رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

ماذا جرى يوم العبور على الجبهة الإسرائيلية؟
جنود بعض الدشم كانوا خارجها وهم يرتدون «المايوهات» عند بدء القصف المدفعى المصرى

عندما نشبت الحرب فى 6 أكتوبر 1973 كانت الجبهة الإسرائيلية على قناة السويس التى تمتد على مواجهة نحو 160 كم مقسمة إلى ثلاثة قطاعات, تمثل المحاور الرئيسية للتقدم , وتتشكل قوتها من مجموعة عمليات (أوجدا) بقيادة الجنرال ألبرت ماندلر وتحت قيادته لواء مشاة وثلاثة ألوية مدرعة وكانت الخطة الإسرائيلية شوفاخ يوتيم (برج الحمام) قائمة على أن تتولى الألوية المدرعة مسئولية الدفاع مؤقتا عن المحاور الثلاثة الرئيسية فى سيناء إلى حين وصول الفرق الاحتياطية بالطريقة التالية : لواء العقيد جابى يتولى مسئولية الدفاع عن محور «القنطرة – العريش» ولواء العقيد آمنون يتولى مسئولية الدفاع عن محور «الإسماعلية – أبو عجيلة» ولواء العقيد دان يتولى مسئولية الدفاع عن محور «السويس – الممران الجبليان متلا و الجدى».

ويقول المؤرخ العسكرى جمال حماد فى كتابه «المعارك الحربية على الجبهة المصرية»، الذى يتناول فيه بالتفصيل وقائع حرب أكتوبر 1973 أن خطة الدفاع الإسرائيلية كانت تتم فى نسقين فى الأمام واحتياط فى الخلف, كما يلى: النسق الأول :خط بارليف, وكان يحتله اللواء 116 (القدس). وهو لواء احتياط ضعيف التدريب ومعظم أفراده من مواطنى مدينة القدس وكان تعداده نحو 500 مقاتل. النسق الثانى :على مسافة 3-5 كم من النسق الأول, ويتمركز على طرق الاقتراب المهمة والمحاور الرئيسية المؤدية إلى العمق, وتحتله ثلاث كتائب مدفوعة إلى الأمام من الألوية المدرعة الثلاثة التى فى الإحتياطى.

وعند رفع درجة الاستعداد لتلقى الهجوم تندفع الدبابات التى تبلغ جملتها نحو 100 دبابة إلى الأمام لاحتلال المواقع السابق تجهيزها فى الخط الثانى من النسق الأول (نحو 300- 500 متر خلف خط بارليف)لإغلاق الثغرات الموجودة بين الحصون, ولتدعيم الحصون ذاتها بدخول بعض الدبابات إلى داخلها مرابض معدة لها من قبل الاحتياطى :غرب منطقة الممرات الجبلية على بعد نحو (25-30كم) شرق القناة, ويتكون من 3 ألوية مدرعة (عدا 3 كتائب مدرعة مدفوعة للأمام فى النسق الثانى) وتبلغ جملة دباباته نحو 200 دبابة.،وعند رفع درجة الاستعداد تندفع الألوية المدرعة الثلاثة التى فى الاحتياط إلى الأمام لاحتلال مواقع النسق الثانى استعدادا لشن الهجمات المضادة التكتيكية على القوات المصرية التى تنجح فى عملية عبور القناة.

وفى صباح يوم 6 أكتوبر, وعقب سلسلة الاجتماعات التى عقدها الجنرال دافيد أليعازر رئيس الأركان مع القيادة السياسية و مع هيئة الأركان العامة فى تل أبيب, وصل الجنرال جونين بعد استدعائه من مقر قيادته فى الجنوب, وحضر اجتماعا فى رئاسة الأركان العامة تلقى فيه تعليمات الجنرال أليعازر التى كانت تقضى بتأهب القوات الإسرائيلية فى سيناء استعدادا لتلقى الهجوم المصرى المرتقب فى الساعة السادسة مساء وأن تستعد القوات لامتصاص القصف و القيام بعملية الصد، وبعد الهجوم المضاد وانكسار الهجوم المصرى تقوم القوات الإسرائيلية بعبور قناة السويس إلى الغرب و إنشاء رأس كوبرى وفقا للخطط الموضوعة من قبل ومن رئاسة الأركان العامة فى تل أبيب, بادر الجنرال جونين بالاتصال هاتفيا بالجنرال ألبرت ما ندلر فى مقر قيادته بسيناء, وأبلغه أنه قد صدرت الأوامر بتعبئة الاحتياطى, وأن هجوما عربيا على جبهتى القناة والجولان سوف يبدأ فى الساعة السادسة مساء, وكانت تعليمات جونين إلى ماندلر تقضى بسرعة إبلاغ جميع الوحدات والمواقع بالاستعداد لامتصاص الضرب, وألاتتحرك الدبابات إلى مواقعها الأمامية إلافى الساعة الخامسة مساء, حتى لا يرى المصريون من وراء سواترهم مما يتيح لهم الفرصة لتغيير أوضاع نيران مدفعيتهم, وحتى لا يكون لديهم إنذار بأن القوات الإسرائيلية قد رفعت درجة الاستعداد مع مراعاة الاحتراس من تصعيد الموقف, إذ ربما لا يكون فى نية المصريين القتال.

واعترض ماندلر على تأخير تحرك الدبابات حتى الساعة الخامسة مساء إذ إن الخطة الدفاعية (شوفاخ يونيم) كانت تتطلب توافر ساعتين على الأقل لتنفيذها واقتنع جونين بوجهة نظره, ووافق على أن تتحرك الدبابات للأمام فى الساعة الرابعة مساء لاحتلال المواقع المحددة لها وفقا للخطة وبناء على الأوامر التى أصدرها الجنرال ماندلر فى الساعة الواحدة ظهرا إلى قواته فى سيناء, استعدت القوات التى فى داخل حصون خط بارليف لامتصاص الضرب, وكان هذا يعنى إرسال الأفراد الذين ليسوا فى مهام قتالية إلى المؤخرة وارتداء الأفراد الأردية الواقية والخوذات الصلبة وإخلاء العتاد الزائد من الأراضى المكشوفة والاستعداد لتلقى القصف داخل الملاجئ كما كان الحال يجرى فى أثناء حرب الاستنزاف وفى الوقت نفسه, استعدت القوات المدرعة التى فى النسق الثانى وفى الاحتياطى للتحرك فى الساعة الرابعة مساء لاحتلال مواقعها الأمامية للاشتراك فى صد الهجوم المصرى المنتظر وللقيام بالهجمات المضادة المحلية. ولكن تحريك الدبابات للأمام لم يتم تنفيذه فى الوقت المحدد.

ففى الساعة الثانية ظهرا سمع الجنرال ماندلر وضباط مركز قيادته فجأة هدير الطائرات, وعندما تطلعوا إلى أعلى شاهدوا طائرات ميج وسوخوى مصرية تهاجم مطار المليز, وأدركوا أن الحرب قد بدأت قبل أربع ساعات من الموعد الذى تم إخطارهم به وفى الحظة التى دخل فيها الجنرال ماندلر إلى المخبأ فى قيادته فى منطقة بير جفجافا كان الجنرال جونين قد وصل إلى مكتبه فى مقر قيادته ببئر السبع, ولم يكن قد عرف بعد أن الحرب قد اندلعت, ولكنه بدافع الحرص والحذر اتصل هاتفيا بالجنرال ماندلر لتعديل أمره السابق.

وصاح جونين فى الهاتف: «ألبرت ..ينبغى تحريك الدبابات إلى الأمام الآن وعدم الانتظار إلى الساعة الرابعة مساء»، ورد عليه ماندلر فى الحال ساخرا :«نعم ينبغى فإنهم يقصفون مطار المليز الآن»، وأجرى ماندلر اتصالا لاسلكيا على الفور بقادة ألوية الدبابات الثلاثة للإسراع بتحريك دباباتهم إلى الأمام لمواجهة العبور المصرى للقناة وقد أثبتت التحقيقات التى أجريت بعد الحرب لتحديد مسئولية التقصير الذى وقع على الجبهة فى سيناء أن الأوامر الصادرة إلى حصون خط بارليف بالتحذير من الهجوم و امتصاص الضرب لم تصل إلى الجميع فقد أكد أفراد بعض الحصون أنهم لم يتلقوا هذه الأوامر واستمروا فى تصرفاتهم اليومية المعتادة, وفوجئوا مفاجأة تامة بالهجوم المصرى إلى الحد الذى جعل أحد المهندسين الإسرائيلين «شيمون تال» الذى أرسل لإصلاح تجهيزات إشعال اللهب فى القناة يفاجأ بقصف المدفعية ثم برجال الصاعقة المصريين يقفون فوق رأسه حيث وقع فى الأسر, كما أن جنود بعض الدشم كانوا خارجها وهم يرتدون المايوهات عند بدء القصف المدفعى المصرى ولقد كان أكبر الأخطاء التى وقعت على الجانب الإسرائيلى يوم 6 أكتوبر هو ذلك الأمر الذى أصدره الجنرال جونين إلى الجنرال ماندلر بعدم تحريك الدبابات إلا قبل موعد الهجوم المنتظر بساعتين.

وترتب على هذا الخطأ التيكتيكى الفادح عدم انضمام نحو 100 دبابة مسلحة كل منها بمدفع 105 مم وبر شاشين ثقيلين, وكانت تحتل خط النسق الثانى, الى قوة اللواء 116 احتياط الضعيف القوة والتسليح, الذى كان يحتل حصون خط باليف والذى واجه وحده فى الساعة العصيبة الحاسمة من مرحلة العبور اقوى قصفة من التمهيد النيرانى التى استمرت لمدة 15 دقيقة كما تلقى فى الوقت نفسه آلاف من طلقات مدفعية الضرب المباشر من مرابضها الحصينة على الشاطىء الغربى للقناه, ولم تكد المدفعية تنقل قذفها الى العمق حتى فوجئ افراد الحصون بمئات من قوارب الاقتحام, وهى تنقل افراد المشاه المصرين عبر القناه اللى الشاطىء الشرقى لها, ووجد افراد الحصون الإسرائيليون أنفسهم وسط طوفان من امواج العبور المصرية المتدفقة.

وكان عدم تحريك الدبابات الإسرائيلية الى مواقعها الأمامية فى النسقين الأول والثانى وفقا للخطة الموضوعة من قبل عاملا مهما فى هذا النجاح الباهر والسريع الذى صادفته عملية العبور يوم 6 اكتوبر, وفى تقليل الخسائر المصرية الى الحد الذى لم يكن احد يتخيله، وكان عدم تحريك الدبابات الإسرائيلية الى الأمام يرجع مباشرة الى الأوامر الصارمة التى اصدرها الجنرال جونين قائد القيادة الجنوبية من مركز قيادته ببئرالسبع الى الجنرال ألبرت ماندلر فى سيناء بألا تتحرك الدبابات قبل الساعة الرابعه مساء يوم 6 أكتوبر وقدحمّلت لجنة تقصى الحقائق التى شكلتها الحكومة الأسرائيلية بعد وقف القتال برئاسة القاضى شمعون إجرانات رئيس المحكمة العليا, الجنرال جونين مسئولية التقصير الذى وقع على الجبهة المصرية, وأوصت بإعفائه من منصبه, وعدم إسناد أى منصب قيادى له فى الجيش الإسرائيلى. فقد ورد فى تقرير اللجنة أنه «فى يوم الحرب وفى الأيام التى سبقتها لم يقوم بشغل وظيفته كما يجب, كما أنه يتحمل فصلا كبيرا من المسئولية الوضع الخطير الذى واجه القوات الإسرائيلية فى الحرب فى «يوم الغفران» عندما هاجم العدو المصرى المواقع الإسرائيلية».

وعندما أصدر الجنرال بانى بيليد قائد السلاح الجوى الإسرائيلى فى الساعة الثانية و النصف بعد الظهر أوامره الى طائراته بمحاولة منع عبور المصريين قناة السويس بأى ثمن وأضطرت كثير من الطائرات التى كانت محملة بالصواريخ استعداد للقيام بضربة الإجهاض ضد التحضيرات الهجومية المصرية والسورية بمجرد صدور الأوامر بذلك-إلى إلقاء ذخيرتها فى البحر لكى يمكنها القيام بالمهمة الاعتراضية الجديدة التى ألقيت على عاتقها. وكانت المهمة صعبة ,فقد تداخل الجنود المصريون بين المواقع الإسرائيلية وأصبح من الصعب التمييز بين الفريقين، وخلال ساعتين فقط خرجت نحو 200 طلعة طيران إلى قناة السويس وإلى الأدبية والزعفرانة على خليج السويس.ونظرا لأن اهتمام الصواريخ سام 2 وسام 3 المنتشرة على الجانب الغربى للقناة وانحصرت إغارتها على فرق المشاة المصرية الخمس التى كانت تشكيلاتها ووحداتها مستمرة فى عبور القناة فى إصرار وبدون توقف ,وفقد الطيران الإسرائيلى فى هذه الطلعات 5 طائرات سكاى هوك وطائرة فانتوم واحدة، ولم تستطيع طائراته رغم هجماتها المتتابعة تدمير أى معبر من المعابر ,التى انهمك المهندسون المصريون فى إنشائها بشجاعة نادرة.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق