رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بريد الجمعة يكتبه : أحمد البرى
الأوراق المتساقطة!

أحمد البرى
فكرت كثيرا قبل أن أكتب إليك لأستشيرك فى مشكلتى لعلى أجد لديك الحل المناسب لها حيث إننى من متابعى بريدك الشهير وأستفيد كثيرا من تجارب قرائه، وما أستمده منكم من آراء سديدة قائمة على الأحكام الدينية،

وتقطر حكما ومواعظ يستنير بها المرء فى التغلب على مصاعب الحياة، وتكون دافعا قويا له للمضى قدما نحو تحقيق تطلعاته، فأنا رجل على مشارف الخمسين من العمر، وأنتمى إلى محافظة بالوجه البحرى، ولقد نشأت فى قرية صغيرة بقلب الريف المصرى لأب يعمل مزارعا وأم ربة منزل، وأنا أكبر إخوتى حيث إن لى ستة أشقاء «خمسة أولاد، وبنتا واحدة»، وكلهم متعلمون، وتزوجوا وكونوا أسرا مستقرة، وصارت لكل منهم حياته الخاصة، وحبانا الله بحب وود منقطع النظير تحت رعاية أبوينا.

وترجع قصتى إلى المرحلة الثانوية حيث أقمت خلال الصفين الثانى والثالث الثانوى عند أخوالى فى المدينة، ولقيت منهم حفاوة بالغة واهتماما وتقديرا كبيرين، وحصلت على مجموع أهلنى للالتحاق بعدد من الكليات، فاخترت منها كلية نظرية تناسبنى، وحرصت خلال الإجازات على مساعدة والدى فى فلاحة الأرض التى يزرعها، وأحيانا كنت أستأذنه وأعمل فى مجال آخر يوفر لى مصروفاتى الدراسية لكى يتخفف من عبئى، ويلبى الطلبات الضرورية لأشقائى، وخلال تلك الفترة تردد كلام عن أن ابنة خالى التى تصغرنى ببضع سنوات تشبهنى فى صفات عديدة، وأنها الأنسب لتكون شريكة حياتى فى المستقبل، وكثيرا ما رددوا أمامى أننى لها وأنها لى، لكنى فى الحقيقة لم أعر وقتها هذا الكلام اهتماما، وركزت فى دراستى فقط، ولأننا نعيش فى بيت واحد، فقد نشأ بيننا بمرور الأيام نوع من الود والتفاهم، ووجدت أن أفكارنا متقاربة، وتعاهدنا على أن نؤسس بيتا مستقرا ونبنى أسرة ناجحة، وبعد تخرجى التحقت بالقوات المسلحة لأداء الخدمة العسكرية وكانت ابنة خالى وقتها فى المرحلة الثانوية، وفجأة جاءت الرياح بما لا تشتهى السفن كما يقولون، إذ تعرضت حبيبتى لحريق شوه أجزاء كبيرة من جسمها، وكاد أن يفتك بها، وعرفت هذا النبأ المفجع من خالى، فانهرت باكيا وتجمع حولى زملائى، وجاءنى قائدنا وعلم بما حدث فمنحنى إجازة على الفور، وربت على كتفى قائلا: «لا تقلق .. ربنا معاك» فشكرته، وخرجت من وحدتى هائما على وجهى، ولا أدرى كيف قطعت الطريق إلى البلدة، ولما وقعت عيناى عليها ارتميت بين يديها بلا وعى وأنا أدعو الله أن يشفيها وأن يعيدها إلىّ سالمة من غير أذى، فنحن لم نهنأ بعد بحياتنا، وبينما كنت جالسا إلى جوارها جاءنى صوتها خافتا، وهى تقول لى: «أنت حر.. تستطيع أن تتزوج بمن تشاء، فأنا لم أعد أصلح لك»، فلم أدعها تكمل كلامها وتعهدت لها بأننى لن أتركها مهما تكن الضغوط التى أتوقع أن يمارسها أهلى ضدى، وبالفعل جاءنى عدد من أفراد العائلة، وتحدثوا معى وقالوا لى: «لو فسخت خطبتك لها الآن أهون من أن تعيش حياة لا ترغب فيها، وتضطر فى النهاية إلى تطليقها»، فأنهيت الحديث مع الجميع بعبارة قاطعة قائلا لهم: «دى حياتى وأنا حر فيها»، فعرفوا أننى لن أتخلى عنها تحت أى ظروف، وانصرفوا، وظللت إلى جوارها فى المستشفى، ولم أدخر شيئا ماديا ولا معنويا، ولا بدنيا فى سبيل تخفيف آلامها، وأقمت مع إخوتها الذين تناوبوا رعايتها، حيث كنت إلى جوارها دائما.

وكنت أسهر ليلا مناجيا الله أن ينتشلها من المرض، وأن يرزقنا السعادة التى طالما ناشدناها، وحدّثنى أحد معارفى أن هناك عقدا مناسبا لى للسفر إلى دولة عربية للعمل بها، فلم أتردد فى قبوله لمساعدة إخوتى فى استكمال دراساتهم، وتوفير بعض المال لشراء أثاث الزوجية، والحق أن قرار السفر كان صعبا للغاية، إذ بلغ وزن خطيبتى وقتها اثنين وأربعين كيلوجراما، وأزيل شعرها بالكامل، وفكرت كثيرا قبل أن أسافر وهى على هذه الحال ثم اتفقت مع أهلها على إتمام الخطبة رسميا بعد شهور من سفرى لكى أغلق باب النقاش تماما فى هذا الموضوع، وأقسمت بالله فى حضور الأهل والأقارب أننى لن أترك خطيبتى حتى لو أصبحت «كومة عظم»، واستمر اتصالى بها بعد سفرى يوميا عن طريق الهاتف الأرضى وكان مكلفا للغاية فى ذلك الوقت، وعندما تجمع معى مبلغ معقول من المال أرسلته إلى والدى، وطلبت منه أن يشترى شبكة فخمة ويهديها لخطيبتى، وكانت قد تعافت وقتها بعض الشىء، ولكن لم تستكمل دراستها، واكتفت بما نالته من التعليم حتى الثانوية.

ومرت الأيام وتزوجنا، وصارت إبنة خالى كل الدنيا بالنسبة لى، فهى زوجتى وحبيبتى وأختى وحياتى كلها، وكنت إذا نشبت بيننا بعض الخلافات البسيطة التى تحدث عادة بين كل زوجين خصوصا فى بداية حياتهما معا أسارع إلى إرضائها، وعندما نجلس معا لمناقشة سبب أى خلاف أو سوء تفاهم نجد وراءه إما أهلها أو أهلى، فنتصالح ونكرر الوعد بألا نستجيب لكلام الآخرين حتى ولو أقرب الناس إلينا، وحاولت التوفيق بين عملى فى الخارج وبيتى بحيث أقضى ستة أشهر مع زوجتى وأسافر لمدة عام، ومرت ثلاث سنوات، ورزقنا الله بأول طفل، وكنت وقتها فى البلد العربى الذى أعمل به، وعرفت أنه ولد مريضا، وأن حالته تستدعى جلسات علاج على مدى زمنى طويل، فطلبت منها أن تعرضه على كبار الأطباء، فاصطحبته إلى العديد من المراكز الطبية الكبرى وأكدت التقارير والفحوص كلها أنه من ذوى الاحتياجات الخاصة، فحمدت الله، وقلت لها: يكفينا أن الله رزقنا ولدا، فهناك غيرنا من يتمنى «ظفر طفل»، وعددّت لها أمثلة كثيرة ممن حرموا من الإنجاب، فكنت أراها راضية أحيانا، وفى أوقات أخرى ينتابها ضيق وضجر، وتحملت تقلباتها وقدرت حالتها النفسية، وأوكلت أمرى إلى الله، وفى أثناء رحلة علاج ابننا طلبت منى سكنا فى المدينة التى يقطن بها أهلها ولو حجرة وصالة لكى تكون قريبة من الأطباء والمستشفيات، ولا تتكبد عناء السفر كلما احتاج الولد إلى العلاج، فاعتبرت طلبها أمرا لى، وبنيت بيتا وزودته بأثاث فخم، وانتقلنا إلى المدينة، وحافظت على علاقتى بأبى وإخوتى.

ولم نكد نستقر حتى تغيرت زوجتى، وكنت قد لاحظت ذلك منذ اليوم التالى لمجيئنا إلى المدينة، وتحدثت معى فى أنها تريد أن أكتب لها جزءا من البيت باسمها لكى أؤمن لها مستقبلها فلم أتردد، ثم رزقنا الله بطفلة جاءت مثل شقيقها، فانهارت زوجتى، وحاولت كثيرا أن أهدئ روعها، وقلت لها إن ما نحن فيه ابتلاء من الله، وإن الدنيا لا تكتمل لأحد ـ كما أقرأ كثيرا فى ردودك ـ ولكن هيهات أن ترضى!، فلقد غالت فى مطالبها المادية بشكل خيالى، وزادت الطين بلة بتصميمها على أن أسجل لها جزءا من أرضى الزراعية، ولم يكن ممكنا ولا مقبولا مجرد التفكير فى هذه المسألة، بل إننى إن فعلت ذلك فسيكون مثار سخرية من الأهل، وسوف تنشب خلافات عائلية تنعكس بالسلب على حياتنا، وكان رد فعلها لرفضى أنها أحالت حياتى إلى جحيم، فلقد كانت شجرة حياتنا كلها حيوية وأغصانها نضرة، ثم شيئا فشيئا بفعل تحولها غير المفهوم تساقطت الأوراق واحدة بعد الأخرى حتى صارت شجرة جرداء.

وعرضت الأمر على أسرتها فوقفوا فى صفى، واستنكروا طلبها، لكنها لم تتوقف عن ضغوطها وأصرت على الانفصال، فلم أستجب لها، وتحملت متاعبها بصبر شديد، وبعد أن فاض بى الكيل أخذتها إلى المأذون لكى تستريح، وعند بدء إجراءات الطلاق تراجعت، وعادت معى إلى المنزل، وهى هادئة بعض الشىء، ولم تمض أيام حتى استردت مبالغ مالية من أناس كنت قد أقرضتهم إياها دون إبلاغى، وعندما عرفت ما فعلته لم أعنفها أو حتى أعاتبها بكلمة، بل سامحتها، أما أهلها فقد ملّوا من تصرفاتها، ووصلت الأمور بينى وبينها إلى حد انعدام الثقة، وكلما جلست مع أحد من أهلى أو أهلها يسألنى: لماذا لا تضع حدا لتسلطها.. إما الانفصال عنها أو الزواج بأخرى؟، فأرد عليه بأننى لا أريد أن أخرب بيتى بخطوة غير مدروسة، أما هى فلا تلقى بالا لى، وطلبت منى أخيرا أن أعمل لها بوليصة تأمين باسمها فلبيت طلبها دون نقاش.

إننى أحيا بلا روح ولا سكينة، وأفتقد وجود شريكة الحياة المخلصة التى تعين زوجها على المتاعب، وأفكر فى الزواج بأخرى مع احتفاظى بزوجتى لرعاية ابنينا، فأملى من الزوجة الثانية أن تنجب لى أولادا يكونون فى المستقبل عونا لهما، فهل ترانى على حق؟ وبماذا تنصحنى؟

> ولكاتب هذه الرسالة أقول :

يبدو واضحا أن زوجتك تخشى على نفسها ووليدها من تقلبات الزمن، وقد أرادت بطلباتها المتكررة من شراء شقة فى المدينة التى يقطن بها أهلها، وتسجيل قطعة أرض مما تملكه من أراض زراعية باسمها، وعمل بوليصة تأمين لها، واستردادها مبالغ مالية ممن أقرضتهم إياها دون إبلاغك.. أقول أنها أرادت بصنيعها هذا أن تضمن لها مكانا مستقرا وحياة كريمة إذا أقدمت على الزواج بأخرى، وربما تكون قد أحست بذلك من كلامك معها، أو لمست تصرفا منك يوحى بما يدور داخلك وإن لم تبح به، ولا يعنى هذا أننى أؤيدها فيما فعلته معك، فالحياة الزوجية تحتاج إلى بعض المرونة، وعلى كلا الزوجين ألا ينظر إلى الأمور من منظوره الشخصى دون الأخذ فى الاعتبار آراء شريك حياته، فقد يكون مخطئا فيما يقرره لنفسه منفردا دون مشورة أحد، وكلما اطلعا معا على أمور حياتهما بالتفصيل، يسرى الأمان والطمأنينة فى قلبيهما، ومن المهم ألا يأخذ الزوج حب زوجته له وحياته معها أمرا مفروغا منه، بل يجب دائما أن يشعرها بحبه وتقديره وأهميتها له، ويحافظ على وعوده والتزاماته تجاهها.

والمرأة بطبعها حساسة وذكية، وتدرك شخصية زوجها جيدا، ولذلك تحاول باستمرار أن تعرف نقطة ضعفه لتسيطر عليه من خلالها، ولهذا السبب حث الشرع على اختيار ذات الدين والخلق لأنها تعرف أن طاعة الزوج من طاعة الله، فلا يعقل ما يحدث فى بعض البيوت من تسلط الزوجة فتكون هى من تأمر وتنهى وتحاسب زوجها وليس هو الذى يأمرها ويحاسبها، وتتجرأ على قول أقوال عظيمة، فلا يستطيع الرد عليها، وكلما زادت فى السيطرة عليه والتحكم فيه، ألزمته بتقديم تنازلات حتى يخضع لها فتصبح المهيمنة على البيت بأكمله، وهذا ما سارت زوجتك عليه حتى صارت الكلمة الأولى لها، وأصبح الرأى الصائب هو رأيها.

إِذَا قَالَتْ حَذَامِ فَصَدِّقُوهَا

فَإِنَّ القَولَ مَا قَالَتْ حَذَام

من هنا أقول إن القوامة مسألة خطيرة أوكلها الله للرجل نظرا لما يحمله من قوة وشجاعة ورباطة جأش وتحمل المشاق والمصاعب، وإدارة الأسرة والسير بها إلى بر الأمان، والرجل ـ وليس الذكر ـ لا يهين نفسه ويهدر حقه، ويضعف أمام زوجته، وفى الوقت نفسه يجب أن يكون قدوة حسنة، وأن يسلك معها سلوكا وسطا بين اللين والشدة، وأن يعالج أمورهما بالحكمة والاستعانة بالله حيث يقول تعالى «وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا» (النساء 19)، ويقول رسول الله «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلى»، وليكن لك فى الصبر على عوج زوجتك طريق نحو إصلاح أحوالها لقوله صلى الله عليه وسلم «اتقوا الله فى النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله»، فالزوج إذا كره من زوجته خلقا سره آخر، والصبر من أعظم الأسباب لبقاء الحياة الزوجية، واستمرار المودة، ولكن إذا أظهرت المرأة أمارات العصيان والتمرد على زوجها، لابد أن تكون له وقفة معها حتى لا تتمادى فى صنيعها. وإنى أرى زوجتك راغبة فى البقاء على ذمتك بدليل تراجعها عن الطلاق الذى طلبته فى لحظة انفعال، ولا أراها تأخذ موقفا معاندا لك، ومن هنا أنصحها بأن تحسن الحيل فى التعامل معك، وأن تكون كالغصن الرطب الذى يميل مع الرياح فى كل جانب لكنه لا ينكسر أبدا حتى فى أشد العواصف، وبصراحة فإن زواجك من أخرى يجب أن تدرسه جيدا، فالأمر ليس بالبساطة التى تتصورها، إذ إنك سوف تفتح بيتا جديدا بكل أعبائه وتبعاته، وفى الوقت نفسه لا تضمن أن تنجب زوجتك الجديدة أولادا أصحاء، وقد لا تستطيع الإنجاب، فالأمر مرتبط بمشيئة الله، ولذلك من المهم أن تسد الزوجة الثانية نقصا فى الأولى من حيث احتياجاتك الجسدية، وحسن العشرة وغير ذلك من الأمور التى ينبغى توافرها لضمان نجاح زيجتك الجديدة.

إن الأمر يتطلب التريث فى اتخاذ قرار الزواج الثانى، فالأوراق المتساقطة من شجرة علاقتكما من الممكن أن تنبت بدلا منها أوراق جديدة إذا أحسنتما رعايتها وتوافرت النية لاستئناف علاقتكما التى قامت منذ البداية على الحب والفكر المشترك، والحوار الهادف، فإذا توصلتما إلى التوافق المنشود، فهذا هو الأفضل، وإذا وجدت فى نفسك إصرارا على الزواج بأخرى وكنت واثقا من أنك ستعدل بينهما، فليكن لك ما أردت والله المستعان.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق