رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

المهندسون العسكريون.. مفاتيح بوابة العبور

> إسماعيل جمعة
إن العبور العظيم الذى تم يوم 6 أكتوبر عام 1973 والذى عبر به العرب من مذلة الهزيمة إلى قمة النصر كان فى مرحلته الأولى عملية مهندسين بحتة، ولولا فتح الثغرات فى الساتر الترابى على الضفة الشرقية وتركيب الكبارى الثقيلة والخفيفة لعبور المدرعات والمركبات، وإقامة كبارى الاقتحام لعبور المشاة، وتجهيز وتشغيل المعديات لنقل الدبابات والأسلحة الثقيلة، وتشغيل آلاف القوارب التى حملت عشرات الألوف من أفراد المشاة إلى الشاطىء الشرقى للقناة .

لولا كل هذه المهام التى قام بها المهندسون فى وقت واحد تقريبا وتحت سيل منهمر من نيران وقذائف وصواريخ العدو من البر والجو لما أمكن لملحمة العبور أن تتم.

ويقول المؤرخ العسكرى جمال حماد فى كتابه «المعارك الحربية على الجبهة المصرية»، الذى يتناول فيه بالتفصيل وقائع حرب أكتوبر 1973، إنه لم يكن ليتيسر إقتحام قناة السويس أصعب مانع مائى فى العالم خلال ساعات معدودة على مواجهة حوالى 160 كيلو مترا بقوة خمس فرق مشاة تتكون من حوالى 80 ألف جندى بكامل معداتهم وأسلحتهم ومركباتهم فى 12 موجة متتالية، مستخدمين المعابر والتجهيزات التى أعدها المهندسون لهم لعبور القناة، ولتعزيز مواقعهم على الشاطىء الشرقى لها فور وصولهم .



وكان الذين هيأوا للقوات المصرية فرصة إحراز ذلك النصر العظيم هم ضباط وجنود 35 كتيبة مهندسين من مختلف التخصصات قاموا بعمل خارق كان أشبه بالمعجزات، وقد ثبت أن موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلى خلال حرب أكتوبر، فى إحدى المناقشات التى دارت فى رئاسة الأركان الإسرائيلية حول احتمالات عبور المصريين للقناة قال فى صلف وغرور : «لكى يعبر المصريون قناة السويس، فإنه يلزمهم سلاح المهندسين الأمريكى وسلاح المهندسين السوفيتى مجتمعين لمساعدتهم فى ذلك» كما ذكر اللواء جمال على مدير سلاح المهندسين خلال حرب أكتوبر، أن كبير الخبراء السوفيت قال له ذات مرة قبل رحيل الخبراء السوفيت عن مصر – وهما يتطلعان معا إلى الساتر الترابى الهائل الحجم على الشاطىء الشرقى للقناة : «إنكم تحتاجون إلى قنبلة ذرية لفتح ثغرة فى هذا الساتر» ولكن العقل المصرى وما يتميز به من القدرة على الابتكار والإبداع أمكن له القيام بجميع التحضيرات والإنجازات المطلوبة والتغلب على جميع المصاعب والمشكلات، وتم للقوات البرية المصرية اقتحام القناة دون الحاجة لا إلى تفجير قنبلة ذرية ولا للاستعانة بسلاح المهندسين الأمريكى أو السوفيتى .

وقد قام اللواء جمال على مدير سلاح المهندسين وأفراد سلاحه بالعمل على حل هذه المشكلات إلى أن تم لهم بالشجاعة والمثابرة والصبر التغلب عليها جميعا وقد ظل المهندسون العسكريون المصريون أكثر من خمس سنوات يبذلون جهودهم الجبارة ومحاولاتهم المتواصلة لإيجاد الحلول السليمة لمشكلات العبور الصعبة، وقبل حلول 6 أكتوبر 1973 كانت جميع المشكلات قد حلت، وجميع المصاعب قد ذللت وكانت أهم هذه المشكلات وأعقدها ما يلى :



أولا :فتح الثغرات فى الساتر الترابى: كان من واجب المهندسين الاهتداء إلى أسلوب عملى لفتح الثغرات فى الساتر الترابى الهائل الذى يمتد على طول الشاطىء الشرقى للقناة حتى يمكن عند بدء العبور إقامة وتشغيل الكبارى والمعديات، وحتى تجد مركبات القتال من دبابات وعربات وجرارات ثقيلة للمدفعية والصواريخ ميولا رأسية تستطيع استخدامها لاجتياز الساتر الترابى. وقد تم إعداد وتجهيز جزء من فرع دمياط بالقرب من القناطر الخيرية ليماثل قناة السويس تماماً من حيث المواصفات وبنفس ارتفاع الساتر الترابى على الضفة الشرقية للقناة، وقد أجريت من أجل التوصل إلى الحل المطلوب مئات التجارب، واستحدثت شتى الوسائل والأساليب التى كان من ضمنها : النسف بالمفرقعات، واستعمال البلدوزرات، والقصف بالطيران، والرمى بالمدفعية والصواريخ، إلا أن كل هذه التجارب فشلت فى تحقيق النتائج المطلوبة. وكانت مجموعة من الضباط والمهندسين برئاسة مدير السلاح قد انهمكت فى البحث عن وسيلة عملية أخرى لحل هذه المشكلة المستعصية التى كانت تهدد عملية اقتحام قناة السويس بالتوقف التام .


وفى ينيو 1971 تقدم مدير السلاح باقتراح جديد للقيادة وهو استخدام طريقة التجريف بالمياة بواسطة الطلمبات لفتح الثغرات فى الساتر الترابى، وكانت الفكرة سهلة وبسيطة، ولقد سبق لبعض المهندسين العسكريين مشاهدتها أثناء عملهم فى مشروع السد العالى بأسوان، إذ تمكن المهندسون السوفيت بهذه الوسيلة من إزاحة جبل رملى من متخلفات الحفر كان حجمه يبلغ حوالى 5 ملايين متر مكعب من مكانه إلى مكان آخر يبعد عنه نحو خمسة كيلو مترات، ووفروا بذلك الكثير من الجهد والمال والوقت.

ولكن الطلمبات السوفيتية لم تكن تصلح للاستخدام فى مسرح العمليات بالقناة لضخامة حجمها وثقل وزنها وتعذر نقلها إلى الشاطىء الآخر، لذا نبتت فكرة استخدام طلمبات مياه خفيفة الوزن قوية الدفع لتغذية مدافع المياة خلال الخراطيم المتصلة بها، وهو نظام مماثل لنظام إطفاء الحرائق .

وقام المهندسون بعمل تجربة لاخييار الأسلوب الجديد الذى اقترحوه، واستخدموا فيه ثلاث مضخات مياة صغيرة إنجليزية الصنع، وكللت التجربة بالنجاح، وكان واضحا أنه كلما زاد ضغط المياة زاد تهايل الرمال وبالتالى سرعة فتح الثغرة، وبعد عدة تجارب اتضح أن كل متر مكعب من المياه يزيح مترا مكعبا من الرمال، وأن العدد المثالى لكل ثغرة هو خمس مضخات. وبناء على ذلك تقرر منذ منتصف عام 1971 أن يكون أسلوب المهندسين فى فتح الثغرات فى الساتر الترابى هو أسلوب التجريف «ضغط المياه» . وتقرر على أثر ذلك شراء 300 مضخة مياة إنجليزية الصنع حيث وصلت خلال عامى 1971 و1972 . وفى أوائل عام 1972 تقرر شراء 150 مضخة أخرى ألمانية الصنع من شركة دوبتس الألمانية بجوار مدينة كولون بألمانيا الغربية نظرأً لأنها أكثر قوة من المضخة الإنجليزية . وبتخصيص ثلاث مضخات إنجليزية ومضختين ألمانيتين لكل ثغرة ، ثبت أنه من الممكن إزاحة 15 الف متر مكعب خلال ساعتين من خلال عدد بسيط من الأفراد يتراوح ما بين 10 -15 فردا فقط.



وكان ذلك يعتبر حلا عمليا وسهلا، وتم عن طريقه تلافى جميع عيوب الطرق السابقة، ومما يثير الدهشة أنه رغم إجراء عشرات التجارب على أسلوب فى فتح الثغرات الساتر الترابى بطريقة التجريف، فإن الإسرائيليين لم يفطنوا إلى أن المهندسين المصريين قد توصلوا إلى هذا الأسلوب الجديد فى فتح الثغرات، وفوجئوا به مفاجأة تامة يوم 6 أكتوبر 1973 . وكان نظام التشغيل يقضى بوضع الطلمبات فى قوارب يستقلها أطقم من المهندسين لترافق قوارب المشاة فى الموجات الأولى من الأقتحام ، وعند الوصول إلى الشاطىء يمد جنود المهندسين مصاطب بسيطة لوضع مدافع المياه عليها، وعن طريق تشغيل الطلمبات تندفع المياة بقوة هائلة للبدء فى عمل الفتحات. وكانت ترافق قوارب الطلمبات قوارب خاصة لحمل الوقود اللازم لتشغيلها، وكانت تقف بجوارها لسرعة إمدادها بالوقود عن طريق خراطيم خاصة لهذا الغرض

ثانيا: إنشاء المعديات والكبارى.. لم يكن لدى سلاح المهندسين عقب حرب يونيو 1967 سوى عدد محدود من الكبارى السوفيتية الصنع، وهى الكبارى الثقيلة من طراز TPP( لعبور الدبابات وجرارات المدافع والصواريخ) والكبارى الخفيفة LPP(لعبور المركبات الخفيفة الحركة) . وكانت هذه الكبارى بنوعيها من الطراز القديم الذى سبق استخدامه فى الحرب العالمية الثانية والتى يستغرق تركيبها ما لا يقل عن خمس ساعات، ولم يحاول السوفيت إمداد سلاح المهندسين بالكبارى البرمائية الحديثة التى لا يستغرق تركيبها أكثر من ساعة ونصف الساعة. ولم تكن كمية الكبارى التى فى حوزة سلاح المهندسين تزيد على نصف الكمية اللازمة لعبور قوات الجيشين الثانى والثالث . ولكن مخازنه كانت تضم عددا من الكبارى الإنجليزية الصنع من طراز بيلى سبق الاستيلاء عليها من مخزن القاعدة البريطانية بقناة السويس عقب العدوان الثلاثى عام 1956. ونظراً لانها كانت مصممة للاستخدام فى الخطوط الخلفية وكان تركيب الكوبرى الواحد منها يستغرق 24 ساعة لذلك لم يكن فى الفكر الهندسى أمكن تحويل كبارى البيلى الإنجليزية الثقيلة إلى كبارى اقتحام لا يستغرق الإمكان من الناحية التكتيكية استخدامها فى عملية عبور القناة. وعلى أثر دراسات تمت على أعلى مستوى من تركيبها أكثر من بضع ساعات ، وذلك باستخدام البراطيم الخاصة بها فقط والاستغناء عن باقى أجزائها . ولكى يمكن استخدامها لتكون كبارى اقتحام تم تخصيص عربات نقل ضخمة لحمل بر اطيمها بنفس الطريقة المستخدمة فى تحميل البراطيم السوفيتية . ولاستكمال النقص الموجود فى عدد الكبارى تم تشغيل عدد من البراطيم ( وفقا للتصميم السوفيتى ) مع بعض المعدات الفنية الأخرى المصنعة محليا فى مصانع وورش شركات القطاع العام تحت إشراف سلاح المهندسين بما حقق الزيادة المطلوبة فى عدد الكبارى.

ونتيجة لذلك أصبحت الكبارى التى يمتلكها سلاح المهندسين يتكون ثلثها من طراز سوفيتى الصنع، وثلثها من طراز إنجليزى الصنع، فى حين كان الثلث الآخر صناعة مصرية خالصة. وكانت المعديات المصممة للانتقال ما بين الشاطئين عن طريق جرها باللنشات يتم إنشاؤها عن طريق تجميع عدد من البراطيم ، وكانت المعديات مخصصة كى تستخدم فى نقل بعض الدبابات والأسلحة الثقيلة ذات الأسبقية الأولى إلى الشاطىء الشرقى للقناة بعد إتمام فتح الثغرات فى الساتر الترابى وقبل ساعتين من موعد البدء فى تشغيل الكبارى . وبعد إتمام تشغيل الكبارى كانت المعديات مصممة لاستخدامها كوسيلة معاونة وتبادلية لها. وخلال ساعتين من بدء العبور كان حجم قوات المهندسين التى عبرت مع المشاة، والتى تعمل فى فتح الثغرات فى الساتر الترابى، والتى تقوم بعملية تركيب الكبارى والمعديات فوق صفحة القناة قد تجاوز الخمسة عشر ألف مقاتل من مختلف التخصصات الهندسية وبدأت الكبارى تقام أمام الثغرات التى فتحت فى الساتر الترابى، وخلال فترة زمنية من 6 إلى 9 ساعات كانت كل كبارى ومعديات الجيش الثانى الذى كان يتولى قيادته اللواء سعد مأمون قد أقيمت وفقا للخطة المرسومة .

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق