الدرب كان يخدم ضيوف الرحمن من مصر والمغرب وغرب إفريقيا
أبو جعفر المنصور بنى المساجد فى الطريق .. وشجرة الدر حفرت الآبار
الذى يقرأ تاريخ رحلة الحج القديم إلى مكة المكرمة عبر سيناء المقدسة يشعر بالفخر كوننا نمتلك هذا التاريخ الذى يمثل صفحة مضيئة فى سجل الحضارة الإنسانية حيث طريق المحمل الشريف منذ بداية العصر الإسلامى ورغم مشقة الرحلة إلا أنها كانت شديدة التنظيم والمتعة ففيها رفق بالحيوان ورعاية للحجيج وعدالة فى توزيع الطعام والماء وحماية وإصلاح للطريق وتسوق وتبادل تجاري..
هذا ما روته الكتب وأكده الخبراء أن درب الحج المصرى القديم ينقسم إلى أربع مراحل ..الأولى تبدأ من صحراء قاهرة المعز إلى العقبة «أيلة»، والثانية من أيلة إلى قلعة الأزلم، والثالثة تنتهى عند ينبع ، والاخيرة من ينبع إلى مكة المكرمة.
أما طريق الحج بسيناء فكان ينقسم لثلاث مراحل تتقارب فى مسافاتها إلى حد كبير فالأولى طولها 150 كيلو مترا من بداية الطريق عند العاصمة وحتى عجرود ،والثانية من عجرود إلى نخل وطولها 150كم والثالثة من نخل إلى عقبة أيله وطولها 200كم وكانت كل مرحلة من هذه المراحل الثلاث تستغرق ثلاثة أيام بسير القوافل.
ويوضح الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية بسيناء والوجه البحرى بوزارة الآثار أنه فى مقدمة القوافل يكون الأمراء والجند والأئمة ومعهم الأدلة، وكان هناك مشرفون على المياه وتوزيعها ، ومشرفون على طهى الطعام ومع الركب طبيب باطنة وبيطرى وجراح عيون وبعض الأدوية، وهناك» مقدم الضوئية» وهو قائد حاملى المشاعل و»مقدم الهجانة» الذى يشرف على كسوة الجمال التى تتصف بشئ من الأبهة للحرص على جمال القافلة أثناء السير ، والميقاتى لتحديد مواعيد الصلاة ، والمؤذن والوظائف الأخرى كالخباز والنجار ومغسل الموتى ، وكان الشعراء يتغنون بالأشعار الدينية فى جو البادية ، وكانت هناك محطات فى هذا الطريق بها أسواق تجارية تبيع منتجات من مصر والشام والجزيرة العربية.
ويضيف أن القافلة كانت تغادر مصر وفى مقدمتها الرسميون وخلفهم النساء ثم الأعيان ثم الحجاج ، أما صندوق المال والمؤن والبضائع الثمينة فقد كانت توضع فى وسط القافلة.
ويسير بنا الدكتور ريحان فى محطات طريق الحج موضحا أن مروره عبر سيناء كانت له مميزات عديدة فهو أقصر الطرق بين القاهرة وأيلة «العقبة»ويرتبط بمجموعة من الطرق الأخرى التجارية والحربية تزيد من أهميته ويأتى حجاج المغرب العربى والأندلس وغرب أفريقيا بالسفن للإسكندرية أو براً بالطريق الساحلى للبحر المتوسط حتى الاسكندرية وعبر غرب الدلتا حتى الجيزة عن طريق واحة سيوة وادى النطرون كرداسة جيزة.
وخلال المرحلة الثانية فى العصر الأيوبى تراجعت الوظيفة الدينية لهذا الطريق لتتحول لوظيفة حربية تسلكه الجيوش لقتال الصليبيين شرق نهر الأردن وأنشأ عليه صلاح الدين القلاع الحربية كقلعة الجندى بوسط سيناء وقلعته الشهيرة بجزيرة فرعون بطابا ، وفى أوائل حكم المماليك سيطر الصليبيون على أيلة واستردها الظاهر بيبرس 665هـ 1267م وبذلك تعتبر نهاية الفترة الزمنية الثانية لطريق الحج
وفى عام 666هـ استعاد الطريق سابق عهده كطريق للحج وكسا الظاهر بيبرس الكعبة.
وفى الطريق عبر وسط سيناء كانت القافلة تنتقل من عجرود قرب السويس إلى نخل بوسط سيناء الذى كان يعقد بها سوق ضخم به فواكه سيناء وأفران للخبز وبها آبار للمياه وبرك لحفظها وأحواض لشرب الدواب وخان لمبيت الحجاج وقلعة ومخازن لذخائر الحجاج ومسجد وكلها فى مبنى واحد ، وقد أنشيء هذا الخان فى نخل السلطان الغورى عام 915هـ 1509 م ، وكان درب الحج السبب الرئيسى فى إحياء نخل وأهلها لتكون المركز الإدارى لكل سيناء والذى انتقل للعريش بعد هجر درب الحج وتشييد سكة حديد مصر وفلسطين 1916م ومن نخل إلى بئر التمد، حيث توجد علامة هامة تحدد معالم هذا الطريق وهى نقش السلطان الغورى الذى يحوى الآية القرآنية « إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيماً وينصرك الله نصراَ عزيزاً» صدق الله العظيم.
ومن دبة البغلة يتجه الحجاج إلى قلعة العقبة الذى أنشأها الغورى 914هـ على بعد 50م من شاطئ خليج العقبة حتى قلعة العقبة تسعة أيام يتجه الحجاج بعدها للأراضى الحجازية بمحازاة البحر الأحمر للجنوب إلى حقل ومدين وينبع وبدر ورابغ وخليص بطن مر ومكة المكرمة.
رابط دائم: