يقولون هنا عن استفتاء كردستان إنه زلزال ضرب البلاد في مقتل وتوابعه ستفضى لا محالة إلى حروب عربية – كردية ، والتي ستؤدي بدورها الى المزيد من المعاناة والدمار، وأن مثل هذا الخطأ وفقا لتعبير الرئيس السابق عبد الله جول، سيزيد الوضع سوءا في كركوك، حيث يتعايش التركمان والعرب والأكراد هناك، باختصار «تركيا تواجه أخطر مشروع مُدمّر بعد انحلال الإمبراطورية العثمانية وتأسيس الجمهورية على أنقاضها».
ولأن الحدث هو «كارثة مروعة»، كان لابد من خطوات سريعة تواكبه وتواجهه في آن، وهي حتي اللحظة لم ــ ولن ــ تخرج نحو الفعل والتنفيذ. ولم يكن صعبا ــ ونسيج الأناضول وفقا لما تم ترويجه مهدد بالإنسلاخ ــ أن تتفق الحكومة والأحزاب الرئيسية بالبرلمان على كلمة سواء وهي تمديد التفويض بارسال جنود خارج الحدود.
بقي إستثناء وحيد وهو حزب الشعوب الديمقراطية الكردي الذي رفض التصويت ليظهر بوضوح دون شك أنه مناصر لقضايا أبناء أثنيته في حلم «كردستان الوطن» وبإنفصال الأم سينفرط العقد ويعود الأبناء بعموم مدن جنوب شرق الأناضول إلى حضنها يستظلون بظلها الأبدي.
بمنطق التوحد المنشود بدا سهلا على الرئيس رجب طيب اردوغان وأركان نظامه أن يجدوا لدي الجيران الإقليميين حماسا ما بعده ، فالخطر الانفصالي سيدمر الجميع إذ سيعرض وحدة أراضيهم للتفتت والتجزئة وها هي إيران التي تعيش مع تركيا شهر عسل بيد أن العلاقات بينهما تتجه إلى الحميمية والمزيد من التعاون غير المسبوق مقارنة بعقود مضت، تلبي النداء، والعراق هو الآخر أعلن عن مشاركته مناورات عسكرية على الحدود مع من كان يصفها حتى زمن قريب جدا «دولة إحتلال على خلفية أزمة معسكر بعشيقة ووجود «وحدة من جيشها بالقرب من فضاء الموصل».
وبالتالي «لا مناص من الوقوف صفا واحدا أمام العدو الإنفصالي» وفي الخلف من ذلك، تقف الألة الإعلامية الأناضولية بأذرعها الممتدة بعموم البلاد، تبث على مدار الساعة محذرة من الخطر الداهم الذي ينتظر المنطقة وعبر وسائلها مرئية ومقروءة ومسموعة تنهال دعوات الوعيد مصحوبة بالصرخات والتهديدات تطالب وعلى نحو عاجل باتخاذ إجراءات حاسمة وقاطعة ضد «اقليم كردستان» بدءا من حصاره ثم خنقه اقتصاديا مرورا بقطع خط انبوب النفط كركوك – يمورتاليك والذي تصل إيراداته السنوية إلى ما بين 10 و12 مليار دولار وانتهاء بعمل عسكري رادع .
وفي سياق الكلام والغضب توعد ساكن القصر الرئاسي في العاصمة التركية بعملية مماثلة كتلك التي كان عنوانها «درع الفرات» وفيها توغلت قواته الاراضي السورية لتمكث سبعة أشهر ولكنه تناسي أنها لم تحقق ما كان مرجوا منها اللهم سقوط عشرات الضحايا من الجنود والضباط الأتراك.
وحزب العدالة والتنمية الحاكم أخذ على عاتقه تجييش الجماهير للتنديد ولا بأس أن وضع يده مع اليساريين والعلمانيين من أجل كشف أقنعة الغرب المتواطىء وفي إطار شحذ الهمم والتعبئة انطلقت من عواصم البلدان الثلاثة اللعنات على «الملاعين الصهاينة» ومعهم بطبيعة الحال الشيطان الأكبر «الذين يدعمون» المارق الخائن مسعود برزاني. ومن الصور اللافتة التي تم ترويجها على مواقع التواصل الاجتماعي أنه بالتزامن مع تجمع العشرات أمام مقر إقامة السفير الإسرائيلي في أنقرة الأسبوع الماضي احتجاجا على تقديم الدعم لبرزاني كان أردوغان يلتقي مع ممثلي المنظمات اليهودية في نيويورك، وقيل أنه أجرى معهم مباحثات مهمة جدا في جلسة مغلقة بعيدا عن وسائل الإعلام.
المعارضة التي طالما اتهمت حكومة بلادها بأنها ذات الوجهين «تسب الدولة العبرية في العلن وبالخفاء تبرم معها الصفقات»، انتهزت الفرصة لتجدد اتهاماتها وتؤكد في الوقت نفسه أن الضجيج الحالي حيال كردستان العراق لن يمضي في تصعيده ، ولن ينتهي بعمل عسكري، فواشنطن وقبلها تل ابيب لن تسمحا بذلك أبدا اضافة إلى تلك الخطوط الحمراء هناك أصلا انقسام في الرؤي داخل دوائر الحكم عكسه تضارب التصريحات التي راحت تعلن اغلاق الحدود ثم تتراجع تنفي وتارة ثانية تقول أنه تم وقف الرحلات الجوية وما هي إلا ساعات يخرج بعدها مسئول ليؤكد أن تلك الأنباء عارية تماما من الصحة. وهكذا على أنقرة المصدومة من موقف الولايات المتحدة أن تكف عن صراخها وتتحلي بواقعية تناسب وضعها الذي أصابه الضعف ، بيد أن نفوذها في تراجع مستمر والفضل يعود لحكومة العدالة والتنمية . والتحالف مع إيران لن يجدي نفعا فالأخيرة هي الأخري تصرخ بلا فعل ثم أنها مسئولة بشكل مباشر عن الحاصل الآن فبدلا من مساعدة بغداد على الاتحاد والاندماج بين طوائفها ومذاهبها قامت بتنفيذ أجندات مذهبية وطائفية أدت إلى تجزئة البلد وبرزاني لم يتجن عندما قال أن الحكومة العراقية المركزية هي التي دفعتنا للإنفصال. وما كانت تخشاه تركيا يبدو أنه يتحقق على أراض الواقع ، فمراقبون كشفوا بأن جزءا مهما من السلاح الأمريكي بات يذهب إلى منظمة حزب العمال الكردستاني في سنجار وامتدادها متمثلا في وحدات حماية الشعب الكردية بشمال سوريا ، والهدف هو فتح ممر حتى البحر المتوسط ، والسؤال هل يمكن أن يحدث ذلك دون ضوء أخضر من البنتاجون ، لقد انطلق سهم الانفصال ولم يخطئ مراقبون ومتابعون عندما قالوا أنه برعاية أمريكية وصمت روسي.
رابط دائم: