شهدت العقود الأخيرة ظهور العديد من التنظيمات الإرهابية التى تمارس إرهابها باسم الإسلام، و الإسلام براء من أى عمل إرهابى يرتكب باسمه مهما ادعى المدعون وانتحل المبطلون؛لكن مع كثرة هذه الجماعات تفاوتت درجة نجاح كل واحدة منها على حسب عدة عوامل (ونعني بالنجاح هنا قدرة الجماعة على التأثير فى أكبر عدد من التابعين واستقطابهم، وعلى تفعيل هذه العوامل).
لكن مع ظهور تنظيم داعش وجدنا أن التنظيم اعتمد استراتيجية جديدة نوعا ما على التنظيمات الإرهابية وهي الإعلام.
فقبل ظهور تنظيم داعش كانت الجماعات الجهادية تعمل فى الخفاء شيئا ما، فربما لم يسمع الكثيرون عن تنظيم القاعدة قبل أحداث الحادى عشر من سبتمبر أصلا، وحتى بعد أحداث سبتمبر كان أكثر ظهور تنظيم القاعدة فى الإعلام من باب تسليط الإعلام الضوء عليه للتعرف علي أخبار التنظيم، وحتى محاولة التنظيم للظهور والانتشار إعلاميا كان ضعيفا وغير محترف.
لكن مع ظهور تنظيم داعش اختلف الأمر كلية، وهذا ما أكدته وحدة رصد اللغة الإنجليزية بمرصد الأزهر الشريف تحت اشراف الدكتور كمال بريقع ، فيقول إن الآلة الإعلامية أصبحت أهم ما يميز التنظيم؛ مقاطع فيديو بأعلى درجات الجودة؛ صور بتقنيات عالية بل احترافية، مجلات بعدة لغات وبتصميم متخصصين، انتشار واسع جدل عبر مواقع التواصل الاجتماعى ... ولذلك علق موقع warontherocks قائلًا :«عندما يتعلق الأمر باستراتيجية وسائل الاتصالات، فإن التنظيم الإرهابى كان لا مثيل له بين التنظيمات الإرهابية فى ذلك الباع - ليس فقط من حيث جودة الإنتاج، بل من حيث الكمية أيضا، فمنذ إعلان الخلافة فى عام 2014، أنتجت داعش عشرات الآلاف من منتجات الدعاية. وحتى الآن، والتنظيم فى أوهن مراحله، تقوم داعش بإنتاج حوالى 20 منتجا إعلاميا فريدا كل يوم. فعلى مدار سنوات، خصص تنظيم داعش موارد كبيرة لإنتاج وصقل ونشر رسائله، لكل من الأتباع والخصوم، سعيا لضمان أن إيديولوجيته سوف تدوم على الرغم من انخفاض تأثيره الإقليمي، وربما لا نغفل أن كثيرا من مرتكبى الحوادث الإرهابية فى الغرب إنما جاء اقتناعهم بداعش من خلال تجنيدهم عبر الإنترنت أو متابعة إصدارات هذه الجماعة.
ويضيف الدكتور كمال بريقع: لعل ما يشرح هذا ويجعله منطقيا إذا قرأنا ما نشرته صحيفة واشنطن بوست فى عام 2015 من أن «مصورى الفيديو والمنتجين والمحررين فى التنظيم هم فئة مهنية متميزة ذات مراكز ورواتب وترتيبات معيشية يحسدها عليها المقاتلون العاديون». وبعد بضعة أشهر، كان التنظيم يدفع لنشطائه الإعلاميين سبعة أضعاف ما يتقاضاه المقاتل العادى، وأن المجندين ذوى الخلفية المتخصصة فى القدرات المتعلقة بالمعلومات - بدءا من الإنتاج والتحرير إلى التصميم الجرافيكى - كانوا يتقنون ويتباهون بمهاراتهم التى تعتبر مهمة بالنسبة لمشروع الخلافة الإسلامية كما يزعمون. وعلاوة على ذلك، فإن «المصورين الصحفيين» يمثلون أهمية بالغة، فى كل مكان فى أرض الخلافة، وفى ذروة وصول التنظيم للمستوى العالمي، كان لديه 54 «مكتبا» إعلاميا حول العالم، ومئات من العاملين فى وسائل الإعلام - وربما أكثر - يعملون على إنتاج الآلاف من المنتجات الإعلامية شهريا.
وإذا كان الجميع يدرك الآن أن داعش، ربما تكون تلفظ أنفاسها الأخيرة، إلا أن ما أنتجه التنظيم من دعايات إعلامية سوف يبقي أثره لأن المتصفح لشبكة المعلومات الدولية «الإنترنت» بحثا عن أى مادة تتعلق بالإسلام فإن أول مايظهر له فى الاختيارين الأول والثانى وهى أكثر الاختيارات ارتيادًا من الباحثين هى اختيارات تحوي مواد متطرفة، لذا يجب على المجتمع الدولى إدراك خطورة هذه المواد المقدمة وتكاتف الشركات الكبرى التي تتحكم فيما ينشر على الإنترنت من أجل المساعدة فى نشر الفكر الوسطي الذى يرد بالحجة على كل ما نشرته داعش عبر الإنترنت.
رابط دائم: