فى ظل الزيادة السكانية الكبيرة، والحالة الاقتصادية الراهنة، والحاجة للتنمية الشاملة بمصر، تصدر فتاوى تُحرِّم تنظيم النسل والأسرة، بينما يؤكد علماء الدين أنه جائز شرعا، ولا يتعارض مع حديث الرسول، صلى الله عليه وسلم: «تنكاحوا، تكاثروا، فإنى مكاثر بكم، وأباهى بكم الأمم يوم القيامة»، موضحين أن التنظيم لا يعنى التحديد أو المنع، وإنما يعنى تنظيم عدد أفراد الأسرة، بحسب إمكاناتها.
فى هذا الصدد يؤكد العلماء أن الأبناء هبة من الله سبحانه وتعالى لعباده، وأنهم زينة الحياة الدنيا، إذ قال عز وجل: «الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا» [الكهف: 46].
وكما أن الأبناء كذلك، هم أيضا أمانة وفتنة واختبار ومسئولية لا بد من أن يرعاها المرء حق رعايتها. قال تعالى: «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ» [الأنفال: 28]. كما أمرنا الله، عز وجل، بالعمل على إصلاح النفس والأهل، والنأى بهم بعيدًا عن الهلاك. إذ قال سبحانه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ» [التحريم: 6]، وقال: «وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا» [طه: 132]، وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ».
التكاتف للتوعية
فى هذا السياق يدعو الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، إلى ضرورة الأخذ بكل وسائل العلم لتحقيق الصالح العام. ويؤكد أن تنظيم الأسرة جائز شرعا، وأنه يجوز للزوجين أن يلتمسا وسيلة من الوسائل المشروعة لتنظيم عملية الإنجاب. ويطالب بتكاتف جميع الجهات للتوعية بما يصب فى مصلحة الوطن. ويوضح المفتى أن المقصود بتنظيم الأسرة أن يتخذ الزوجان باختيارهما واقتناعهما الوسائل التى يريانها كفيلة بتباعد فترات الحمل، لتقليل عدد أفراد الأسرة بصورة تجعل الأبوين يستطيعان القيام برعاية أبنائهما رعاية متكاملة ويضيف أن تنظيم النسل لا تأباه نصوص الشريعة وقواعدها قياسًا على «العزل» الذى كان معمولًا به فى عهد الرسول، صلى الله عليه وسلم.
تنظيم جائز
من جانبه يقول الشيخ عبدالحميد الأطرش، الرئيس الأسبق للجنة الفتوى بالأزهر، إن تنظيم الأسرة جائز، ولا يتعارض مع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «تنكاحوا، تكاثروا، تناسلوا، فإنى مباه بكم الأمم يوم القيامة»، فالإسلام دين نظام فى سائر العبادات كالصلاة والصيام والزكاة، وكذلك تنظيم الأسرة يُعد من بين هذه الأنظمة. ويضيف الشيخ عبدالحميد الأطرش أنه ثبت طبيا أن لبن الحامل مضر بالرضيع، مشددا على أنه عند الحديث عن تنظيم الأسرة لا بد أن نعرف أن هناك فرقا شاسعا بين كلمتى تنظيم وتحديد، إذ إن التحديد معناه المنع، والمنع معناه القتل، والأخير محرم شرعا. ويشير إلى أن الإسلام يحرص أشد الحرص على صحة الزوجة، ولهذا يجوز للمرأة ان تنظم حملها بما يتناسب مع حالتها الصحية، مؤكدا أن الإسلام أباح الإجهاض فى حالة ما إذا كان الحمل مضرا بالزوجة. ويوضح أنه فى عهد الرسول، صلى الله عليه وسلم، كان الصحابة يعزلون، فلم ينههم النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك، لأن الإسلام دين نظام، ونحن بحاجة لتنظيم شئون حياتنا، فى كل الاتجاهات بما فيها الأسرة. وفى سياق متصل يقول الشيخ محمود عاشور، الوكيل الأسبق للأزهر، إن «المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف»، كما جاء فى الحديث، وإن الكثرة القوية المتعلمة أفضل من الكثرة الضعيفة والجاهلة، مشيرا إلى أن المقصود بالتنظيم هنا أن تنظم كل أسرة عدد أفرادها بحسب إمكاناتها، لأن كل إنسان ينجب وفق إمكاناته، بحسب قوله.
رابط دائم: