تتراوح العلاقات بين إيران وحركة حماس فى غزة بين التقارب والتباعد ولكنها لم تنقطع او تتوقف، حتى عندما اتخذت قيادات حماس التى كانت تقيم فى دمشق موقفا ضد بشار الأسد فى الصراع السوري، فرأت حماس ان سقوط بشار امر حتمى ومصلحتها ليست مع بشار الذى تفرق بينه وبين النهاية عدة ايام،
ومن ثم غادرت قيادات حماس دمشق وغضبت ايران وظل بشار يتوعد وانقطعت قيادات حماس عن طهران وظل خيطا يربط بين كتائب القسام وإيران، ومع التطورات الإقليمية والدولية وتنامى الموقف الأمريكى ضد حماس بصعود ترامب وظهور ازمة قطر على السطح، رأت حماس ان طريق طهران يتناسب معها اكثر من حاضنتها العربية التى تعمل بجد على مصالحة داخلية تعيد اللحمة بين شطرى فلسطين ـ غزه والضفة، فى حين ان ايران تكرس الإنقسام وتدفع لحماس مقابل عدم التوقيع على المصالحة وتمد الكتائب بالسلاح لتضمن ولاءها المطلق، حتى اوقعت حماس إيران فى مأزق مع أمريكا بتصريحات مسئول حمساوى تباهى بعلاقات عسكرية قوية مع إيران.
فى مؤتمر صحفى فى غزه قال يحيى السنوار المتحدث باسم حماس للصحفيين، إن إيران هى الداعم الأكبر لكتائب عز الدين القسام، الجناح العسكرى للحركة، ووصف السنوار الدعم العسكرى الإيرانى لحركة حماس والقسام بالاستراتيجي، مضيفا أن العلاقات مع إيران ممتازة وعادت إلى عهدها السابق. مؤكدا ان تصريحات السنوار لم يتم تنسيقها مع القيادة العليا لحماس وانما جاءت زلة لسان كشفت الحقيقة بدون رتوش واكدت ان حماس تستعيض عن حاضنتها العربية بعلاقات وثيقة مع طهران قائمة على تكريث الإنقسام والبعد عن اية عملية انتخابية فى قطاع غزه حتما ستسفر عن إطاحة جماهيرية بحماس، كما لم تحسب هذه الزلة التى جاءت على سبيل التباهى تعاطى امريكا مع هذه التصريحات.
وفى بيان لها، ذكرت البعثة الأمريكية لدى الأمم المتحدة أن إيران ممنوعة من تصدير أسلحة بموجب قرار مهم للأمم المتحدة، تبنّى الاتفاق النووى الذى وقعته طهران عام 2015 مع القوى العالمية، وقالت السفيرة الأمريكية نيكى هايلى «مرة أخرى تظهر إيران على حقيقتها»، رغم أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، قد أكدت أن إيران تحترم هذا الاتفاق، ولكن تصريحات المسئول الحمساوى تكشف بوضوح ان مدا عسكريا يتدفق على غزة واصفة ذلك بأنه «إعتراف مذهل»، يؤكد أن طهران تنتهك الحظر الذى تفرضه الأمم المتحدة على تصديرالأسلحة. وأضافت أن إيران يجب أن تلتزم بقرارات الأمم المتحدة أو أن تقرر ما إذا كانت تريد أن تكون زعيمة حركة إرهابية»
وفى تصريحات لمجلة «ذا ناشينوال انترست» الأمريكية قال وزير الخارجية الإيرانى جواد ظريف: حال تفاقم الانتهاكات الأمريكية لبنود وشروط الاتفاق النووي، قد نتخذ عدة قرارات محتملة من بينها الانسحاب من الاتفاق كليًا، كرد نهائى على الموقف الأمريكي، فهناك قصور وانتهاكات من الولايات المتحدة سواء إبان إدارة الرئيس الحالى دونالد ترامب أو الإدارة السابقة بقيادة باراك أوباما. وأشار ظريف إلى تلك الانتهاكات، قائلًا: استغرق إتمام صفقة شراء طائرات إيرباص وبوينج من واشنطن عدة أشهر، وهو وقتً طويلً، جعلنا نوجه قضيتنا فى هذ الشأن إلى اللجنة المشتركة الخاصة بالاتفاق النووي، وبموجب الاتفاق، تشمل صفقة الطائرات بين طهران وشركة بيونج الامريكية، شراء 50 طائرة من طراز 737 و30 من طراز 777، بقيمة 16.6 مليار دولار، يتم تسليمها لإيران فى غضون 10 سنوات، لتكون الصفقة الاولى بين البلدين منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979.
وجاءت تصريحات جواد ظريف عقب إقرار إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، بأن إيران تواصل التزامها بشروط الاتفاق النووي، وفى الوقت ذاته تنتهك روح الاتفاق. وقالت الخارجية الأمريكية، فى بيان، إن العقوبات على إيران تأتى بسبب دعمها لحزب الله والحوثيين وحماس وحركة الجهاد الإسلامي، مؤكداً أن الدعم المتواصل للحوثيين فى اليمن بالأسلحة المتطورة يهدد الملاحة فى البحر الأحمر، وأوضح البيان أن الأسلحة الإيرانية فى اليمن استخدمت فى مهاجمة السعودية، مضيفاً أيضاً أن إيران تجبر اللاجئين الأفغان على المشاركة فى الحرب بسوريا إضافة إلى دعمها للميليشيات العراقية التى تجند الأطفال للقتال.
ان العلاقة المتينة التى تربط بين ايران وحركة حماس فى غزة تكشف بوضوح ان الصراع فى المنطقة هو صراع نفوذ وبقاء يتم إلباسه الثوب الطائفى، لأن حماس ترى ان المصالحة هى بداية الطريق لنهايتها خصوصا ان الشارع الفلسطينى وبخاصة فى غزة قد جرب حكم حماس و10 سنوات تحت الحصار والحرب والدمار ولم تقدم له حماس لا التحرير ولا التنمية ولا حتى الحياة بعد ان حصدت ثلاث مواجهات مع إسرائيل ارواح الآلاف وهدمت البيوت واحال الإحتلال قطاع غزة الى قطاع منكوب، ولأن السنوار واسماعيل هنية اللذين خلفا خالد مشعل بقيادة الحركة، يسعيان إلى إعادة بناء العلاقات، التى شهدت مراحل من التقارب والتباعد خلال السنوات الماضية، ورغم مراحل التوتر إلا أن الطرفين حافظا على مستوى من العلاقة والتواصل دون الوصول للقطيعة، بينما تشهد الأشهر الأخيرة حراكا وتصريحات مجملها إيرانية تذكر بأهمية القضية الفلسطينية وحلف طهران ودعمها للمقاومة وعلى العلاقة مع حركة حماس.
وقد تعززت العلاقة بين حماس وإيران بعد فوزها بالانتخابات التشريعية عام 2006، بينما اعتبر عام 2011 بداية التراجع فى العلاقة بعد اندلاع الثورة السورية حيث تراجع الدعم الإيرانى المالى والعسكرى بسبب موقف حماس من الثورة. وتعتبر زيارة وفد رفيع من الحركة للعاصمة الإيرانية طهران للمشاركة فى حضور مراسم تنصيب الرئيس حسن روحانى بدعوة واستقبال رسمى رفيع المستوى ولقاءه مسئولين على رأسهم رئيس البرلمان ووزير الخارجية ورئيس المجلس الاستراتيجى للسياسة الخارجية الإيرانية، إشارة لعودة العلاقة مع الحركة واهتمام طهران بهذه العلاقة. وأكد وزير الخارجية الإيرانى محمد جواد ظريف، خلال لقائه وفد الحركة، أهمية القضية الفلسطينية فى السياسة الخارجية لبلاده وأهمية العلاقة بفصائل المقاومة على رأسها حماس، مضيفاً أن موقف طهران من القضية الفلسطينية ثابت وغير قابل للتغيير ولن يشهد هذا الدعم أى تبدل.
لا يمكن ان تمر الأزمة الإيرانية الحمساوية مع الولايات المتحدة وإسرائيل تمارس دور المشاهد، فدخلت بقوة على الخط وراحت تعدد الكلمات الرسمية سواء من ايران او حماس وتعد مدونة كبرى على تحدى ايران للولايات المتحدة وما ذكره متحدثوا حماس منذ عشرة اعوام عن علاقاتهم مع طهران، فأشار الإعلام العبرى من خلال موقع صحيفة يدعوت أحرونوت الى التصريحات المتبادلة بين قيادات حماس والقيادات الإيرانية، فقد صرح نائب رئيس المكتب السياسى السابق للحركة موسى أبو مرزوق، فى وقت سابق إن ما قدمته إيران من دعم للمقاومة الفلسطينية لا يوازيه سقف آخر، ولا تستطيع معظم الدول تقديمه، موضحاً أن موقف ايران الداعم والمساند للمقاومة والقضية واضح ومعلوم ومعلن وفوق الطاولة.
وتابع موقف إيران محل شكر وتقدير واحترام، وهو موقفنا مع كل من يدعم قضيتنا ومقاومتنا، أما رئيس مجلس الشورى الإسلامى على لاريجاني، فقال إن أبواب إيران مفتوحة على المقاومة الفلسطينية وفصائلها جميعا، وعلى رأسها حركة حماس، مبيناً إن حماس لها قبول واسع على مستوى الأمة الإسلامية وبإمكانها أن تلعب أدوارا إيجابية لوحدة المسلمين وتوحيد كلمتهم.
وقال لاريجانى خلال لقائه وفد حماس، أن إيران مستمرة فى دعمها للقضية الفلسطينية ودعم صمود الفلسطينيين باعتبارهم الخط الأمامى لجبهة المقاومة. وأكد أن إيران تدعم القضية الفلسطينية باعتبارها القضية المركزية للأمة ومواجهة الاحتلال باعتباره العدو المركزى وذلك على رأس أولويات السياسة الخارجية الإيرانية، منبهاً أن اسرائيل تحاول من خلال بث الفرقة والخلاف فى جسم الأمة شعوبا وحكومات ضمان حياتها ومستقبلها. والمدقق فى تصريحات طهران يرى أن المسئولين الإيرانيين يتحدثون عن القضية الفلسطينية بالإشارة الى حماس وغزة فقط أما الضفة والسلطة ومنظمة التحرير فلا ترى انهم قضية فلسطينية ولم تتضمنهم ايا من تصريحات المسئولين عن القضية الفلسطينية التى يصفها بأنها قضية الأمة الإسلامية المحورية !.
رابط دائم: