زعم البعض أن العرب والمسلمين أخذوا نظرية العقد الاجتماعى عن أعلام الفكر الديمقراطى الحديث خاصة جون لوك وجان جاك روسو، والذين افترضوا أن تاريخ الإنسان مر بمرحلتين المرحلة الأولى هي: الفطرة أو الطبيعة، السابقة على نشأة الدولة،
حيث يرى البعض أنها كانت حالة من الوحشية وانعدام الزواجر الأخلاقية، ويصورها البعض الآخر على أساس أنها كانت حالة من عدم الاطمئنان. والمرحلة الثانية: مرحلة المجتمع المنظم الذى ينشأ نتيجة التراضى بين أفراده وتكون السلطة السياسية فيه وليدة التعاقد، وبالتالى تصبح على الأفراد واجبات للمجتمع ولهم حقوق قبله، ومن الناحية التاريخية والواقعية فإن نظرية العقد الاجتماعى من إبداع الإسلام ونص عليها القرآن الحكيم فى قوله تعالى مخاطبا رسوله الكريم: «إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله»، فالبيعة هنا عقد وكالة بين الأمة وحاكمها المنتخب من أفرادها والمسئول عنها، وهو عقد مؤقت مشروط خاضع لرقابة الأصيل (الشعب) إن شاء أبقى الوكيل مادام ملتزما بشروط العقد، وإن شاء عزله إذا جانب شروط البيعة وعقد الوكالة، وفى هذا الصدد يقول الدكتور طه حسين فى كتابه «الفتنة الكبري»: إن أمر الخلافة قام على «البيعة» فأصبحت الخلافة عقدا بين الحاكم والمحكومين يعطى الخلفاء من أنفسهم أن يسوسوا المسلمين بالحق والعدل وأن يرعوا مصالحهم وأن يسيروا فيهم سيرة النبى ماوسعهم ذلك، ويعطى المسلمين من أنفسهم العهد أن يسمعوا ويطيعوا وأن ينصحوا ويعينوا، وقد وجهت الى نظريات التعاقد الاجتماعى فى الفكر الغربى سهام النقد، حيث وصفها البعض بأنها نظريات خيالية لاتستند الى حقيقة تاريخية بل وصفها «روسو» بعدم الواقعية «إذ لم يتكون المجتمع فى أى وقت من الأوقات على أى أساس من عقد».
ورغم كل ذلك، لايسعنا إلا أن نقرر الأثر الكبير الذى تركته نظريات التعاقد فى التفكير السياسى بالغرب، خاصة، إنجلترا والولايات المتحدة وفرنسا، وإذ كان لها هناك شأن كبير فى الثورات التى قامت فى هذه البلاد، وفى تطور النظم الديمقراطية فيها، أما عند مفكرى الإسلام، خاصة الماوردي، رائد الفكر السياسى المنهجى فى الإسلام، فإن العقد الاجتماعى «عقد الإمامة»، هو عقد حقيقى شهد تطبيقا حقيقيا فى عصر الخلفاء الراشدين، وهو تجربة الأمة فى خلال العقد الذهبى للإسلام، وهو عقد مستوف جميع الشروط القانونية، ومبنى على الرضا، وأن الغاية منه أن يكون هو المصدر الذى يستمر منه الحاكم سلطته، وبهذا يرفض الإسلام الحكومة الدينية (الثيوقراطية) التى يحكمها الكهنة أو رجال الدين، إذ لم يألف الإسلام حكم رجال الدين، فلاسيادة إذن فى النظام «السياسى الإسلامي» إنما مصدر السيادة هو الأمة أو الشعب، فالسيادة الشعبية فى الإسلام حق إلهي، وقد ذهب البعض إلى أن العقد الاجتماعى الذى وضعه جان جاك روسو ماهو إلا نقل وإخراج جديد لفكر «البيعة فى الإسلام».
والخلاصة أن نظرية العقد الاجتماعى التى تبين أساس السيادة فى الدولة ومشروعيتها عرفت وطبقت فى الدولة الإسلامية قبل أن تظهر فى أوروبا بقرون عديدة.
د. صلاح بسيونى رسلان
الأستاذ بكلية الآداب ـ جامعة القاهرة
رابط دائم: