رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

فهمى حسين وتشابك الذاكرة والمخيلة

> أسامة عرابي
أفاد الكاتب الكبير «محمد فهمى حسين» (1934_2004) فى مجموعاته القصصية الثلاث (أصل السبب- حكايات بسيطة وغريبة.. ما غريب إلا الشيطان- علاقة بسيطة) التى ضمَّها كتابه الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2016 باسم «أصل السبب..قصص وحكايات«.

من تجربته الثرية فى ميادين الصحافة والسياسة والقانون والسيناريو؛ فانحاز إلى نصٍّ يٌقدِّم فسحة جديدة للروح الإنسانية عبر مرآة الذات فى تشابكها الوجودى والحياتى مع مصائرها المعلقة، مُصغيًا إلى العوالم الداخلية، عبر مسارات دلالية ومرويات تكتنز بالأحلام والرغبات، فيعيد خلق الحياة وإدراكها الجمالى لعناصرها العادية، مُشتقًّا اللا مألوف من المألوف. من هنا أتت القصة القصيرة عنده اختبارًا لوجوده، وتوسيعًا لخياراته، ومحاولة لتحرير الفاعلية الإنسانية من كوابحها. فتحرَّرت قصصه من الصبغة الرومانسية ذات الأفكار العاطفية المتهافتة، ومن الإيقاعات الصوتية الرخيمة لنثر الكلاسيكيين، واهتمَّ بالواقع فى تطوره وثرائه وتحويله إلى خبرة جمالية تحتفى بقوى المجتمع الحيَّة، وتُعنى بالإبانة عن التناقضات، وتنوع وسائل التعبير، وتُولى القيمة الأدبية للعاميَّة، والمسئولية التاريخية والاجتماعية للفنان ما هى حَريَّة به من اعتبار. ولا شكَّ أن عمله فى مقتبل عمره فى جريدة «المصري» الوفدية قد أعانه على الانطلاق ورسوخ قدمه؛ بفضل ذيوعها وسعة انتشارها وما أتاحته له من فرص الانتشار والنشر جنبًا إلى جنب مع يوسف إدريس وشكرى عياد وصلاح حافظ وعبدالرحمن الشرقاوى وعبدالغفار مكاوى وسواهم. وتحمَّس له الفنان الشامل عبدالرحمن الخميسى المحرر الثقافى للجريدة، على نحوما تحمَّس له يوسف إدريس من بعدُ عندما كان مسئولًا عن القسم الأدبى بمجلة «روز اليوسف» عام 1953، ووقف إلى جانبه وجانب أبناء جيله عبدالله الطوخى وصالح مرسى وفاروق منيب وشوقى عبدالحكيم وعبدالفتاح رزق ومن إليهم، ودافع عنهم ضد المؤسستيْن الأدبيتيْن الرسميتيْن «مجمع اللغة العربية، والمجلس الأعلى للفنون والآداب» بسبب موقفهما المُحافِظ من العامية، وحرصهما على سلامة اللغة العربية بمنأى عن أى ضرورة فنية أودرامية. ولا ننسى المعركة التى دارت رحاها عقب صدور المجموعة القصصية الأولى لفهمى حسين «علاقة بسيطة» مع زميله محمد سالم، وما تعرَّضا له من اتهامات بسبب استخدامهما العاميَّة فى الحوار، ولم يُنقذهما إلَّا تدخل د.طه حسين ودفاعه عن حقهما فى التعبير، ناعتًا أسلوبهما بأنه «نوع من العامية الفصيحة«. وظلَّ فهمى حسين مخلصًا للغته التى صفَّاها من أى بلاغة شكلية أوبهرجة فارغة، وبقيَ منشغلًا بماذا يروي، وكيف يرى الواقع بالمتخيَّل؛ ليُنتج تضافر العيش والمحلوم به، تشابك الذاكرة والمُخيِّلة، الطفولة والحياة بتنوعاتها المعقدة والحوارية. ولعل هذا هوالدافع وراء إطلاق اسم «أصل السبب» على مجموعاته القصصية الثلاث؛ من أجل تحطيم الحواجز القائمة بين الإنسان وذاته، وإزاحة النقاب عن آلام الروح، واكتشاف المخبوء، واستنطاق اللاوعي،وتأكيد أن الحياة محكومة بجدل السلب بلغة الفلسفة، وأن العمل الأدبى يأتى ليُخبر عن جمالية الوجود عن طريق النفى لا عن طريق الإيجاب، أى يتحدث عن الموجود ليكشف عن الجانب الجميل الغائب، أويتحدث عن الجميل الغائب ليُخبر عن سلب الواقع المعيش. على نحوما طالعناه فى قصة «أصل السبب«، والعلاقة المأزومة بين عبدالفتاح وزوجته عواطف؛ نتيجة ما أصابه من ضعف جنسي. فأتى عنفه وضربه لها فعلًا تعويضيًّا. لكنها تحدته وتحملت ورفضت الصراخ؛ حتى لا تنطليَ حيلته على الناس؛ فيُحسنوا الظنَّ به ورجولته المُدَّعاة. ثم توصلا إلى تسوية مُرْضِية عبر اقتراح تقدَّمَ به عبدالفتاح وصادفَ القبول لدى لجنة المساعى الحميدة المؤلَّفة من الشيخ مرسى والشيخ حجاب وعلى أفندي، ومؤداه أن توفِّرَ له عواطف «أكلة لحمة كل جمعة، وتتركه لحاله، متفرغة لتربية الأولاد«. وفى الصباح يخرج رافع الرأس؛ لأن عواطف تُربى أولادها، ولأنه لا يعيبه أن يذهب إلى المغطس صباحية جمعة كل ليلة سوق! وبهذا نجح فهمى حسين فى الكشف عن ماهيَّة العلاقة المرتبكة بينهما، بما يُسعفه على فهم الذات وعلائقها المختلفة مع ما حولها، ونقل حقائق الحياة الصغيرة والشخصيات العادية بكل بساطة ودقة وإيجاز، وما يكمن خلف سلوكهم وجوانب حياتهم العارضة، من قلق روحي، وتمزُّق داخلي، ومحتوى اجتماعي.

وغدا فى الخامسة مساء تعقد ندوة عن الكتاب فى مركز الكتاب الدولى التابع لهيئة التاب، خلف دار القضاء العالى.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق