رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بوتين فى سجال ساخر مع وزير خارجية يلتسين

> رسالة موسكو ــ د. سامى عمارة
الرئيس فلاديمير بوتين دائما ما يبدو على سجيته في لقاءاته مع ضيوفه ممن يختارهم فريقه للمشاركة فيما يعدونه من فعاليات ومنتديات دورية،

يتخذها «منصة» لحديثه إليهم وإلى مواطنيه ومشاهديه وسامعيه فيما وراء الحدود حول أهم قضايا المنطقة والعالم. من هذا المنظور جاء لقاء بوتين هذا العام مع ضيوف منتدى «فالداى» الذى كان وراء فكرة تأسيسه مع نهاية ولايته الأولى فى عام 2004 ، واختار له ضفاف بحيرة «فالداى» شمال غربى روسيا موقعا لدورته الأولى، وإسما «دائما» لدوراته اللاحقة منذ ذلك الحين، ومنها دورته الأخيرة على ضفاف البحر الأسود فى منتجع «سوتشى».

لم يخرج الرئيس الروسى عن عادته هذا العام، حين اختار أندريه كوزيريف أول وزير خارجية للرئيس الأسبق بوريس يلتسين هدفا لسخريته وانتقاداته لما شهدته تسعينيات القرن الماضى من تجاوزات وقصور وتفريط فى مصالح الوطن. ولمن لا يعرف، نشير إلى أن كوزيريف الذى جاء إلى منصب وزير خارجية روسيا الإتحادية فى عام 1990 أى قبل انهيار الإتحاد السوفيتى بأشهر معدودات وظل فى هذا المنصب حتى مطلع 1996، طالما عرفته روسيا والعالم تحت اسم «مستر دا» ، أى «السيد نعم»، فى إشارة مباشرة إلى مواقفه المؤيدة لما يطرحه الغرب من أفكار وأطروحات تأتى دوما على النقيض من مصالح الدولة الروسية ، تمييزا له عن عميد الدبلوماسية السوفيتية الأشهر أندريه جروميكو الذى سبق وأطلق عليه العالم اسم «مستر نيت» أو «السيد لا»، تأكيدا على رفضه الدائم لكل ما كانت الدوائر الدبلوماسية الغربية والعالمية تطرحه من أفكار ومقترحات. ونضيف إلى ذلك ما اعترفت به الدوائر الرسمية الروسية فى مطلع سنوات حكم يلتسين، من حقائق يقول بعضها إن الرئيس الأمريكى الأسبق جورج بوش الأب يطلب من يلتسين فى معرض مداولاته لاختيار أعضاء حكومته فى مطلع تسعينيات القرن الماضى الإبقاء على كوزيريف وزيرا لخارجيته، ما يقف على طرفى نقيض مع كل القواعد والأصول الدبلوماسية العالمية، فضلا عن دوره الشهير فى صياغة معاهدات «بيلوفجسكويه بوشا» التى وقعها يلتسين مع نظيريه الأوكرانى ليونيد كوتشما والبيلاروسى فياتشيسلاف شوكيفيتش في ديسمبر 1991 وكانت النهاية العملية للإتحاد السوفيتى السابق. وبهذا الصدد نشير كذلك إلى أن كوزيريف كان تولى مهمة الترجمة لدى حديث يلتسين مع جورج بوش الأب، الذى اختاره الرئيس الروسى ونظيراه الأوكرانى والبلاروسى ليكون أول من يبلغونه بقرار إنهاء وجود الإتحاد السوفيتى، وقبل أن يعلم به الرئيس ميخائيل جورباتشوف.

إزاء مثل هذا «التاريخ» الحافل بالكثير من القرائن والحكايات التى تَصِم وزير خارجية روسيا الإتحادية بافتقاد «الحس الوطنى» والقدرة على حماية «مصالح الوطن»، كان من الطبيعي أن تتناقل العامة والخاصة ما قاله كوزيريف لدى حديثه مع الرئيس الأمريكى الأسبق ريتشارد نيكسون حول «عدم وجود مصالح وطنية لروسيا»، وأن اقصى ما تطمح بلاده إليه يقتصر على «المصالح الإنسانية العامة». ومن هنا كان السؤال الذى توجه به البروفيسور رين موليرسون الأستاذ فى جامعة تالين فى استونيا وأحد الضيوف الدائمين لمنتدى «فالداى» إلى الرئيس بوتين، عن رأيه فيما يقال بهذا الصدد، مختتما حديثه باشارته إلى أن الرئيس نيكسون اكتفى آنذاك «بهز رأسه»، دهشة واستغراباً.

ومن هنا كانت سخرية الرئيس بوتين التى أوجزها فى قوله «ان ذلك يعنى أن نيكسون يمتلك رأسا». وفيما أغرق الحاضرون فى الضحك ، استطرد بوتين ليقول:» أما السيد كوزيريف فكان وللأسف، يملك جمجمة أشبه بالعلبة، بدلا من الرأس». وفيما راحت الملايين من أبناء روسيا ومتابعي شئونها فى الخارج يستذكرون ما اتخذه يلتسين وأعضاء فريقه من قرارات ترقى فى بعض جوانبها حد «الخيانة العظمى»، انتفض كوزيريف من مقر إقامته فى ربوع الولايات المتحدة، التى انتقل إليها بعد سنوات من العمل وكيلا للعديد من شركاتها للأدوية فى روسيا، فى محاولة للرد على الإهانة بمثيلاتها.

استهل كوزيريف تعليقه الذى تناقلته الوكالات والمواقع الالكترونية، بقوله إنه كان يقصد فى حديثه مع نيكسون أن لروسيا ثقافتها وتاريخها الإنسانى العميق المحتوى، ومن ثم فان مصالحها الوطنية تأتى فى وفاق مع المصالح الإنسانية.وانتقل كوزيريف إلى انتقاد بوتين من خلال اشارته إلى حرب روسيا مع «الشقيقة أوكرانيا»، بدلا من الوفاق معها ومع بلدان الكومنولث كما فعل يلتسين، فضلا عن قوله إن روسيا فى عهد يلتسين كانت فى وفاق مع الغرب والولايات المتحدة، وليست تحت سطوة عقوبات وحصار هذه البلدان. ولم يكتف كوزيريف بذلك ليتحول إلى الرد المباشر على إهانته، بتأكيده على «ان مصالح روسيا صارت فى غير وفاق مع مصالح النظام الذى تحولت جماجم رؤسائه فى اتجاه الماضى .. صوب «كى جى بى» ، (لجنة أمن الدولة إبان سنوات الإتحاد السوفيتى السابق) .

ويبقي أن نقول إن الرئيس الأسبق بوريس يلتسين وفى إطار محاولاته لاستعادة ثقة الشارع الروسى والاستعداد لخوض الانتخابات الرئاسية لفترة ولاية ثانية، إضطر إلى إقالة أندريه كوزيريف من منصبه فى يناير 1996 ، بعد أن استقر خياره على يفجيني بريماكوف أحد أهم الرموز الوطنية ، بديلا له وهو ما أضاف إليه الكثير من أصوات معارضيه، وما أسفر عمليا عن بداية مرحلة إعادة بناء وزارة الخارجية الروسية، وبداية التحولات فى علاقات روسيا مع الولايات المتحدة والناتو فى إتجاه تحقيق التوازن، وما كان المقدمة الطبيعية لتنحى الرئيس بوريس يلتسين وبزوغ نجم فلاديمير بوتين مع نهاية القرن العشرين.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق