شبه حصار كان يمنع وصول صوتى ويحول بينى وبين حقى كابنة لنجيب محفوظ
تسربت لدى البعض أوراق خاصة من التى كانت موجودة بشقة العباسية
اخترت الأهرام لأنه يحتل المرتبة الأولى فى المصداقية بين عموم الشعب .. وكان بيت أبى
حاول البعض التسلل إلى جزء من الهبات التى أودعها أبى فى البنوك
«الأهرام هو بيت أبى».. هكذا قالت أم كلثوم نجيب محفوظ فى رسالتها المكتوبة الأولى وحملت عنوان «هذه شهادتى» ..وأضافت: لذلك اخترته لكسر الحصار الذى كنا نشعر به لحجب كل محاولات الرد» .. والأهرام بيت نجيب محفوظ ومنبره على مدى سبعة عقود ينشر رسالة ابنة عميد الرواية العربية كما هي،احتراما لمكانته وحقها فى الرد على كل الآراء والافتراءات والادعاءات التى تناولت والدها وأسرته منذ انتقل إلى رحاب ربه فى أغسطس 2006 حتى أغسطس الماضي، خاصة بعد تصريحاتها عن قلادة النيل.
يتعرف القارئ لأول مرة كتابة على مثقفة مصرية . متحضرة . هادئة . مرتبة تجيد التعبير عن فكرتها بوعى وإحساس ومسئولية، وقد حرصت «أم كلثوم» على التوقيع على كل ورقة حتى تكون رسالتها وثيقة للباحثين عن الحقيقة.
في نهاية عام 2006 اتخذت قرارا لم يكن هينا بالقياس إلي طبيعتي، وما التزمناه طيلة حياتنا ـ نحن أسرة نجيب محفوظ ـ لما فضلنا أن تكون لنا حياة أسرية عادية مثلنا مثل ملايين من الأسر المصرية. في هذا التوقيت شعرنا أن »المتطوعين« الذين نصبوا من أنفسهم «متكلمين» باسم نجيب محفوظ وأيضا باسم أسرته، قد تجاوزا كل حدود الصدق وبلغوا حدا يمكن وصفه علي الأقل بأنه «بعيد عن الحقيقة» ودسوا رءوسهم في علاقة نجيب الأب وبناته، واستخرجوا ما اعتبروه «حقائق» وهو بعيد عن كونه كذلك، وألصقوه بنا سواء علاقة نجيب وبناته أو حتي علاقته بأمي ـ الزوجة ـ التي قضت عمرها تظل وتحمي.. أقول إنني وجدت ليس أعمال نجيب محفوظ، بل حياته وأسرته موضعا لكتابات وتصريحات بعيدة كل البعد عن الواقع الذي عشناه..
حاولت في كل مرة أقرأ فيها مايشهد كذبا أو يدعى معرفة بأحوال نجيب وأسرته أن استخدم الحق القانونى في الرد علي نفس الصفحات التي انطلقت منها السهام، ملتزمة بالحقائق كما عشتها وعايشتها، لكن المفاجأة أن شبه «حصار» كان يمنع وصول صوتي ويحول بينى وبين حقي كابنة لنجيب محفوظ وكشاهدة حية في إعلان ما أراه الحقيقة، حتي لم أجد أمامي غير الظهور علي شاشة التليفزيون في ديسمبر عام 2016 بناء علي دعوة كريمة من الأستاذ شريف عامر بشاشة «الام بى سى».
لابد أن أسجل أن مايشبه «الحرب» قد بدأ عقب وفاة والدي مباشرة.. ظهرت سلاسل من الحوارات ادعت أن والدي رحمه الله كان الطرف الرئيسي فيها، اشتملت علي أمور يمكن وصفها بالكيدية والشخصية، مما دفع والدتي ـ رحمها الله ـ لمحاولة البحث عن الأصول الصوتية لهذه الحوارات خاصة أن والدتي في كل المرات التي كان والدي يدلي فيها بأحاديث مسجلة كانت حاضرة، مما اضطرنا إلي الاستعانة بمحامي لوقف الكتابة والتدخل في الأمور الشخصية.
أيضا بعد رحيل الوالدة كنت أحاول أن أرد، ولكن الحجب والمنع كان مصير ما أرسله كردود.
الشعور بالحصار وحجب كل محاولات الرد التي كنا نرسلها إلي الصحف والمجلات كانت هي الدافع لقبول عرض الظهور علي التليفزيون، وكانت هي الحل الوحيد للرد علي سلاسل الهجوم علي نجيب محفوظ وعلاقته بأسرته، وبلغت درجة من الاستباحة والتشكيك، حتى كتب أحدهم صفحة كاملة كان أغلبها يؤكد أنه لاعلاقة حقيقية تربط بنات نجيب محفوظ بوالدهن، وأنهن لايعلمن شيئا لا عن شغله ولا عن حياته كأب وكزوج، وأن الأصدقاء هم «العارفون» حتي بتفاصيل علاقته ببناته وأمي. لكم أن تتصوروا، ما كان يحدثه هذا الكلام فينا جميعا، كان موجعا لدرجة ربما لايمكن تصورها. كنا أنا وأختي «نذبح أحياء»
من له الحق في الحكم علي علاقة زوج بزوجته أو أب ببناته، خاصة مع زوج وأب مثل نجيب محفوظ، كان معروفا عنه أنه يميل إلي المحافظة وفصل شئونه الشخصية عن الحياة العامة، وارجعوا إلي كتاب الأستاذ رجاء النقاش «نجيب محفوظ» وما قاله نجيب محفوظ عن رؤيته لحياته الشخصية، وكيف يري أن الأصح والأصوب هو احترام خصوصية هذه الحياة بعيدا عن الشأن العام. كان ما يكتبه البعض عن أسرة نجيب محفوظ يكاد يصور الأمر وكأن أبي لا زوجة له ولا بنات بأسلوب استباح كل الأعراف والقيم.
لقد تعجبت من الضجة التي أحدثها ظهوري في برنامج الأستاذة مني الشاذلي، وبالذات ما تعلق بموضوع فوزه بجائزة نوبل. وهي نفس القلادة الذهبية التي نالها عمي توفيق الحكيم والتي علمنا من والدنا أنها ذهبية.
يبدو أن لون القلادة آثار بعضا من الشك لدي أمي رحمها الله فأرادت مجرد الاطمئنان ولجأت إلي صائغ الأسرة الذي أكد أنها فضة مطلية بالذهب.
لم أكن في حواري مع مني الشاذلى أروي هذه الحكاية للمرة الأولي فقد أجري معي الأستاذ محمد شعير حوارا مطولا في جريدة أخبار الأدب منذ عامين، تكلمت فيه عن نفس الموضوع بكل التفاصيل، ونشر الحوار في الجريدة(أخبار الأدب)، التي من المفروض أنها جريدة المثقفين)، ولم يعلق أحد ولم يكتب مثقف واحد لاتعليقا ولا سؤالا حول كيف يمنح نجيب محفوظ قلادة فضية مطلية بالذهب، وليست ذهبية، والمذهل أن برنامج التوك شو البيت بيتك كان يعرض علي قناة ten ) اشار الي الحوار وأجري مداخله مع الأستاذ محمد شعير (وكان الصمت التام هو كل رد الفعل علي المستوي الثقافي والرسمي وحتي علي مستوي الناس). أردت التأكيد علي أنها لم تكن المرة الأولي التي أتكلم فيها عن موضوع القلادة. ولعلني أجدها فرصة بعد إثارة هذا الموضوع أن أسجل ما يمكن اعتباره نوعا من الشهادة اخترت لها أن تظهر علي صفحات جريدة الأهرام، التي تحتل المكانة ولها المرتبة الأولي في المصداقية لدي عموم الشعب الذي أنا واحدة منه، وقبل ذلك هو كان بيت نجيب محفوظ الثاني الذي علي مدي العمر، لم يفرط فيه نجيب محفوظ، وحافظ علي مكانته حتي آخر يوم. الأسلوب الرصين الذي عرفه العالم عن جريدة الأهرام واحترام الأهرام للكلمة يشجعني علي توجيه نوع من الرسالة أوضح بها أو من خلالها ما أتصور أنه الحقيقة والواقع الذي كنت جزء امنه وشاهدة عليه.
هناك متكلمون عديدون، يقدمون أنفسهم بأوصاف شتي لا يهم الآن ما يصفون به أنفسهم من مكانة أو كيف كانت علاقتهم بنجيب محفوظ، وجزء من هؤلاء كما أشرت سابقا خاصة فيما لا يعرفه حول أبي وعلاقته بنا.
أود أن أوضح أنني لا أكتب ذلك إلا رغبة في توثيق عدة حقائق متعلقة بدرجة قرب البعض أو بعدهم عن نجيب محفوظ، وهذا أمر أشعر أن وقته قد حان بعد كل هذه السنين التي تلت رحيل أبي وشهدت صنوفا من التعدي علي حياته الخاصة، وبل التفتيش في النوايا والضمائر.
كما عشت كابنة لنجيب محفوظ لعقود طويلة أقول إن أصدقاء أبي رحمهم الله، أو الحرافيش كانوا دائرة من شخصيات تتقارب أعمارها مع أبي، وهذا كلام موجود، وهناك مرجعيات موثقة لمن هم هؤلاء الأصدقاء. هناك نوع أخر من العلاقات ارتبط نجيب بشخصيات كانت تعتبر نفسها أبناء له أو تلامذة له. ونوع ثالث عقب محاولة الاغتيال في 1994 اتسعت دوائر المقربين من والدي رحمه الله.
وكان والدي في المستشفي ولاحظت المستشفي أنه بحاجة إلي نوع من الدعم والتشجيع والتواصل فأستدعوا له الدكتور يحيي الرخاوي الذي تولي تنظيم الخروج علي مدى الأسبوع فاتسعت الدائرة. هناك علاقات عمل دخلت دائرة حياة أبي بعد محاولة الاغتيال أبرزها كانت علاقته بالأستاذ محمد سلماوي قد بدأت من ترشيح والدي له لاستلام الجائزة بعد رفضي أنا وشقيقتي الذهاب لكن علاقة العمل بدأت بعد 1994 بعد أن عرض الأهرام فكرة إجراء حوارات، وان أبي غير قادر علي الكتابة، فكان الحوار هو البديل.
تقدم كل من الأستاذ فتحي العشري والأستاذ محمد سلماوي بعرض إجراء هذه الحوارات، لكن الأستاذ فتحي العشري كان قد تكرم مشكوراً بمساعدة أبي منذ حصوله علي نوبل، كانت مساعدة مرتبطة بما جري بعد نوبل.
واقترح الأستاذ إبراهيم نافع أن تستخدم غرفة توفيق الحكيم بالأهرام لاستقبال العدد الهائل من الزائرين وخاصة الأجانب.
لم يكن والدي بحكم طبيعته يحب التدخل حين تتعلق مسألة باختيارات ولهذا ترك أمر تحديد الشخص الذي يتولي اجراء الحوارات إلي الأهرام. من هنا بدأ اقتراب الأستاذ محمد سلماوي من أبي عبر إجراء الحوارات للأهرام. كانت هناك في حياة أبي أسماء وشخصيات أكثر قربا دخلت حياته كأبناء وتلاميذ من أواخر الخمسينيات واقتربت منه لدرجة صادقة وحقيقية حتى آخر يوم في عمره. وهذه الأسماء عرفت بقربها من محفوظ شخصيا، ورغم هذا القرب ـ وقد كانوا في منزلة الأبناء ـ لم تحاول الادعاء إنها تعرف عن محفوظ وحياته الخاصة وعلاقته ببناته شيئا، كما لم تدخل في مناخ (التجارة) بدرجة القرب أو البعد عن محفوظ، وهو الأسلوب الذي تبناه بعض الذين دخلوا حياة محفوظ بعد محاولة الاغتيال، ليصوروا أنهم وجدهم يعرفون عن محفوظ وزوجته وبناته ما لا يعرفه الآخرون. من حين لآخر نلمح في تصريحات هؤلاء نوعا من التجريح والترويج لطبيعة علاقة محفوظ وأسرته، ولعل بعضهم أراد تبرئه نفسه من ممارسات مخلة بالأمانة والثقة التي منحها لهم محفوظ.
لقد اكتشفنا نحن أسرة محفوظـ حتي قبل رحيل والدتي ظهور مخطوطات وأوراق متعلقة بأبي، وأعماله في عواصم غربية وعربية، وحاول البعض بعد رحيل أبي التسلل إلي جزء من الهبات التي أودعها أبي في البنوك، ولولا ستر الله الذي تجسد في يقظة وأمانة موظفين في هذه البنوك لضاعت هذه الهبات التي حرص والدي رحمه الله علي أن يجتزئها من جائزة نوبل، وكانت هي الربع الخاص به بعد أن قسم الجائزة أربعة أجزاء ، بيني وبين أختي وبين والدتي وخصص الجزء الخاص به للهبه.
الذين يمنحون أنفسهم حقوق من بينها الحكم علي صدق أو علي علاقة نجيب ببناته بإعتبارهم مقربين منه يمارسون نوعا من الادعاء والوصاية.
لقد التمست أسرة نجيب محفوظ بعد رحيله ممثلة في أمي رحمها الله وشقيقتي رحمها الله وأنا نوعا من الهدوء والتعفف أحيانا علي رد الذين استباحوا حياتنا الخاصة، وبلغت بهم الجرأة بفرض رؤيتهم علي علاقتنا بالله سبحانه وتعالي ووصل هذا حد الابتزال والافتراء حين وصفوني أنا وأختي وأمي بـ«الداعشيات». وهذا درك من الإسفاف ونوع من التطرف الذي يفتش في العلاقة بين الإنسان وبين ربه ويصل أيضا إلي حد الجريمة باختلاقهم حكما حول علاقتنا بنجيب ومشروع نجيب الأدبي.
ولعله كان من الأجدر أن أكتب في مقدمة رسالتي التي اخترت لها صفحات الأهرام،عن حجم الدهشة التي تصيبني كلما كتب أحدهم أو صرح بأن محفوظ رحمه الله قد منحه هدية ذلك المخطوط أو تلك الورقة. مع تقدم العمر بأبي ووهن الصحة، كان هناك من يلتقون به على انفراد وبشكل منتظم بمبرر العمل، وكانت أمي رحمها الله تحس بقلق بالغ من ممارسات هؤلاء الناس الذين كشف الزمن عن صدق حدس أمي ازاءهم، فكأنها كانت تري ما جري بعد ذلك بسنوات، حين تسربت إليهم أوراق تخص أبي سواء في الفترة الأخيرة من مشروع أبي، أو تلك التي كانت موجودة بشقة العباسية التي كان يعيش فيها مع والدته.
هذا جزء من شهادتي أنا أم كلثوم نجيب محفوظ علها تضع الأمور في نصابها الواجب
أم كلثوم نجيب محفوظ
12/9/2017
رابط دائم: