحا حتى الخامسة مساء، وهناك مسئول من حى مصر الجديدة يتابع عملهم، ويرسل لهم سيارة بشكل دوري، لتحمل ما يتجمع لديهم من كميات، لتوريدها لمصانع إعادة التدوير.
كشك عمره شهران
فى منطقة «الألف مسكن» كان المشهد على النقيض تماما.. زحام وفوضى مصدرهما الرئيسى موقف الميكروباصات المجاور، وغياب تام للنظافة فى الشوارع المحيطة. تتراص بالات المخلفات المفروزة أمام الكشك فى انتظار سيارة تنقلها لمصنع إعادة التدوير. استقبلنا بابتسامة مرحبة صاحب الكشك م/ مجدى عباس الذى يعمل فى الاصل فى مجال تدوير المخلفات ، وقام منذ شهرين فقط بالتعاقد مع حى النزهة لتأسيس هذا المنفذ ، كلفه 60 ألف جنيه، فضلا عن تشغيل موظف وعاملين، يدفع لهم أجورا شهرية. هو إذن نظام مختلف عن تجربة أكشاك مصر الجديدة.. مجدى أشار إلى أن الاقبال من المواطنين يتزايد مع الوقت ، وأن كثيرين يسألونه عن منافذ أقرب لمحل سكنهم، وهو ما يراه أمرا إيجابيا ، بعضهم يتنازل عن قيمتها المادية ، وهناك من يكونون بحاجة الى الجنيهات القليلة، من ناحية أخري، يرى مجدى أن الفكرة- بعيدا عن استغلال القمامة- تعد مشروعا اقتصاديا لمن يرغب فى فرصة عمل. خلال حديثنا حضر مجدى وهو عامل بسيط يحمل كيسا بلاستيكيا به مجموعة من علب الكانز، وعبوات بلاستيكية، اعتاد جمعها من الشارع المدهش كما يقول مجدى أنه على بعد 300 متر من الكشك، يوجد مقلب قمامة، لكنها لا تصلح لشيء. المشكلة الوحيدة التى تواجهه هى تأخر إرسال المصنع الذى يتعامل معه لسيارات نقل المخلفات، ويمتلئ الكشك عن آخره بـ«البالات» التى تمكث أسابيع حتى يتم نقلها. أكبر كمية حصل عليها مجدى هى 5كجم من الكانز، أما أكثر ما يرد إليه فهو أيضا عبوات المياه المعدنية، لكنه يرى أن المنظومة حتى تكتمل، لابد أن تشمل جميع المخلفات، بما فيها العضوية، كما يجب أن يتم فتح الباب لإنشاء مزيد من مصانع إعادة تدوير المخلفات بكل أنواعها، مشيرا إلى أننا لدينا ما يكفى من مصانع تدوير الورق.
الأرباح فى جيوب رجال الأعمال
جامعو القمامة كان موقفهم عنيفا إزاء تلك الأكشاك، باعتبار أنها تتعدى على مصدر رزقهم الوحيد،ومهنتهم التى لا يعرفون غيرها، بالاضافة الى أنها ستفتح الباب لظهور المزيد من «النباشين»، والذين بسببهم تتناثر القمامة فى كل مكان.
شحاتة المقدس -نقيب الزبالين- أكد أنهم بالفعل سيقومون خلال أيام برفع مذكرة لرئيس الوزراء لإغلاق تلك الاكشاك، وقال: «من يريد أن يتصدى لحل مشكلة القمامة فى مصر ،عليه أن يتحمل جميع المخلفات، لا أن ينتقى ما يدر عليه مكسبا، ويترك المخلفات العضوية التى تمثل المشكلة الحقيقية، خاصة وأنها تمثل نحو 60% من قمامة المصريين، ويتابع شحاتة: «وزارة البيئة أجرت دراسة قدرت تكلفة خدمة الجمع السكنى من كل وحدة سكنية بـ 50 جنيها فى الشهر، فى حين أن الزبال يحصل على 10 جنيهات من كل ساكن، وبالتالى فهو يعوض هذا الفرق بما يحصل عليه من مخلفات صلبة يقوم بفرزها وبيعها لمصانع إعادة التدوير، والمشكلة أن عائد بيع المخلفات فى تلك الاكشاك لا يصب فى الخزانة العامة للدولة أو لصندوق تحيا مصر، وإنما لصالح رجال أعمال». شحاتة كشف عن أن مناطق الزبالين لديها الان 800 الف رأس من الخنازير، ومن خلالها يتم التخلص من المخلفات العضوية، وأضاف:«هناك بادرة طيبة بعد الاجتماع الذى جمعنا بوزير البيئة أخيرا بشأن تفاصيل إنشاء الشركة القابضة، حيث تم التأكيد على دمج جامعى القمامة والمتعهدين كشريك أساسى فى المنظومة، فالحكومة تدرك جيدا أنه لا يمكن الاستغناء عنا ،وعندما أضربنا عن رفع القمامة فى مصر الجديدة بعد افتتاح الاكشاك، الحكومة شعرت بالمأزق وطالبتنا باستئناف عملنا، و سنضع كل إمكاناتنا لإنجاح المنظومة الجديدة».

النائبة د.شيرين فراج
«الكشك حلقة من المنظومة التى وضعتها».. هذا ما حرصت النائبة د.شيرين فراج- صاحبة فكرة منافذ شراء المخلفات من المواطنين- على تأكيده مرارا، خاصة مع الهجوم العنيف الذى لقيته من قبل جامعى القمامة. لكن الجديد الذى كشفت لنا عنه، هو توقف الأحياء عن منح تراخيص للراغبين فى عمل أكشاك جديدة، وهو ما أثار استياء المواطنين على حد قولها- ممن تواصلوا معها بغرض الاستفسار عن أسباب توقف المشروع.
د.شيرين أعربت عن دهشتها لتراجع محافظة القاهرة عن دعم الفكرة، رغم التحمس الشديد لها فى البداية، وقالت: كان من المقرر أن تشمل المرحلة الأولى إنشاء 300 كشك ،فى حين لم يتم عمل سوى 26 كشكا وهو رقم هزيل للغاية، حيث كان من المفترض أن يضم كل حى فى المتوسط خمسة أكشاك، و كنت حريصة من البداية على أن تكون هناك مواصفات واشتراطات موحدة تطبق على جميع المتقدمين، بمنتهى الشفافية دون محسوبيات أو وساطة.
النائبة أوضحت أن هدف فكرة أكشاك» افصلها» هى نشر ثقافة فصل القمامة من المنبع بين المواطنين، لسبب بسيط وهو أن القمامة دون فصل ، تتأثر جودة ما تحويه من مخلفات صلبة ، وأكدت :» كان الهدف دمج جامعى القمامة فى المنظومة، و لكن هناك من صور لجامعى القمامة أنه سيتم اقصاؤهم فهاجموا الفكرة بشدة، رغم أنهم أساس المنظومة، والمجال مفتوح أمام كل من يرغب فى دخوله ، فهو يتسع للكثير، لأن حجم المخلفات ضخم جدا وفى تزايد مستمر». تعود د. شيرين لشرح المنظومة التى اقترحتها فتقول:» كان تصورى أن يقوم جامعو القمامة بجمعها من العمارات السكنية، منها ما هو مفصول بالفعل، ومنها ما هو مختلط، فيحصل جامع القمامة على المفروز الجاهز ويستفيد منه، ولديه كذلك المختلط الذى يمكن أن يفرزه هو بنفسه، وقد يقوم بعض المواطنين ببيع ما قاموا بفصله فى منافذ شراء المخلفات الصلبة، وهو شق اقتصادى يعود بالنفع على المواطن و الدولة ، وبالتالى لم تكن تلك الاكشاك -كما روج البعض- هى الحل فقط لمشكلة القمامة بل هى حلقة من حلقاتها ، وتؤكد د.شيرين:» كنت حريصة على أن يحصل جامع القمامة على حقه العادل مقابل الجمع السكني، وهى خدمة مكلفة، ولا أعتقد أن أحدا منهم أضير من تلك المنافذ، لأن فى النهاية ما يصب بها لا يقارن بحجم القمامة التى سيجمعها هو ويستطيع الاستفادة منها بالكامل، وكان من المخطط أن يتم الاستفادة من المخلفات العضوية أيضا فى تصنيع الوقود الحيوى والسماد وغيرهما».
وتأسف النائبة لعدم استكمال المنظومة، وقالت:» لدى مجموعة من التساؤلات وقد طرحتها فى مجلس النواب ولم أتلق إجابة عنها وهي: لماذا تم إيقاف التعاقد مع الراغبين فى تأسيس أكشاك جديدة، وهل تم ذلك لصالح إنشاء» الشركة القابضة» وهو فى نظرى مشروع غير واضح بلا أى تفاصيل أو أليات او إجراءات ،وقد أعلنت عنه الحكومة قبل دراسته ، وتتابع:»سؤالى الثالث: عقود الشركات الاجنبية انتهت فى مارس الماضي، فهل تم التجديد لها؟، ومن سيحاسبها على إخلالها بشروط التعاقد، والذى نجم عنه تلوث بيئى جسيم للمواطن المصري؟ وتضيف فراج: «وزير التنمية المحلية أعلن أمام مجلس النواب فى إبريل الماضى أنه سينهى مشكلة القمامة خلال ثلاثة أشهر، ومرت الآن خمسة أشهر، ولذلك أستطيع أن أجزم الآن بعد كل ما صادفته خلال هذه التجربة أن الحكومة ليست عاجزة عن حل مشكلة القمامة، لكنها لا ترغب فعليا فى حلها، رغم أن الأمر بسيط وممكن تحقيقه خلال ستة أشهر فقط لا غير، ودون كل تلك المليارات التى أعلنت الحكومة عن ضرورة توفيرها لإنشاء الشركة».
رابط دائم: