تعيش «نهي» فى بيت كبير فى (كومباوند) مترف بإحدى المدن الجديدة مع زوجها وابنيها.. حياة لا ينقصها شئ من الخارج فالأولاد تجاوزوا العشرين وأنهوا الدراسة فى جامعات مرموقة والزوج كريم وحالته المادية ميسورة لكنها مع ذلك تعمل من مطبخها فى تجهيز الوجبات المنزلية وبيعها وتدخر القرش على القرش طوال سنوات حتى نجحت أخيرا فى شراء شقة تعتبرها صغيرة كتبتها باسمها وتقول الآن فقط شعرت بالأمان.
ما الذى يدفع امرأة فى مثل هذه الظروف لعدم الشعور بالأمان؟.. ما الذى يدفعها للبحث عن عمل خاص لا يمثل شيئا قياسا الى ثروة زوجها المهولة؟.. إنه الإحساس بالأمان الذى لم تجده.. الخوف من أن تتبدل حياتها بين يوم وليلة وتقول: لا أحد يأمن لغدر الرجال ولا أريد أن أكون تحت رحمة أحد حتى ولو كان زوجى الذى لم أر منه أى بادرة غدر لكن (مفيش حاجة مضمونة والست لازم تأمن نفسها)
تمتليء ذاكرة النساء بقصص متنوعة لرجال غدروا بهن.. هناك من طلقها زوجها بعد سنين الكفاح ولم تجد حتى مكانا تقيم فيه، وهناك من تزوج عليها شابة أصغر استولت على قلبه وماله، وهناك من عشن فى رغد لكن تحت رحمة عطايا الزوج التى لا يمكنها العيش بدونها..
كم من النساء تحملن أزواجا سيئين فقط لأسباب مالية فى المقام الأول!.. كم من امرأة شاركت زوجها رحلة كفاحه ثم وجدت نفسها على الرصيف لا تمتلك من حطام الدنيا شيئا وغيرها تنعم بما تعبت هى من أجله!..
فى مجتمعنا لا يعتبر الرجل أن زوجته شريكة فى أمواله التى تكونت فى أثناء الزواج، وإن طلبت الطلاق فليس لها إلا حقوقها الشرعية ــ إن كان منصفا ــ او عليها أن تتنازل عن كل شئ ليطلقها او يساومها على الإبراء او الخلع.
نبيلة سيدة ستينية حصلت على الطلاق أخيرا بعد 27 عاما من الزواج تحملتها بالطول والعرض من أجل ثلاثة أبناء هاجروا بمجرد أن كبروا وتزوج زوجها الطبيب الشهير من ممرضته الشابة فى شقتها وانتقلت هى لتعيش فى شقة إيجار جديد، تتنظر مكالمات أولادها المهاجرين وإعانتهم المادية التى انقطعت كنوع من الضغط عليها لتعود لوالدهم وتقول: يا ريتنى عملت حساب اليوم ده كنت أتصور أن أولادى هم ثروتى الحقيقة، كنت أتوقع غدره بى لكننى لم أتوقع الغدر من أبنائي..
صحيح قالت جداتنا من قبل «يا مآمنة للرجال» لكن لم تكن لديهن حالة التربص التى أصبحت لدى نساء هذا الزمان.. كانت الأجيال السابقة لا تعرف الطلاق عموما ولا تعرف الخلع ولا حتى الطلاق على الإبراء إلا فيما ندر.. اليوم ربما لا نجد امرأة حصلت على حقوقها الشرعية كاملة إلا من رحم ربي، وأصبح الطلاق معركة حقيقية تخسر فيها المرأة غالبا سواء رضخت لشروط الزوج أو لم ترضخ.
هناك اتجاه عام بين النساء يتضح فى كتابتهن وصفحاتهن على مواقع التواصل الاجتماعى حيث يتفقن جميعا على أن سندك هو قرشك وصحتك،
(نشوي) زوجة شابة تعمدت قبل الزواج أن تخبر زوجها برقم أقل كثيرا عما تتقاضاه من أجر، طبعا لأنها تنوى أن تدخر جزءا من مالها.. فلا أحد يعلم ماذا يخبئ الغد. أما (رباب) فهى شابة ثلاثينية لم تتزوج ولم تجد الرجل المناسب كما تقول لأن أغلب الرجال أصبحوا ماديين ويسألونها عن راتبها وهو ما تعتبره مؤشراً شديداً على الطمع ونية الغدر بالرغم من أن السؤال قد يكون بحسن نية.
قديما كانت النساء عندما تفكر فى حسابات الزمن تشترى المصوغات والذهب وتنزعها بمجرد أن يحتاجها الزوج.. اليوم أصبحت حسابات فلوسى وفلوسك أهم من الثقة والشراكة الحقيقة بين الزوجين.. لا يمكن لوم المرأة التى تدخر من مالها للزمن طالما لا توجد قوانين تحميها فى مثل هذه الحالات، وطالما كانت تعيش تحت تهديد زوج بأنه قد يتزوج بأخرى او أنه يستغل أموالها ويجبرها على إنفاق كل ما تكسبه فى المنزل، أو أنها كربة منزل لا تعلم شيئا عن دخل زوجها وهو لا يعتبرها شريكة حقيقية.. لكن هذه الطريقة فى التفكير قد تحمل فيروسا مدمرا للزواج قبل بدايته كما تقول د.نادية رضوان أستاذ علم الاجتماع، ولابد من أن تكون الثقة هى الأساس وتحديد الأمور بشكل معلن وواضح قبل الزواج وخاصة الموضوعات المادية لأنها من أكثر الأمور التى تفسد الزواج، ولابد من الاتفاق عليها وعدم التحرج من التحدث بشأنها، وعلى كل شاب وفتاة وكل زوج وزوجة طرحها للنقاش واتخاذ قرارات حاسمة بشأنها تنهى الجدال او إحساس أى طرف بطمع الطرف الآخر فيه..
لا مانع من أن تدخر المرأة لمستقبلها وتؤمن نفسها لكن دون تحفز او تربص بالرجل الذى يبدو فى نظرها غادراً وإن أثبت العكس.. وعليها ألا تتعامل معه بنظرية أفترض سوء النية الى أن يثبت العكس.. لا زواج بدون ثقة، ولا أمان بدون حب وشراكة حقيقية مع الطرف الآخر.
رابط دائم: