اللائحة هى إحدى حلقات دورة التشريع ،التى تبدأ بالدستور ويحوى المبادئ العامة للتشريع، يليها إصدار القوانين، وتنتهى مرحلة التشريع بصدور اللائحة التنفيذية للقانون،ليبدأ العمل به من خلال تاريخ التصديق عليه فى الجريدة الرسمية،وإذا كان من حق البرلمان إصدار تشريعات وقوانين، فإن للسلطة التنفيذية أن تؤجل تطبيقه عبر هذا الباب، المعروف باللائحة، لكن هذا التصور ليس مفهوما فى حالة البرلمان والحكومة الحاليين،
حيث لم يقدم البرلمان سوى قانونين فقط تمت الموافقة عليهما، من إجمالى القوانين التى تمت الموافقة عليها وقُدمت جميعا من قبل الحكومة، ما يعنى أن الحكومة هى من قدمت أغلب مشروعات القوانين التى مررها البرلمان، وهو ما يجعل تبرير تباطؤ الحكومة فى إصدار اللوائح التنفيذية للقوانين بسبب رغبة فى تأجيل تنفيذها ،غير مقبول، والأمر مثير للدهشة والاستغراب معا.. حاولنا أن نفهم لماذا تقضى قوانين مهمة مثل قانون الهجرة غير المشروعة والتأمين الصحى على الطلاب وقانون الإجراءات والطعن والانتخابات، والكيانات الإرهابية ،زمنا طويلا فى «تلاجة» الحكومة؟، خاصة أنها هى من قدمتهما، لم يكن الأمر ميسرا، فقد حاولنا الوصول إلى المسئولين المباشرين فى الحكومة لاستبيان الحقيقة منهم، لكننا لم نتلق ردا.
وفى المقابل تقدم عضو مجلس النواب النائب على عبد الواحد بطلب إحاطة للحكومة، بسبب تأخر إصدار اللوائح التنفيذية لبعض القوانين، يقول نحن نعمل فى مجلس النواب على تشريع القوانين، ويكون على الحكومة أن تقوم ببلورتها بعمل لائحة تنفيذية،فمثلا قانون الخدمة المدنية، الحكومة تجاوزت الفترة القانونية المنصوص عليها فى القانون لصدوره، رغم أهميته، وهذا التأخير فى اللوائح يعيق تنفيذ القانون، ويذهب بمجهود المجلس سدى كما يبدو تكاسل الحكومة غير مبرر، خاصة فى ظل احتياج الدولة لمثل هذه القوانين.
إذن فى رأيك ما أسباب الحكومة فى تأخير صدور اللوائح الخاصة بهذه القوانين؟، عبد الواحد أجابنا قائلا الحكومة ما زالت تعمل بنظام الجزر المنعزلة، لا يبدو أن هناك ترابطا بين الجهات المسئولة، جميعهم يلقى بالمسئولية على بعضهم البعض، ورغم ضرورة هذه القوانين إلا أنهم لا يلتزمون بالوقت الذى يحدده المشرع فى القانون، ناهيك عن أننا أصلا لا نملك رفاهية الوقت، فى حين أن الدولة بحاجة ماسة إلى مثل هذه القوانين، فلماذا يتأخر صدور لوائحها التنفيذية ؟!، فى حين أنه من المفترض أن تصدر اللائحة التنفيذية لأى قانون خلال 3 أشهر من صدوره ،سواء نص القانون على صدورها فى مدة زمنية محددة أو لا، لكن الحكومة لا يقيدها ذلك، فقانون الهجرة غير المشروعة صدر فى أكتوبر الماضي، ورغم أنه ألزم المشرع بإصدار لائحته التنفيذية خلال 3 أشهر، ومع ذلك، مر 11 شهرا ولم تصدر لائحته حتى الآن، وقانون الكيانات الإرهابية أيضا حتى الآن لم تصدر لائحته التنفيذية، لماذا ؟!، لا أحد يعرف، ويتساءل النائب: هل هناك خلاف بين الوزارات حال دون إصدار اللائحة، وقانون الرياضة والجامعات غير الأهلية، وقوانين التأمين الصحى على الطلاب، وقانون زرع الأعضاء، وقانون الهيئة الوطنية للانتخابات، وتعديل قانون الإجراءات والطعن والانتخاب،وقانون الهيئة القومية لسلامة الغذاء، والقانون الذى يقضى بتحويل نسبة من الصناديق الخاصة للموازنة، التى لم تصدر لها لوائح تنفيذية حتى الآن، فغُلت أيدى السلطة التنفيذية عن تنفيذ القانون، وفى الوقت نفسه فإن قوانين مثل قانون القيمة المضافة، صدرت لائحته التنفيذية فى وقت قياسي، وهو ما يعنى أن الحكومة على عجل من أمرها فيما يخص القوانين الاقتصادية، بينما القوانين ذات الجدوى الاجتماعية لا تحظى بنفس الاهتمام من قبل الحكومة ،ويؤدى ذلك فى النهاية إلى أن المواطن والرأى العام يوجهان اللوم إلى البرلمان، ويظنان أنه هو الذى لا يقدم سوى قوانين ذات جدوى اقتصادية ولا يهتم بأحوال المواطن الأخري، بينما الحكومة هى من تفعل.
ولكن المشرع أحيانا يستخدم حقه فى تحديد مدة زمنية لصدور اللائحة التنفيذية الخاصة بالقانون،وأحيانا أخرى يفرط فى ذلك الحق، وهو ما يعتبر بمثابة مدخل لتأخر صدور لوائح بعض القوانين عن غيرها المحددة بمدة زمنية لا يجوز تجاوزها.. النائب هيثم الحريرى يوضح أنه حتى ولو لم يستخدم المشرع حقه فى تحديد مدة زمنية تصدر خلالها اللائحة، فهل يعنى ذلك أن للحكومة الحق فى أن ترى هذه القوانين غير مهمة؟!،خاصة أن الحكومة تشارك فى المناقشات داخل المجلس وداخل اللجان، وبالتالى فالسؤال الذى يجب أن يُطرح، هو لماذا تتباطأ الحكومة فى إصدار لوائح القوانين رغم مشاركتها فى إصدار القوانين نفسها؟، أم أنها تتحدث فى اتجاه وأفعالها فى اتجاه آخر؟، فمثلا قانون الهجرة غير المشروعة، تحدثت الحكومة عن خطورة الهجرة غير المشروعة وضرورة إصدار قانون يحد إنتشارها، وتجاوب مجلس النواب معها، وأصدر القانون، ثم بالنهاية تباطأت الحكومة فى إصدار اللائحة التنفيذية للقانون، وهذا أمر محل تعجب واستفهام.
ولكن، هل بيد البرلمان شىء، فى حال تباطؤ الحكومة البادى فى إصدار اللائحة التنفيذية لمثل هذا القانون؟.. الحريرى أجاب إنه من حق المجلس استدعاء رئيس الوزراء وسؤاله عن أسباب تباطؤ الحكومة فى إصدار اللوائح التنفيذية للقوانين، وإلا تصبح التشريعات الصادرة من المجلس ليس لها إعتبار.
الموافقة على الاستجواب
د.نور فرحات الفقيه الدستورى وافق الحريرى الرأي، قائلا إن القانون غالبا يُنص فيه على أن تصدر اللائحة التنفيذية خلال فترة محددة، وتصدر اللائحة عن السلطة التنفيذية، وأنه فى حال عدم صدور اللائحة ،فإنه من حق البرلمان دستوريا تقديم استجواب لرئيس الوزراء لامتناع السلطة التنفيذية عن ممارسة مهامها الدستورية، وإذا تمت الموافقة على الاستجواب، فإن ذلك بمثابة اتهام للحكومة، ويعتبر إدانة سياسية، قد تفضى بالنهاية إلى استقالة الحكومة.
أردنا أن نعرف من ممثلين عن الحكومة، مبرراتهم أو الأسباب التى يمكنها تأخير إصدار اللوائح التنفيذية.
حسن بدراوى مساعد وزير العدل لشئون التشريع، أجابنا قائلا اللائحة لا تعطل القانون، لكنها تضع القواعد القابلة للتطبيق للقاعدة القانونية الصادرة، بحيث إن القاعدة القانونية فى الأصل تكون قاعدة عامة مجردة غير قابلة للتنفيذ بذاتها، بينما فى التنفيذ لابد من توضيح هذه التنفيذيات، وهى ما تركها المشرع تصدرها السلطة التنفيذية مبينة، وتصدر موضحا بها الإجراءات التنفيذية الخاصة بالقانون.
ولكن لماذا تتأخر لوائح بعض القوانين؟ أخبرنا بدراوى أنها البيروقراطية الطبيعية الخاصة بالجهاز الإدارى للدولة، فاللوائح تمر بمراحل، تحت الدراسة، والتطبيق العملي، والمراجعة بهدف عدم التغيير كثيرا فى المستقبل ،ثم تتحول إلى لجنة ، ومن لجنة إلى أخري، حتى تصدر، فلكل لائحة ظروف، لكنه لا يمكن إدراجه تحت مصطلح تعطيل، إنما يمكن اختصار ذلك فى عبارة واحدة هى البيروقراطية.
رابط دائم: