رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

إشكالات دستورية وقانونية

ياسمين أسامة فرج
«استفتاء غير دستوري» .. جملة أثارت الكثير من الجدل والتساؤلات حول مدى نجاح أو فشل العديد من استفتاءات الانفصال في العالم، فما بين حكومة مركزية ترفض الاستفتاء على استقلال جزء من أراضيها باعتباره "غير قانوني" وانفصاليين يرفعون شعار "الديمقراطية" وحق تقرير المصير لتبرير نزعاتهم الانفصالية ، تقع أزمات دستورية كبرى تضع الانفصال أمام مصير مجهول.

من أبرز تلك الأزمات ما تشهده إسبانيا حاليا من معضلة استفتاء إقليم كاتالونيا الذي حاولت حكومة مدريد منعه بالقوة باعتباره يخالف حكم المحكمة الدستورية التي قضت منتصف الشهر الماضي بوقف العمل بقانونين أقرهما برلمان كاتالونيا يحددان إطار عمل قانوني لدولة مستقلة ويقرران استفتاء الانفصال في الأول من أكتوبر الحالى.وأكدت المحكمة أن القانون يتعارض مع دستور ١٩٧٨ الذي ينص على وحدة أراضى إسبانيا، كما ينص على أن الاستفتاءات التي تحمل أهمية سياسية قصوى يجب أن يقرها مجلس النواب في مدريد، واستفتاء الشعب الإسباني كله، وليس جزءا منه فقط ولذلك يعد الاستفتاء غير دستوري، ورغم ذلك مضت سلطات كاتالونيا التي تتمتع بحكم ذاتي في إجراءات الاستفتاء حتى جرى التصويت بالفعل وسط أعمال عنف شديدة وجاءت النتيجة لصالح الاستقلال.


وأمام ذلك نجد عثرة أخرى في طريق اعتماد نتائج الاستفتاء، وهو تهديد مدريد بأنه يمكنها استخدام سلطتها الدستورية لوقف الحكم الذاتي في إقليم كاتالونيا إذا ما أعلن برلمان الإقليم الاستقلال.

وبموجب المادة ١٥٥ من الدستور الإسباني، يمكن للحكومة المركزية تعليق سلطة الحكم الذاتي في الإقليم الواقع في شمال شرق البلاد.

والحالة الضبابية نفسها تحدث مع استفتاء انفصال كردستان العراق، حيث يرى الأكراد أن الاستفتاء هو الخيار الديمقراطي لسماع صوت الشعب الكردي والانفصال "حق طبيعي" لهم بعد سنوات من سوء المعاملة التي تعرضوا لها على مر العقود، وفي المقابل ترفض بغداد الاعتراف بنتيجة الاستفتاء التي جاءت في صالح الانفصال، واتخذت السلطات العراقية إزاء ذلك كل الخطوات التصعيدية منها التهديد باستخدام القوة العسكرية وطالبت أربيل بتسليم المعابر الحدودية والمطارات ، كل ذلك بناء على يقين من الحكومة العراقية أنه وفقا لدستور العراق لعام ٢٠٠٥، تعتبر منطقة كردستان العراق كيانا اتحاديا ضمن العراق، وتؤكد المادة ١ من الدستور التي نصت صراحة على أن "جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق" على وحدة الدولة الاتحادية.

وبعيدا عن المسائل الدستورية والقانونية هناك عامل آخر يبدو أكثر أهمية في تحديد مصير استفتاءات الانفصال وهو موقف القوى العالمية الكبرى منه، وهنا يأتي الحديث عن ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين لدى بعض القوى الدولية التي تحدد موقفها من الاستفتاء في أغلب الأحيان وفقا لما تنطوي عليه مصالحها.

فعلى سبيل المثال يمكن أن يضرب بالقانون والدستور عرض الحائط عندما وقفت الولايات المتحدة والقوى الغربية بجانب الاستفتاء على انفصال جنوب السودان، وكأن ذلك التأييد الدولي صك اعتراف بضرورة الانفصال والتقسيم رغم كونه في نهاية المطاف شأنا داخليا يخص الدولة وحدها التي تهدد النزعات الانفصالية وحدتها وسيادتها.

وفي حالة استفتاء كردستان نجد مثلا أنه على الرغم من الموقف الأمريكي المعلن بالرفض القاطع للاستفتاء ونتائجه بحجة أن الانفصال في الوقت الحالي يمكن أن يؤثر على جهود التحالف الدولي في محاربة تنظيم داعش الإرهابي في المنطقة، جاءت صحيفة "نيويورك تايمز " الأمريكية بتقرير كشفت فيه زيف المزاعم الحكومية الأمريكية حيث أوضحت أن بول جى مانافورت المدير السابق لحملة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانتخابية هو أحد أكبر الداعمين لاستفتاء كردستان بل وأنه يعمل لحساب حلفاء لرئيس إقليم كردستان من أجل المساعدة في الترويج للاستفتاء وإجرائه.ووفقا للصحيفة الأمريكية التي نقلت عن مصادر مطلعة فإن حكومة كردستان دفعت الملايين لشركات ضغط أمريكية لها علاقة بأعضاء الحزبين الديمقراطي والجمهوري بما في ذلك أكثر من مليون ونصف دولار خلال الثلاث سنوات الأخيرة، كما عملت على الحصول على دعم وتأييد مراكز البحث الأمريكية لفكرة استقلال كردستان.

كل هذا يؤكد أن العديد من الأزمات الدستورية التي تخلقها استفتاءات الانفصال يمكن أن تتلاشى أمام لعبة المصالح الدولية التي تجعل من التقسيم والدمار "حرية وديمقراطية" بغير وجهة حق.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق