تعود بنا هذه الحكاية الى تاريخ بعيد عمره الآن مائة وخمسة وثلاثين عاما منذ صدر قرار نفى الزعيم أحمد عرابى بعد محاكمة سريعة فى 25 من سبتمبر 1882 لتغادر السفينة التى تحمله هو ورفاقه العرابيين من ميناء السويس يوم 28 سبتمبر إلى منفاهم فى جزيرة سرنديب (سيلان الآن)
وكان من بين رفاقه من العرابيين محمود سامى البارودى الذى عرف برب السيف والقلم وكان رئيسا لوزراء مصر خلال الأزمة ثم بعض القادة العسكريين من القائمقامات والأميرالايات وبعض باقى الرتب العسكرية ومنهم محمد عبدالعال حلمى وعلى فهمى وطلبة عصمت ويعقوب سامى ومحمود فهمي.
فى المنفى قضى عرابى ورفاقه عشرين عاما حتى صدر قرار العفو عنهم ممن أصدر قرار اعتقالهم ونفيهم اللورد كرومر القنصل العام الإنجليزى فى مصر والمندوب السامى البريطانى أو المعتمد البريطانى كما عرفته العامة فى مصر فغنت ضده أغنيتها التى عاشت زمنا طويلا وفيها يقولون بعد صدور قرار النفي:
يا كرومر ياوش النملة
مين قال لك تعمل دى العملة..
عشرون عاما قضاها عرابى ورفاقه فى جزيرة سيلان أحبه خلالها شعب الجزيرة حتى أن عددا كبيرا منهم أسلم على يديه وتعلم منه الصلاة والصوم وتعلمت نساؤهم عمل كعك العيد والبسكويت.. حتى الكنافة، وعلمهم كيف يحتفلون بليلة النصف من شعبان والمولد النبوى وليلة القدر بل إنه تزوج من نسائهم وأنجب أربع أبناء من الذكور وأربعة بنات وشيد له أهل الجزيرة مسجداً ومقاماً باسمه مازال باقياً إلى الآن، وكيف لا وقد كان هو المفتى فى حياتهم وشئون معيشتهم وأمور دينهم!!
وفى سيلان التقى أحمد عرابى باشا ورفاقه الكبار بالسير توماس جونستون ليبتون وهو اسكتلندى من أصل أيرلندى يملك مزارع للشاى استضافهم وسقاهم من مزارعه مشروب الشاى لأول مرة فاستساغوه وأعجبهم وقال إنهم هنا فى سيلان يشربونه بالتوابل عادة لكن من الممكن أيضا شربه محلى بالسكر.
لم يستسغ العرابيون شرب الشاى فى البداية حتى أصبح مع الوقت مشروبهم الأول فى المنفى فأرسل عرابى باشا بعض هدايا من الشاى إلى شقيقه فى هرية رزنة وإلى بعض أصدقائه وأهله فى مصر ليجربوه وسألهم إن أعجبهم أن يخبروه ليرسل إليهم منه المزيد.
ومع بدايات القرن العشرين زاد إقبال المصريين على المشروب الجديد الذى أرسله إليهم الباشا أحمد عرابى من سرنديب حتى أصبح عام 1905 المشروب الأول فى مصر بعد أن تراجع مشروب القهوة بسبب ارتفاع سعر البن..
كذلك فقد أرسل أحمد عرابى إلى شقيقه أنواعا من ثمار المانجو التى عرفها فى جزيرة سيلان وأعجبته وأرسل معها يشرح له طريقة زراعتها.. وفى يوم 28 سبتمبر سنة 1901 صدر قرار العفو عن أحمد عرابى وزملائه أصدره اللورد كرومر المعتمد البريطانى فى مصر ليعود عرابى إلى أرض مصر بعد عشرين عاما قضاها فى المنفي.. وفى السويس عندما جاءت الأخبار أن الباخرة التى تحمل أحمد عرابى ورفاقه وأبنائه الذكور قد وصلت إلى الميناء حدثت أكبر مفاجأة فى حياة عرابى ليس هنا مكان روايتها وربما قلتها فى مقال آخر..
رابط دائم: