رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«الحلقة العربية » فى هجوم مترو لندن

منال لطفى
ما زالت الصورة حول المشتبه فى تورطهم فى الهجوم على مترو بارسونز جرين فى غرب لندن غير مكتملة. الشئ الوحيد الواضح أن الهجوم لم يكن وراءه «ذئب منفرد»، بل خلية صغيرة من لاجئين, أثنان من العراق وسوريا عاشا معاً لبعض الوقت فى منزل زوجين يقومان برعاية اللاجئين صغار السن القادمين إلى بريطانيا.

وبخلاف ذلك تظل الكثير من الجوانب غامضة. لكن الهجوم الأخير، الذى يُكمل صيفاً حافلاً بالهجمات على بريطانيا، يفتح ملفات تتجاوز الإرهاب إلى البركسيت وسياسات التقشف واستقبال اللاجئين دون تمحيص كاف، وسط اتهامات للحكومة أن سياساتها التقشفية، التى أدت إلى تراجع عدد رجال الشرطة بنحو 20 آلف شخص منذ 2010، أحد أسباب تراجع قدرات سكوتلانديار فى مواجهة التحديات الأمنية الجديدة وعلى رأسها مواجهة «التجنيد الالكتروني».



فدراسة نشرت أمس عن مركز «تبادل السياسات» البريطاني، كتب مقدمتها القائد السابق للجيش الأمريكى الجنرال ديفيد بترايوس، أشارت إلى أن بريطانيا هى أكبر مستهلك فى أوروبا للمواقع الجهادية المتطرفة على الإنترنت، والخامسة على مستوى العالم بعد تركيا وأمريكا والسعودية والعراق. وبحسب الدراسة «تجذب الدعاية الجهادية على الانترنت المزيد من النقرات فى بريطانيا أكثر من أى بلد آخر فى أوروبا». ومع أن الشرطة البريطانية لم تعلن بشكل رسمى هوية المعتقلين على خلفية الهجوم فى بارسونز جرين، إلا أن صحيفة «ديلى تلجراف» أفادت أن أحدهما، سورى يبلغ من العمر 21 عاماً، اعتقلته الشرطة خلال خروجه من مطعم يعمل فيه للوجبات السريعة قرب منطقة هانسلو حيث يعيش فى غرب لندن فى منزل قريب من مطار هيثرو. أما المشتبه به الثاني، والبالغ من العمر 18 عاماً فهو عراقى جاء إلى بريطانيا منذ 3 سنوات. واعتقل فى بلدة دوفر السياحية بمقاطعة كنت جنوب شرق البلاد، خلال محاولته شراء تذكرة سفر للتوجه إلى فرنسا. ويبدو من الصورة الضبابية التى تتشكل تدريجياً عن الشابين أنهما مرا بتجارب مريرة. فالشاب العراقي، الذى لم يُكشف عن أسمه بعد، وعى على الغزو الأمريكى للعراق 2003 وما تلاه من صراع طائفى وحرب أهلية، ثم أصبح يتيماً مع موت والديه، إلى أن هرب من العراق ودخل بريطانيا وعمره 15 عاماً ليعيش فى منزل فى منطقة سارى جنوب بريطانيا، يمتلكه رون جونز وزوجته بنيلوبي، وهما زوجان بريطانيان قضيا حياتهما فى استضافة وتنشئة مئات الأطفال اللاجئين الفارين من مناطق الصراع فى العالم.

ووفقاً لشهادات الجيران، فإن الشاب العراقى لم يندمج أبدأً فى حياته الجديدة ولم تغادره ذكرياته عن العراق وظل متابعاً لتطورات بلده وبالتالى غاضباً وحاداً وصعب المراس. ويقول إيان هارفي، رئيس المجلس المحلى عن حزب المحافظين فى مقاطعة ساري، إن «الجيران أشاروا إلى أنه صبى صعب جدا، أحياناً يكون عدوانياً جداً. ولم يكن سعيداً عندما كان هناك أى شيء على الأخبار حول ما يحدث فى العراق». ومن شهادات الجيران، يبدو أنه حاول الهرب من منزل آل جونز. وفى مرات عدة، آخرها قبل الهجوم بنحو أسبوعين، أستدعى الزوجان الشرطة، ربما لأنه لم يعد للمنزل أو لمخاوف من احتمال استغلال غضبه وحداثة سنه لجذبه للايديولوجية الراديكالية وتجنيده. فى كل الحالات كان الشاب العراقى على رادار الشرطة البريطانية، لكنها مع ذلك أخفقت فى منع تورطه المحتمل فى صنع قنبلة يدوية لم تنفجر كلياً فى مترو بارسونز جرين ما منع سقوط قتلى فى ذلك الاعتداء.

أما الشاب السورى ويدعى يحيى فاروخ، الذى جاء إلى بريطانيا أيضا بسبب الحرب الأهلية فى بلاده، فيُعتقد أنه خرج من سوريا ومنها لمصر ومنها إلى بريطانيا. وبحسب غالبية الروايات تعارف الشابان فى منزل آل جونز، برغم أن هناك تقارير أنهما التقيا أيضا خارج بريطانيا، ربما خلال رحلة عبورهما البحر المتوسط إلى سواحل أوروبا. وفيما ترك الشاب السورى منزل عائلة جونز منذ نحو العام، للإقامة فى شقة متواضعة فى منطقة هانسلو، ظل الشاب العراقى مقيما مع الأسرة. وفى صفحته على «فيسبوك»، وضع يحيى فاروخ صورا له أمام معالم سياحية فى لندن مع الآية القرآنية «وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون». وبحسب شهادات جيرانه وأقاربه، لم يظهر يحيى تشدداً أو ميولاً راديكالية، بل كان اجتماعياً، يزوره أصدقاء ومعارف عرب لسماع الموسيقى وتناول الشيشة أو للصلاة. أما أقاربه وبينهم أبن عمه، فيقولون إنه ليس شخصا متدينا ومن غير الواضح كيف يمكن أن يكون متورطا فى عمل إرهابى فى بريطانيا، خاصة وان طموحاته تتلخص فى إيجاد عمل ومساعدة شقيقاته اللواتى تركن سوريا أيضا بسبب الحرب ويقيمن حالياً فى مصر. التحقيقات ما زالت فى بدايتها ومن المبكر الجزم بدوافع اللاجئين العراقى والسوري. لكن الهجوم الأخير وضع الحكومة البريطانية فى موقف دفاعى من جديد بسبب الاستقطاعات فى الميزانية وتأثير التقشف على عمل الشرطة وأجهزة الأمن. فمنذ 2010 انخفضت أعداد رجال الشرطة والأجهزة الأمنية بنحو 21 ألف شخص، بسبب الإستغناء عن خدماتهم فى اطار برنامج التقشف واختيار رجال الشرطة الطوعى ترك الخدمة بسبب جمود الأجور.

ومع أن وزيرة الداخلية أمير راد أعلنت أن الحكومة خصصت 24 مليون جنيه إسترلينى لعمليات مكافحة الإرهاب، أن هذا لم يكن كافياً لإقناع حزب العمال المعارض أن الإنفاق على عمل الأجهزة الأمنية يكفى لمواجهة التحديات التى تواجهها بريطانيا. فوزيرة الداخلية فى حكومة الظل، ديانا أبوت، عبرت عن مخاوفها من ضعف الموارد المخصصة لعمل الشرطة فى ظل تصاعد الهجمات الإرهابية. وقالت العضوة البارزة فى حزب العمال لمحطة «بى بى سي» إن تقليص الموارد المخصصة لعمل الشرطة «ربما شكلت تهديداً لقدرتنا على الرد على الإرهاب». أما حقيقة أن أحد المشتبه بهما حاول الهروب من بريطانيا إلى فرنسا عبر ميناء دوفر، فتخدم بشكل صريح هؤلاء الذين لطالما أعربوا عن رفضهم لفكرة «الحدود المفتوحة» فى أوروبا والمتحمسين لخروج خشن من الإتحاد الأوروبي. فخلال العامين الماضيين على وجه التحديد، تحركت غالبية العناصر المتورطة فى هجمات فى القارة الأوروبية، سواء فى بريطانيا أو بلجيكا أو فرنسا، بحرية عبر القارة لتجنيد عناصر أو للتمويل أو للتنسيق.

وخلال الحملة التى سبقت استفتاء البقاء أو الخروج من الاتحاد الأوروبى فى يونيو 2016، كانت المخاوف التى يبديها معسكر الخروج من أوروبا من الهجرة وأزمة اللاجئين، واحدة من القضايا الأساسية التى رجحت الكفة لصالح الخروج من الإتحاد الأوروبي. وكل هذا يضع ضغوطا متزايدة على حكومة تيريزا ماى التى تريد أولا ضبط الإنفاق العام ومواصلة سياسات التقشف، دون أن يؤثر هذا على أداء الشرطة ومواجهة التحديات الأمنية. لم يكن هذا الهجوم الأخير ليأتى فى وقت أسوأ بالنسبة لتريزا ماي. فمعارضوها، يتهمونها بفقدان البوصلة فى كل الملفات بعد نتائجها السيئة فى الانتخابات العامة فى يونيو الماضي. والتحديات لزعامتها تتعزز كل يوم من المعسكر الذى يريد خروجا خشناً «يحمي» بريطانيا من الأبواب المفتوحة والهجرة واللاجئين. ومن بين كل الوجوه يبدو وزير الخارجية بوريس جونسون الأخطر على ماى فى الوقت الراهن، فخطابه الحماسى يجذب الكثيرين. ومع الهجوم الأخير، فإن الحماسة له ولنهجه المعادى لحرية انتقال الأفراد واللاجئين سيجد صدى أكبر فى ذلك الوقت الحاسم من مفاوضات الخروج، وقبل أسابيع من المؤتمر السنوى لحزب المحافظين، الذى سيكون حاسماً بالنسبة لمستقبل ماى على رأس الحزب والحكومة.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق