فكرت فى الكتابة إليكم كثيرا، وكنت في كل مرة أؤجل كلماتى
التي تحكى تجربتى إلى أن أمسكت أخيرا بقلمي وكتبت هذه الرسالة، فأنا طالبة في كلية الصيدلة جامعة القاهرة، وأعمل متطوعة فى أحد المعاهد الصحية القومية، والحق أنه فتح لي نوافذ كثيرة في الدنيا لم أكن أعلم عنها شيئا، وعرفت التطوع فيه عن طريق صديقاتي عندما تحدثن معا بضرورة أن يكون لكل منا دور في هذه الدنيا عسى أن يتقبل الله أعمالنا في الآخرة، ويتركز عملنا في المعهد علي مساعدة المرضى عن طريق تقديم خدمات لهم بالتعاون مع العاملين وهم يبلون بلاء حسنا، وحرصنا علي الوجود في الصباح الباكر لصرف الأدوية للمرضي، وأرصد هنا مشهدا يتكرر قبل الفجر يوميا، إذ يتوافد المرضي من أماكن شتي قبل شروق الشمس, ويبيتون ليلتهم علي الرصيف الملاصق للمستشفى حتى يتمكنوا من إنهاء كشوفهم الطبية، ويصرفوا أدويتهم سريعا للعودة إلي بلادهم في وقت مبكر، ولذلك يكون الضغط كبيرا علي العاملين بالمعهد، وينحصر دورنا نحن المتطوعين في مساعدة المرضى على الحركة داخل المستشفى، وفي أحيان كثيرة نقابل مرضى لا يستطيعون السير علي الاقدام فيطلبون «تروللي» من أجل الاستلقاء عليه من شدة الألم. وكل المترددين علي المعهد فقراء جدا، ولا يستطيع المسئولون فيه تلبية كل مطالب المرضى، ويحتاج بعضهم إلى أكياس دم تبلغ قيمة الكيس الواحد مائة وثمانين جنيها ونفشل في أحيان كثيرة في الوصول إلى حل!.
ومن الأنشطة التي استحدثناها، إقامة حفلات ترفيهية للأطفال المرضي, ونجمع من المتطوعين مبالغ بسيطة نشتري بها هدايا، وهى وإن كانت قليلة الثمن, فإنها كبيرة المعني فى نفوس المرضى، كما تصنع بعض المتطوعات الحلوي في بيوتهن ونضعها في أكياس بلاستيك ونوزعها وخصوصا في الأعياد، وأسعد لحظاتنا هي التي نزرع فيها بسمة أو ضحكة في نفس إنسان مريض يملؤه شعور بالألم, لكنه يجد لذة في الضحك إذا وجد من يرفه عنه، وكم عشنا قصصا وحكايات لا يمكن نسيانها أو محوها من الذاكرة، ولكيلا أطيل عليك فإننى لمست من خلال هذا العمل التطوعى أن معظم المرضى عاجزون عن توفير الدواء اللازم لهم، فالمعهد لا يستطيع تلبية كل طلبات المرضى، وما يصل من المتطوعين لا يساعد حتى الآن على شراء المستلزمات التى يحتاجون إليها وهي كلها حلول مؤقتة.
ولقد فكرنا في فكرة لحل المشكلة ونرجو أن يتبناها بريدكم، وهى إنشاء صندوق لرعاية المرضى، هدفه إقامة مشروعات صغيرة يعمل فيها المرضي بأنفسهم، ويستفيدون من دخولها في توفير الأدوية اللازمة لهم, فهناك نقطة غائبة عن الجميع وهي أن مريض السرطان قادر علي العمل طول الوقت، وفى أحيان قليلة يهاجمه المرض فيصبح غير قادر علي العمل، ويتم حجزه بالمعهد للعلاج، وهنا يفيض الكيل بأصحاب الأعمال من غيابهم, ولا يقدرون ظروفهم, فيطردونهم دون النظر بعين الاعتبار إلي مرضهم.. إن هذا المشروع لو تبناه بريد الأهرام فسوف يجد المريض عملا يفتح له باب الأمل في الحياة، فما رأيكم؟.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
ما أروع العمل الذى تؤدونه، وسوف يجازيكم الله عنه خير الجزاء في الدنيا والآخرة، وأحسب أن تجربتكم الرائعة سوف تتلوها تجارب مماثلة في مستشفيات أخري لكي يكتمل هذا العمل الإنساني النبيل فى ربوع مصر، وإذا كنا دائما نقول إن يدا واحدة لا تصفق، فإن المستشفيات الحكومية لا تستطيع وحدها أن تقوم بالمهمة الملقاة علي عاتقها, ولابد أن يشارك الفضلاء وأهل الخير فى إزاحة جزء من الهموم عن كاهل المرضى سواء بعلاجهم، أو المساهمة في نفقات معيشتهم.
ولدينا في بريد الأهرام مشروعات صغيرة بالتعاون مع أهل الخير للأرامل والمرضي وغيرهم، ويبقي أن يدرك رجال الأعمال أن فى أموالهم حقا لهؤلاء المحتاجين، ولو أن كلا منهم أسهم ولو بقدر ضئيل فى إغاثتهم لما وجد بيننا محتاج واحد.
لقد فتحت رسالتك باب الأمل، وأحيت في نفسي ذكريات قديمة عشتها في القرية، عندما كان أغنياؤها يهتمون بفقرائها ومرضاها، فيزورونهم، ويظلون إلي جوارهم إلي أن يتعافوا، وإنني أكرر الدعوة إلي أهل الفضل لمساندة المشروعات الصغيرة التي يقيمها بريد الأهرام للمرضي والمحتاجين، وأسأل الله أن يجعل ما يقدمونه من خير فى ميزان حسناتهم، وفى ذلك بقول الله عز وجل: «وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» (المزمل 20)، والله فعال لما يريد.
رابط دائم: