عنوان وطنى للكلمة العربية الأصيلة اسمه مصطفى عبد الرحمن، قدم أول دواوينه الكاتب الكبير فكرى أباظة عام ١٩٣٢بقوله هذا الشاعر فتى صغير السن..
أبجدى التجربة فى عالم الكلمة.. دفع إلى بكتابه فأعجبت لا باللغة أو بالأسلوب فحسب ولكن بالروح التى تسرى فيه من أوله لآخره. وكتبت عنه جريدة «الأهرام» بعد ذلك بسبع سنوات (إن قصائد الشاعر مصطفى عبد الرحمن صورة شعرية رائعة تمثل قمة الوهج الرومانسي..إنك تحس به من خلال كلماته وكأنه متصوف وهب حياته للشعر.. سابحا فى بحاره.. باحثا عن جواهره ليقدمها إلى المستمع نغما عذبا ولحنا آثرياً) .. وبمناسبة العام الهجرى الجديد(١٤٣٩هـ) ..ومرور ١٠٢ عاما على مولده ١٩١٥ ، ومرور٢٥ عاما على رحيله إنه الشاعر الكبير مصطفى عبد الرحمن الذى توفى فى أغسطس ١٩٩٢م. هو أحد رموز الكلمة العربية الأصيلة نقدم اليوم جولة فى خلفيات أغنية إلهى ما أعظمك.
.......................................
فمؤلف الأغنية أسهم بدور كبير فى صناعتها وإبداعها مع أقرانه أحمد رامى وحسين السيد ومرسى جميل عزيز ومأمون الشناوى وعبدالفتاح مصطفى وغيرهم ، وهو من عشاق كتابة قصائده بالعربية الفصحى وأحيانا ً يميل إلى كتابة الأغنية باللغة العامية الراقية وكان رحمه الله من محبى سيدة الغناء العربى أم كلثوم والفنانة نجاة الصغيرة وفايزة أحمد وسعاد محمد وعبدالحليم حافظ وكل نجوم الغناء الذين إنطلقت أغنياتهم من مبنى الإذاعة القديم فى شارع الشريفين عندما كان الموسيقار محمد حسن الشجاعى مراقبا ً للموسيقى والغناء فى ذلك الوقت ثم واصلوا إبدعاتهم الغنائية عندما انتقلت الإذاعة والتليفزيون إلى مبنى ماسبيرو بكورنيش النيل ، وهو صديق حميم للموسيقار رياض السنباطى الذى يرى أنه أفضل من لحن قصيدة الفصحى وأن الفنانة القديرة نجاة الصغيرة أفضل من تتغنى بالفصحى بعد أم كلثوم خاصة القصائد التى غنتها من ألحان الموسيقار عبدالوهاب والسنباطى وكل أساطين الموسيقى من هذا الجيل العظيم كما انفتحت الفنانة نجاة على جيل الوسط من الملحنين والشعراء دون أن تتوقف عند العملاقين الكبيرين فقد تغنت بألحان وكلمات جيل الوسط وبوجه خاص الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى الذى كتب لها آخر ألبوماتها الغنائية وألحان الموسيقار المبدع سامى الحفناوي، كما تغنت أيضا ً بألحان الموسيقار هانى شنوده بعد أن أعجبها أسلوبه فى التلحين خاصة الأغنيات القصيرة ذات المضمون الراقى وجعلت هانى شنوده يبدعها لحنا ً ولا زالت هذه الأغنيات التى أبدعها الزملاء الثلاثة تعيش فى وجدان الجماهير حتى الآن ، ولا زلت أتذكر الفنانة نجاة أنا وغيرى من الشعراء رائعتها الغنائية التى لحنها الموسيقار حلمى بكر كلمات مصطفى عبدالرحمن « قبل هواك » التى يقول مطلعها « قبل هواك ما يعدى عليه .. ويصحى الأشواق فى عينيه .. كانت الدنيا .. ماهياش دنيا .. ولا حنيتها حنية .. قبل هواك « وهذه الأغنية التى كتبها مصطفى عبدالرحمن الذى كنت أعرفه منذ أن كان من كبار موظفى المصانع الحربية ذكرتنى برائعته التى لحنها الموسيقار رياض السنباطى وغنتها الفنانة نجاة الصغيرة « إلهى ما أعظمك » موضوع حكايتنا اليوم وهى من أروع ما أبدعه السنباطى لحنا ً واختارتها الفنانة نجاة كأفضل ما كتبه مصطفى عبدالرحمن فى الذات الإلهية وفتحت نوافذ الإبداع اللحنى أمام رياض السنباطى الذى تغنت بألحانه سيدة الغناء العربى أم كلثوم مثل رائعته إلى « عرفات الله » التى قدمنا حكايتها الأسبوع الماضى من كلمات أمير الشعراء أحمد شوقى وكذلك رائعته « القلب يعشق كل جميل » وغيرها من القصائد والأغانى التى تذوب عشقا ً فى الذات الإلهية وحب الرسول عليه الصلاة والسلام كأفضل القصائد والأغانى التى تحرك وجدان السنباطى ويلحنها دون تأخير ،ونعود لرائعته « إلهى ما أعظمك » التى حركت وجدانه ودخل صومعته ليعيش مع كلماتها ولم يخرج إلا بعد أن اكتمل اللحن واستمعت إليه الفنانة القديرة وهويغنيها بصوته على آلة العود فانبهرت باللحن والكلمات وقررت على الفور إجراء البروفات التى استغرقت ما يقرب من عشر بروفات قبل التسجيل خاصة مطلع هذه القصيدة الرائعة التى يقول مطلعها « إلهى ما أعظمك فى قدرتك وعلاك .. إلهى ما أرحمك فى قبضتك ورضاك .. إلهى ما أكرمك للعبد لو ناداك .. جلت صفاتك .. يا من لا إله سواك .. » وهو المقطع الذى بلغت فيه الفنانة القديرة نجاة قمة إحساسها وأدائها الرائع الذى يعيش فى وجداننا حتى الآن كلما تكرمت علينا الإذاعة والتليفزيون بتقديمها فى فترات متباعدة ، ونفس الاحساس فى المقطع الآخر الذى يقول « خلقت النور .. وقلت اسعوا لطلب النور .. ومشيوا ناس .. وتاهوا ناس فى وسط بحور .. وبرضوا كريم .. وكنت حليم .. وكنت غفور .. » إلى أن وصلت إلى قمة إبداعها الغنائى فى البروفات لتدخل بعد ذلك الاستوديو للتسجيل ومعها مهندس الصوت والفرقة الموسيقية كاملة ، وقد كانت فى قمة احساسها بلحن السنباطى الذى كان راضياً كل الرضا عن أدائها ومنبهرا ً بصوتها العذب الجميل الذى وضحت فيه جلياً حالة الخشوع للذات الإلهية والعشق الإلهى التى سيطرت على مشاعرها تماما وهى تتغنى بأفضل ما كتبه مصطفى عبدالرحمن وأفضل ما لحنه السنباطى ، وجاء صوتها ليكون مكملا ً للثنائى الرائع وتزدان الكلمات واللحن بالصوت الشجى الجميل وهو ما أسعد السنباطى والفرقة الموسيقية بجميع أعضائها الذين لم يكن أمامهم سوى الإلتفاف حولها وتهنئتها برائعتها « إلهى ما أعظمك .. فى قدرتك وعلاك .. إلهى ما أرحمك .. فى قبضتك ورضاك .. إلهى ما أكرمك للعبد لو ناداك .. جلت صفاتك .. يا من لا إله سواك .. » وهوالمقطع الذى تختتم به الأغنية وتجعلنا نستمع إليه مرات ومرات ، فقد اكتملت بالفعل هذه السيمفونية الرائعة التى جمعت بين الثلاثى الرائع السنباطى ونجاة ومصطفى عبدالرحمن فى عمل مبدع سيعيش فى وجدان الجماهير وتتغنى به الأجيال جيلا ً بعد جيل ..
والسؤال الآن ونحن فى مطلع العام الهجرى الجديد لماذا تبخل علينا الإذاعة والتليفزيون بتقديم مثل هذه الأعمال الرائعة الأصيلة التى أنتجت للتعبير عن التعلق بالذات الإلهية والدعاء الى الله وتذيع « إلهى ما أعظمك » ولو مرة واحدة كل شهر لتعوضنا عن أغانى الهبوط التى تطاردنا فى الفضائيات والأندية وبذلك وحده تكون الإذاعة والتليفزيون النافذتان اللتان تحافظان على فننا الأصيل الذى تم إنتاجه فى الأصالة والفن الراق.
رابط دائم: