هى مشكلة قديمة جديدة، تستعصى على الحل منذ عشرات السنين، حيث كشفت بيانات تعداد سكان 2017 وجود نحو 12.5 مليون وحدة سكنية «مغلقة» بلا سكان بنسبة 29.1% من إجمالى عدد الوحدات فى مصر ، مما يعنى أن هناك ثروة عقارية تقدر بمئات المليارات معطلة لا يستفيد منها أحد
فقد حرمت المستأجر الاستفادة من كثرة المعروض وبالتالى انخفاض الأسعار ، وحرمت المالك من تحقيق الاستفادة المالية من تأجير وحدته ، فى الوقت الذى تسعى الحكومة جاهدة ممثلة فى وزارة الإسكان في شق الصحراء وإنشاء مدن جديدة يتخللها آلاف الوحدات السكنية ، وهذا الأمر يتطلب ميزانية ضخمة كان من الممكن توفيرها فى أغراض أخرى تنعكس على حياة المواطن .
ملف الوحدات السكنية المغلقة سيكون أحد الملفات المهمة والعاجلة فى دور الانعقاد الثالث الذى بدأ أمس ، وهناك اقتراحات كثيرة فى التعامل مع هذا الملف منها فرض ضريبة كبيرة لإجبار أصحاب هذه الوحدات على تأجيرها والاستفادة منها أو الحصول على محفزات من جانب الحكومة لفتح أبواب هذه الوحدات أمام المستأجرين .. نفتح هذا الملف فى السطور التالية .
لا مستفيد
هنا يؤكد الدكتور اسماعيل نصر الدين عضو لجنة الإسكان وصاحب مشروع قانون الإيجار القديم إن غلق نحو 10 ملايين وحدة سكنية يحول دون استفادة أى طرف منها ، لأن المستأجر استطاع شراء وحدة سكنية تمليك ، والمالك لا يستطيع مطالبته بالتنازل عن الشقة لأن قانون الإيجارات فى صف المستأجر ، أو لأن المالك يخشى تأجيرها لساكن جديد ويفضل تركها مغلقة لترتفع قيمتها ويبيعها لأعلى سعر حين يحتاج إليها ، وقيمة هذه الشقق السوقية - كما يقدرها البعض - تصل إلى 200 مليار جنيه ، وهذا يعني استثمارا هائلا غير مستغل.
وأكد أن لجنة الاسكان ستعمل علي سن تشريع عاجل لمعالجة مشكلة الوحدات السكنية المغلقة والتعامل معها على أنها «ثروة عقارية» يجب الحفاظ عليها وتنميتها واختيار أساليب منطقية للتعامل مع هذا الوضع غير المنطقى بعدة أمور، منها أن تخضع لضريبة جديدة يسددها أصحاب الوحدات السكنية غير المستغلة بواقع 15ضعف القيمة الإيجارية أو مثل قيمة الضريبة العقارية السنوية ، مشيراً الي أن اللجنة ستعد التشريع الجديد بالتنسيق مع الوزارات المعنية (الإسكان والمالية والاستثمار والتنمية المحلية) .
غلق موسمي
ويكشف عن أن هناك بعض الوحدات السكنية التى تفرض طبيعتها الموسمية إغلاقها كالوحدات المخصصة للمصايف، مشيراً الى ان هناك إجراءات اتخذتها الحكومة لحل أزمة الشقق المغلقة من خلال إصدار قانون 96 «الإيجار الجديد» والذي يجعل من حق المالك أن يلجأ للشهر العقارى لطرد المستأجر إذا رفض الخروج من العين المؤجرة بعد انتهاء المدة المحددة بالعقد ، ولكنها سرعان ما أفسدته من خلال فرض رسوم عالية ومبالغ فيها على الصيغة التنفيذية لعقود الإيجار ، مما أدى إلى إعراض الكثير من المؤجرين عن التسجيل بالشهر العقارى ، وبالتالى غابت الضمانات الكفيلة لتشجيع ملاك الشقق المغلقة على طرحها للإيجار ، لذلك يجب على الحكومة إعادة النظر فى هذه الرسوم وتخفيضها لأدنى حد ، لأن تنفيذ هذه القوانين هو السبيل الوحيد لإعادة فتح الوحدات السكنية المغلقة ، كما يمكن للدولة إلزام المستثمرين العقاريين بتخصيص 10% من الأراضى التى تمنحها لهم بأسعار تشجيعية من أجل البناء لصالح محدودى الدخل بالإيجار حتى نغلق هذا الملف إلى الأبد .
تحفيز
ويطالب نصر الدين بإيجاد محفزات من الحكومة لأصحاب الشقق المغلقة لتشجيعهم على طرحها للإيجار ، لأن المشكلة الأساسية تكمن فى عدم الثقة فى المستقبل وضبابية قرارات الحكومة وهو ما يجعل كل شخص يتصرف وفق قدراته المالية ودرجة نفوذه ، مما أدى إلى احتكار العديد من الوحدات السكنية وإغلاقها قلقا مما يخفيه المستقبل ، وبالتالى هناك ضرورة لوجود رؤية واضحة المعالم للمستقبل تشجع من يملك وحدة سكنية - لا يحتاج إليها - على تأجيرها.
ولابد من إصدار قانون جديد لتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر ، يكون متوازناً ، ويراعى مصلحة الطرفين ، ويحقق العدالة الاجتماعية ويؤمن السلام الاجتماعى ، ويعطى لكل طرف حقه ، وهذا أفضل بكثير من أن يظل الوضع الحالى كما هو عليه وما سببه من نتائج أثرت بالسلب على الاستثمار العقارى ونموه.
ويقترح نصر الدين أن تقوم الدولة بإنشاء وحدات سكنية تمول من خلال صناديق تمويل ، يشارك المستثمرون فى تشكيلها وتخصص للإيجار فقط ، وذلك للتقليل من نظام تمليك الوحدات السكنية الذى يعجز عنه أغلب المصريين .
فى غاية الخطورة
ويقول معتز محمود عضو لجنة الإسكان بمجلس النواب : الأمر أصبح فى غاية الخطورة ، ولا يمكن للبرلمان السكوت عليه خاصة ما يدخل فى اختصاص لجنة الإسكان ، وهو الوحدات السكنية المغلقة وغير المستغلة ، فغالبية الأسر المصرية تستثمر فى العقار ، وما تم عرضه من قبل جهاز التعبئة العامة والإحصاء أخيرا يؤكد أنه لا توجد أزمة وحدات سكنية فى مصر، كما أن إغلاق ملايين الوحدات السكنية بهذا الشكل يعد استثمارا معطلا ويجب استغلاله.
ولفت إلى أن اللجنة ستناقش مع وزارة الإسكان خلال الفترة المقبلة سن التشريع العاجل بهدف تنظيم قطاع الإسكان ، ووضع معايير وضوابط تشريعية للوحدات السكنية المغلقة وغير المستغلة ، مشيرا إلى أن التشريع الجديد سيهدف كذلك للحفاظ على العقارات وآلية تسجيلها والسوق العقارية المصرية حفاظا على ثروة مصر العقارية ، والتصدى بكل حزم لهذه الظاهرة التى تعد «فوضى سكانية» تمثل خطورة كبيرة على ماتبذله الدولة لتحقيق النمو ورفع مستوى معيشة المواطنين وارتباط ذلك بحل مشكلة البطالة.
وشدد على ان مشروع قانون الايجار القديم الذى سيناقشه البرلمان خلال دور الانعقاد الحالى سيحل المشكلة من جذورها ، مؤكدا ان القانون سيراعى مصلحة جميع الاطراف «المالك والمستأجر والحكومة».
وأكد معتز محمود ان هذا القانون لن يشمل أى بند يهدد استقرار الاسر أو طرد أى ساكن من شقته لعدم قدرته على سداد القيمة الايجارية العادلة حيث سينص القانون على انشاء صندوق عقارى باسم «صندوق التكافل الاسكاني».
بداية المشكلة
المهندس عمرو حجازى نائب رئيس جمعية المضارين من قانون الإيجار القديم يرى أن هذا العدد الكبير من الوحدات المغلقة يسهم فى زيادة مشاكل الشباب والمقبلين على الزواج ، مضيفا أن بداية المشكلة تعود الى أزمة الإيجارات القديمة ، وما أوجد هذه الظاهرة أنه فى الماضى كان يتم حرمان المواطن من حيازة أكثر من وحدة سكنية فى المدينة الواحدة ، وبعد هذا بسنوات تم إلغاء هذا الشرط ، وأصبح من السهل إغلاق وحدة سكنية تم استئجارها بقيمة أقل ، وبعد حرب أكتوبر بفترة ظهر التمليك ، وانتشرت ثقافة إغلاق الوحدة السكنية بدلا من استثمارها ، خوفا من عدم خروج المستأجر من الوحدة ، كما أن فتح الوحدات المغلقة سيحل أزمة السكن فى جميع المدن والمحافظات وسيجعل هناك الكثير من المعروض مما ينعكس على تراجع الأسعار التى يتم المغالاة فيها بسبب قلة المعروض.
وأشار إلى أنه ليس من المقبول وجود عجز بين العرض والطلب فى الوحدات السكنية لا يتجاوز مليون وحدة ، بينما هناك أكثر من 10 ملايين وحدة مغلقة ، كما أن تحصيل الضريبة العقارية بالقيمة العادلة سيدفع الملاك لطرح الوحدات المغلقة للإيجار من أجل دفع قيمة الضريبة العقارية .
رابط دائم: