أكتب إليك عن ابنتى الصيدلانية التى تعمل فى شركة كبرى, فنحن أسرة محافظة، ولى ابن مهندس، ويعمل زوجى فى وظيفة مرموقة,
وذات يوم جاءنى ابني, وقال لى إن صديقه يطلب ابنتنا للزواج من أخيه الصيدلى الذى يعمل فى دولة خليجية, وجلسنا نتشاور فى الأمر, ودرسنا الموضوع من جوانبه الظاهرية التى نعرفها, فلم نجد عليه ملاحظات تذكر, وبقى أن يتعارف الاثنان على بعضهما, وأبدت ابنتى موافقتها عليه من خلال الكلام الذى تردد أمامها, وبدأت فى الحديث معه عن طريق الكاميرا والانترنت, وأوحى لنا حديثه وكلامه أنه شاب طموح ومناسب. ومرت خمسة أشهر كاملة على هذه الحال حتى جاء إلى القاهرة وهنا تكشفت لنا شخصية مختلفة تماما, فلقد فوجئنا بأنه شخص متسلط وغير طبيعي, وأنه يتصرف بشخصيتين, فالظاهر عنده عكس الباطن ـ ومنذ اليوم الأول لتعامل ابنتى معه أصيبت بانهيار عصبي, وحاولنا إقناعها بأن اختلاف الطباع أمر عادى خصوصا فى بداية التعارف، وأنها شيئا فشيئا سوف تتعود عليه.. هكذا كنا نعتقد ولكن تبين لنا أننا مخطئون تماما. هل تتصور أن كل ملاحظاته تركزت على ملابسها وطريقة مكياجها مع أن ابنتى ملتزمة دون تزمت, ثم قال لها كلاما غريبا اندهشنا له عندما علمنا به مثل «مش عايز ألاقى فى جسمك خدش.. عايزك تكونى رمزا للأنوثة», وقد عزمناه على الغداء ذات يوم، وما أن دخل البيت حتى صاح فى ابنتى طالبا منها إعداد الطعام فى سبع دقائق! وتجوّل فى الشقة ووجد مكتبة مقامة بطول الحائط فى أحد المداخل، فأبدى امتعاضه وأشار إليها بقرف! وتعددت ملاحظاته على أشياء لا تخصه! وزاد فى مطالبه بضرورة أن تقدم له خطيبته كشف حساب منذ الصباح الباكر وحتى لحظة النوم. ولما زادت تصرفاته الغريبة عن الحد، فاتحت أمه فى أمره فقالت لى إن ابنها «نمكي» وراحت تعدد أوصافه الجميلة، وكيف أنه ناجح فى عمله وطموح، واشتدت بى الحيرة فماذا يغنى النجاح فى العمل عن الفشل فى تكوين أسرة مستقرة؟ وعرضت الأمر على أحد الأطباء النفسيين والمعارف والأصدقاء, وتبينت لنا الحقيقة المرة، وهى أنه مصاب بالنرجسية من الدرجة العالية، وهو مرض لا يرجى شفاؤه وأنه لا يستطيع الاستمرار فى علاقة مستقرة مع الجنس الآخر، بل ويحاول دائما تحقيرها, وعرفنا أن أهله يعلمون حقيقة مرضه, لكنهم استخدموا ابنتى حقل تجارب، وظهرت لنا معلومات جديدة عنه عرفناها من زميلة كانت تعمل معه.
حقا ياسيدي, ضاعت القيم النبيلة, وكنا نظن أن ما نسمعه عن انحدار الأخلاق, كلام مرسل، وليس حقيقة واقعة, فلقد فشلت فى أن أجد تفسيرا لما فعلته أسرة هذا الشاب معنا, فكل همهم هو علاج ابنهم ولو بشكل مؤقت على حساب ابنتنا البريئة التى تخشى ربها، وقالت لى أنها لن توافق على أى شخص مادامت مرتبطة بمن وافقنا عليه, وذكرتنى بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه, ولا يبيع على بيعه، وبالفعل رفضت طبيبا ومهندسا تقدما إليها واحدا تلو الآخر فى ذروة الفترة التى انكشفت فيها حقيقة خطيبها.
لقد ساءت حالة ابنتى وانزوت فى حجرتها بالمنزل، ولا تريد أن تتكلم مع أحد، ولا أدرى كيف انتشلها من براثن الحزن, وأعيدها إلى سابق عهدها ضحوكة بشوشة مقبلة على الحياة كما كانت دائما؟!
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
ما حدث لابنتك وما يحدث للأخريات من مثيلاتها بالطريقة نفسها سببه غياب «الرجل اللائق» الذى يزن كل شيء بما يستحقه، ويكون صادقا فى أقواله وأفعاله فتستتب به الأمور. والرجل اللائق الذى أقصده هنا ـ هو الأخ والأب والعريس ـ الأخ الذى لم يكن أمينا حين قدم عرضه لتزويج أخيه من ابنتك برغم أنه مصاب بمرض نفسى سوف يلازمه مدى حياته وفقا لما قاله الطبيب لك، والأب الغائب عن الساحة، والذى آثر الانسحاب من الموضوع حتى لا يضطر إلى الكذب عليكم، والعريس الذى اتضح أنه ليس متسقا مع نفسه ومع الآخرين ويتصرف بشخصيتين مختلفتين جاهلا, بسبب مرضه, أنه لابد أن يربطه مع شريكة حياته خط واضح لا لبس فيه ولا غموض, ويكون كتابا مفتوحا لمن سيرتبط بها, كما يجب أن تكون هى له كذلك.
وحسنا أنكم عرفتم موضع خطوتكم الأخيرة فى مشوار الزواج من هذا العريس فتوقفتم قبلها, وهذه هى قمة العقل, وعليك أن تكملى مشوارك مع ابنتك فتقفى إلى جوارها فى الأزمة النفسية التى تمر بها, وتخرجيها من الصومعة التى حبست نفسها فيها, فهى لم تخسر شيئا, وإنما كسبت الكثير من الدروس، ومنها أنها عرفت كيف تتعامل مع مفاجآت الحياة لا أن تتجمد أمامها.
أقول لك هذا, لكننى أتوقف عند الطريقة التى تعاملت بها معكم أسرة هذا الشاب, وبالذات شقيقه الذى شرح لكم الجانب العلمى فيه وكيف أنه شاب ناجح فى عمله, ولم يتناول الجانب الشخصى لديه, ثم واصلت أمه الكلام نفسه على غير الحقيقة، وهى جريمة فى حق ابنتكم كان يجب ألا يقعوا فيها فقد يشربون من الكأس نفسها حين تقع ابنتهم فريسة لشخص يعانى المرض نفسه فكما تدين تدان.
وربما لو قالوا لكم الحقيقة لوقفتم إلى جواره وساعدتموه على تخطى هذا المرض بالاستعانة بالأطباء, والتركيز على الجوانب الايجابية فيه, وتحاشى النواحى السلبية التى تؤثر عليه, لكنهم أخفوا عنكم ظروفه المرضية, ومثل هؤلاء لا يستحقون أن تواصلوا معهم هذا المشوار، فالحياة لا يبنيها الكذب, وإنما تبينها الصراحة والوضوح فى كل خطوة من خطواتها. وعليك أن تعلمى أن الايمان يساعد المرء على التخلص من القلق, وإنى أرى ابنتك فى تمسكها بدينها قادرة على تجاوز ما ألم بها من متاعب نفسية بسبب هذه الخطبة الفاشلة، وأقول لها: إياك واليأس فالشجاع هو الذى يخلق الأمل من اليأس، ولذلك يجب أن تطوى هذه الصفحة من حياتك تماما, وأن يكون لك هدف تسعين إليه وتواصلين به تألقك من جديد. أما أنت ياسيدتى فلا تكررى على مسامع ابنتك هذه القصة مرة أخرى حتى لا تتجدد أحزانها, ولا تجعلى هذا الشاب مثار حديث بينكم من الآن, وأرجو أن تلزمى السكوت ففيه السلامة, وان تتجنبى الكلام الذى ينعكس سلبا على ابنتك ولا تكون له عاقبة إلا الندامة, فمازال أمامها مستقبل باهر سوف تبنيه مع من يستحقها, ويكون لائقا لها, ويؤازرها ويعيشان معا فى سعادة واستقرار بإذن الله.
رابط دائم: