أنا طبيب عمرى ستة وخمسون عاما ومتزوج منذ ثمانية وعشرين عاما بسيدة فاضلة كانت زميلتى فى المستشفى،
وفِى مثل سنى وبعد انتهاء عملنا فى أحد المستشفيات الجامعية، سافرت إلى السعودية وبعد شهور قليلة استقالت من عملها كمعيدة فى الجامعه لكى تلحق بي، ونلم شمل الأسرة، وعملت معى أيضا لفترة من الوقت، ومرت سنوات العمر بحلوها ومرها، ورزقنا الله بأربعة أبناء بينهم واحد ولد بعيب خلقى فى القلب، وأجريت له عدة عمليات فى السعودية ومصر وفرنسا، وكانت زوجتى هى التى تسافر مع ابننا، وتركت عملها وتفرغت لعلاجه، ومنّ الله علينا بشفائه، ووصلت ابنتى الكبرى لسن الجامعة، وعادت زوجتى مع أولادنا لإستكمال دراستهم فى مصر، وتحملت مسئولية البيت كاملة، ومتابعة الأولاد فى الجامعة والمدارس، ولم نعد نلتقى إلا فى الإجازات المدرسية أو فى إجازتى السنوية، وقد تخرج اثنان من أبنائنا، وتزوجا ومازالت زوجتى فى مصر تراعى ابنينا الآخرين، وهما يدرسان بالجامعة، ومتفوقان، وتتقى زوجتى الله فى أولادى ومالى وأهلي، وكانت خير عون لى فى الحياة.
ولعلك تسألنى: ماهى مشكلتك إذن فأقول لك: إن أحد أعمامى بلغ عمره ثمانين عاما، وله بنت فى سن الأربعين، ولم تتزوج وأنا أعيش بمفردى منذ عشر سنوات معظم أيام السنة، وأرغب فى أن أتزوجها لتعيش معى فى الخارج، ولكى أجبر بخاطر عمى حتى يطمئن على ابنته قبل وفاته، ولديّ القدرة المادية والجسدية للإرتباط بزوجة أخرى، ولكنى لا أستطيع أن أكسر بخاطر زوجتى التى عانت الكثير من المتاعب معى كل هذه السنوات، ولا أتحمل أن أرى الحزن فى عينيها، وأنا فى حيرة من أمرى حيث إننى لا أستطيع النزول نهائيا لمصر، إذ ليس لدى أى عمل مناسب بها، وليست لديّ خبرة كافية لعمل مشروع تجارى أتعايش منه، فبماذا تنصحنى؟
ولكاتب هذه الرسالة أقول:
فى حقيقة الأمر أنت لا تفكر إلا فى نفسك، ويبدو أن بقاءك فى الخارج شهورا طويلة بعيدا عن زوجتك وأولادك هو الذى دفعك إلى التفكير فى الزواج بأخرى، وما دمت قد قضيت هذا العدد من السنين فى الخارج، فلقد صار لديك رصيد من المال تؤمن به حياتك، ويمكنك أن تفتتح عيادة فى مصر، تشاركك فيها زوجتك وهى طبيبة أيضا، وبذلك تعمل فى مهنتك الأساسية بعيدا عن المشروعات التجارية التى لها خبراؤها والمتخصصون فيها، وفى الوقت نفسه تحتوى زوجتك وتحقق رغبتك الجسدية مع أم أبنائك، أما التفكير فى الزواج من ابنة عمك فهو الأنانية بعينها، ثم هل يعقل أن تتزوجها لمجرد أن تجبر بخاطر عمك؟.. إنك ستجر على نفسك متاعب لا حصر لها، وسوف تخسر زوجتك وأبناءك الذين لن يرضيهم هذا الصنيع أبدا.
وبصورة عامة فإن الأفضل لكل رجل أن يكتفى بزوجة واحدة، إذا كان الرجلُ محبًّا لها، راضيًا عنها، ومكتفيًا بها مِن الناحيةِ الجنسيَّة، وأيضا إذا كانتْ حياته مهَّددة بأن تَتحوَّل إلى جحيمٍ بسببِ الزواج الثانى؛ فالنِّساءُ لا يتحملنَ وجودَ منافساتٍ لهنَّ على قلْوب أزواجهنّ، وإنْ حدَث ذلك، يلجأْنَ لتصرفات غير مسئولة، وأحيانًا تتحوّل حياة الرجل إلى عذابٍ حقيقي، وهذه التصرُّفاتُ قد تصدُر مِن الأولى والثانية، ومن الأفضل ألا يلجأ إلى زواج ثان إذا غلَب على ظنِّه أنَّ أولادَه سيُعادونه ويغضبون منه إنْ تزوَّج بأخري، فالأَوْلى له أن يُحافظَ على مودَّتهم؛ حتى لا يخسرَهم؛ فصِلة الأرحام أَوْلى من تقطيعها، والحفاظ على الأُبوَّة والبنوَّة خيرٌ مِن ضياعها، ولا يمكن لزوج عاقل أن يرضى أن يكون بناء بيته الثانى على أنقاض بيته الأول ! ولا أن يضيع جهوداً بذلها، وأموالاً أنفقها، وأوقاتاً صرفها فى بناء ذلك البيت من أجل زواج آخر لا يحتاج إليه حاجة ماسَّة، فانس التفكير فى هذا الارتباط، وعد إلى بلدك وأسرتك، وسوف يوفق الله ابنة عمك إلى من يناسبها حين يأذن عز وجل، ولا دخل لجبر خاطر عمك فى مسألة تتعلق بحياتك وأسرتك، والله المستعان.
رابط دائم: