أقدارنا كظلالنا أينما نذهب تتبعنا منذ بدء لحظة الخلق وحتى صمت القبور.. وقدر هؤلاء النسوة قاس ومؤلم حيث وجدن أنفسهن فى بلد تفتك به الحروب الطاحنة، التى لا تبقى على أخضر ولا يابس، يحوطهن التطرف من كل جانب ويفرض عليهن القيود، فيحرمهن من اختيار مصائرهن ويحرم عليهن الحرية بجميع أشكالها ويمنعهن من التعليم والعمل، ولو أستطاع لحرمهن من حق الحياة ..
إنه الواقع المفروض على المرأة الأفغانية، التى فى نظر رجالها «أمه»، خلقت لخدمة الأب والأشقاء فى البداية ثم خدمة الزوج والأبناء دون الحصول على أدنى حقوقها الآدمية، والأدهى أنه من بينهن من يزيد القدر من أعبائها ويحملها فوق طاقتها، بموت زوجها.. عائلها ورب أسرتها، فتبدأ معاناتها بداية من انقطاع دخلها المادى مرورا بالمخاطر والاعتداءات التى تتعرض لها وصولا لإجبارها على المكوث فى المنزل وعدم السماح لها بالاختلاط وكأنها أصبحت وصمة عار، وهو ما دفع عدد منهن للفرار من الواقع المؤلم والتحكمات الظالمة والبحث عن مأوى أكثر أمانا لهن ورحمة بهن ورفقا بظروفهن, وذلك بحزم حقائبهن والتوجه إلى تل «زانا أباد» أو كما يطلقون عليه «تل الأرامل» ليس بحثا عن الرفاهية والنيل من متع الحياة بل فقط للحصول على أدنى مراتب الحياة الآدمية. وقد سعت مؤخرا عدد من الصحف ووسائل الإعلام الأجنبية لمعرفة من هن النسوة اللواتى قررن الاستقرار فى هذا التل؟ وما هى قصصهن؟ ولماذا تركن بيوتهن وذهبن للإقامة هناك؟ وهل كان ذلك بدافع التمرد على التقاليد والعادات أم هربا منها ؟ بدأت القصة فى بداية التسعينيات حينما وضعت أول سيدة قدميها على هذا المنحدر الصخرى الذى يقع على بعد ١٥ كيلو مترا جنوب شرق العاصمة كابول، أملا فى الهروب من الخطر المحيط بها.. ثم تبعتها مجموعة من النساء واحدة تلو الأخرى ثم قمن ببناء أكواخ طينية تشبه القبور فوق الأرض، ورغم أن تلك الحياة لم تكن سهلة ولم تنقذهن من الفقر إلا فإنها تعد أفضل حالا. ومن بين تلك النساء «أنيسة عظيمي»، ٣٨ عاما، جاءت مع والدتها منذ ١٥ عاما، وقد تحدثت عن تجربة والدتها قائلة «جاءت والدتى وكنت أنا وأشقائى الأربعة برفقتها حيث كانت تعيش فى البداية حياة عادية برفقة والدى ولكنه قتل إثر إصابته بقذيفة ثم أجبرت على الزواج من شقيقه الذى رحل هو الأخر بعدما أعياه المرض. ولعدم وجود مصدر مادى لها فى ظل ارتفاع أسعار إيجار العقارات بالعاصمة، فقد اضطرت للرحيل لإحدى الضواحى بحثا عن مكان أكثر أمانا وغير مكلف، وبالفعل استقرت على التل وتدريجيا بدأت النساء الأرامل يتوافدن عليه وسرعان ما أصبح ملاذا لهن بعيدا عن العنف والقهر». وفى مبادرة من أجل التحسين من أوضاعهن، قامت عدد من النساء متقدمات السن اللواتى أطلقن عليهن «الأمهات» بتنظيم فصول محو الأمية وورش خياطة بمساعدة أحدى المنظمات غير الحكومية، التى تدعمهن بالمواد الغذائية. ورغم اعتمادهن على أنفسهن من اجل العيش فإنهن واجهن صعوبات جمة، من بينها مداهمة الشرطة لمنازلهن عدة مرات، وكانت الشرطة فى كل مرة تهدم منازلهن حتى اضطررن لإعطائهم رشاوى اتقاء لشرهم. وقد وصل عدد القاطنات «زانا باد «إلى ٥٠٠ أرملة ويزداد عددهن يوما بعد يوم. وطبقا لما ذكره تقرير الأمم المتحدة، فإن الحروب والنزاعات التى استوطنت الأرض الأفغانية منذ نحو ٣ عقود، أزهقت ملايين الأرواح وخلفت أكثر من ٢,٥ مليون أرملة، أغلبهن يقعن تحت سطوة المجتمع الذكورى الذى يحرم المرأة من التعليم أو الخروج للعمل واكتساب الخبرات لذا فإنها تقع فى مأزق إذا مات زوجها، وفى أفضل الأحوال تحصل على ١٥٠ دولارا سنويا من الحكومة، وما يمكنها القيام به هو الأعمال المنزلية والحياكة فقط, لذا فقد نفذت الأمم المتحدة برنامجا إنمائيا تعاونيا صغيرا الهدف منه تعليم ١٠٠ امرأة فقيرة العمل بالزراعة والفلاحة ٨٠ منهن أرامل.
رابط دائم: