أنا طبيب استشارى حاصل على الدكتوراه فى تخصصى، وعمرى أربعة وستون عاما، لم أتزوج حتى الآن، فلقد سافرت إلى الخارج سنوات طويلة،
وشغلتنى الحياة هناك، ولم أهتم بإلحاح والدتى علىّ كثيرا لكى أتزوج وأنا فى سن الشباب وتكون لى أسرة مستقرة، إذ اعتبرت الزواج وقتها قيدا على حركتى، لكنى أدركت أهمية الأسرة والزوجة والأولاد، ولذلك أفكر فى الزواج من فتاة أو أرملة أو مطلقة قادرة على الإنجاب، وتقل عن سن الأربعين، بشرط أن تتفرغ لرعاية الأسرة، وإن كانت موظفة فإننى على استعداد لأن أعطيها مرتبها خالصا لها، فهل أنا على حق؟، وهل أجد من ترغب فى أن تشاركنى الحياة، وتريد أن تؤسس بيتا جديدا قائما على المودة والرحمة وأنا فى هذه السن المتقدمة؟
ولكاتب هذه الرسالة أقول :
عند الكثيرين يعد حساب العمر وحده مشكلة فى سن الخمسين لكونه العمر الذى يمثل الكِبَر، وفى ذلك يقول قاسم حداد: «عندما تكون على مشارف الخمسين، تتمنى أنك لم تزل تقع فى الحساب»! لكن مفهوم الكِبَر مع الخليل إبراهيم عليه السلام، لم يبدأ إلا حين بلغ مائة عام، إذ جاء فى سفر التكوين «وكان إبراهيم ابن مائة سنة حين ولد له إسحاق»، وقد بدا ذلك جليا فى ردة فعله حين بشرته الملائكة بغلام عليم حيث يقول تعالى: إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ، قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ، قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِى عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ، قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ، قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ» (الحجر 52 ـ56)، وكان قد ولد له اسماعيل قبل ذلك وهو فى سن السادسة والثمانين. إذن لكل عمر خصائصه الحيوية والنفسية والاجتماعية والعقلية، ولكن مع تطور الزمان وعلوم الطب أصبح الإنسان قادرا على الحياة فى صحة نفسية وجسدية معظم عمره، بل إن عاطفة الرجل فى السن المتقدمة تكون كالخمر التى تعتقت زمنا، فهى أعلى جودة وأغلى ثمنا، إذ يكون قد أحكمته التجارب، فنجده مالكا ثروة من الخبرات فى فن التعامل مع المرأة تمكنه من فهم احتياجاتها النفسية والعاطفية، وتجعله قادرا على التعبير عن عواطفه ومشاعره مما كان عليه فى سن الشباب، ويصبح أكثر دفئا وحنانا ورومانسية من غيره، ويقول نزار قبانى:
لا تقنطى أبدا من رحمة المطر
فقد أحبك فى الخمسين من عمرى
وقد أحبك والأشجار يابسة
والثلج يسقط فى قلبى وفى شعرى
فالشباب هو شباب القلب والعقل فلا تضيع وقتك، وأقبل على الزواج بمن تقدرك حق قدرك، وأعتقد أن هناك الكثيرات سوف يطرقن بابك رغبة فى الزواج منك، وأسأل الله لك التوفيق والسعادة.
رابط دائم: