رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أبوعدنان
صانع البهجة الخليجية!

محمد حبوشة
طوت الثقافة الكويتية صفحة من إبداعاتها، وودِّعت قامة شامخة قدمت الكثير لأمتها في مسيرة الفن الكوميدي الناضج، والذي تمكّن خلاله من ملامسة قلوب الجمهور، عبر بساطة الطرح وعفوية الأداء، ما أكسبه شهرة واسعة على المستويين الخليجي والعربي، بعد أن أثرى الحياة الفنية الكويتية بإبداعه الغض الندي،

حتى أصبح أيقونة ورمز الكوميديا في هوليوود الخليج. لقد تميز ملك المسرح أو عملاق الفكاهة، بأداء أصعب أنواع الدراما وهي الكوميديا، فمن السهل على الممثل إبكاء الجمهور، ولكن من الصعب جداً إضحاكه، إذ قدَّم درساً غير مباشر في كيفية التعامل مع عمل كوميدي، يحتاج إلى تقنية عالية في الأداء، ومقدرة على التلقائية، وسرعة البديهة في الموقف الكوميدي، حتى غدا صاحب مدرسة كبيرة في الكوميديا بعبق الخبرة، والكاريزما التي لم تأفل يوما طوال مسيرته الفنية، فقد حتم على نفسه أن يعيش الواقع على المسرح لا أن يمثله، هذه الحتمية تلزمه أن يكون حيا، حيويا يتنفس الحياة بصدق ويضفي على الخشبة حضورا حيا، ذا نظام يستند إلى القوانين الطبيعية في الحياة.

إنه الراحل الكبير «الحسين عبد الرضا»، صانع البهجة الخليجية الذى شكِّل علامة بارزة فى تاريخ الحقبة الكوميدية الكويتية الذهبية، والتى انتعشت بفضله فى ستينيات القرن الماضي، فقدم للعالم العربى خلال خمسة عقود أنماطاً تمثيلية لم تتكرر، بل استطاع العيش فى وجدان الناس إلى الآن عبر أسماء الشخصيات التى قدمها فى ذلك الوقت، من بينها: «بوعليوي، بومريان، حسين بن عاقول، حمود الطوّاش، عتيج المسيان، جلّاب، بوهيلان، مفتاح الحلي، شارد بن جمعة، منصور بوحظين».




لأن الكوميديا تعتمد على عملية الإضحاك، وهذا لن يتحقق إلا بتوافر مقومات صناعة العمل الكوميدي: المبالغة سواءً فى الشكل أو اللغة أو الحركة أو اجتماع كل هذه العناصر مع بعضها، فقد برع «عبد الرضا» فى التقاط خيوط الكوميدية ليصنع بهجته الخاصة التى قدمها للجمهور عن طيب خاطر، إضافة إلى اقترابه من المشاكل الاجتماعية والسياسية الواقعية التى تهم الشارع الكويتى من حيث الإسقاطات، وأحياناً تفوه بها مباشرة، عبر شخصية «صقر بومنقار»

دخل قلوب عشاقه من الباب الملكى عام 1981بمسرحيته الشهيرة «باى باى لندن» والتى استطاعت أن تنقش اسمه بحروف من نور فى عالم الدراما والمسرح حتى لقب بـ «الأسطورة»، و«المعلم»، و«سيد المسرح»، ليترك بصمات واضحة للمسرح فى أزهى عصوره، حيث تناولت مسرحياته كثيراً من القضايا المحلية والإقليمية، والتى لاقت استحساناً بين الجماهير والنقاد على مختلف طوائفهم بفرط من موهبة خاصة حملها بين جوانحه وترجمها فى عدة أعمال كتبت الخلود للمسرح الكويتى.

من موظف فى الدوائر الرسمية، وتحديداً فى مجال الطباعة، إلى أحد روّاد الفن فى الكويت، حيث تعود بدايات صاحب الأداء التلقائى والنكتة الظريفة إلى ستينيات القرن الماضي، وهو فى هذا لاينسى أساتذته ومعلميه وعلى رأسهم المخرج المصرى «حمدى فريد» أحد أهم المخرجين فى تاريخ الدراما الكويتية، والذى أشاد به «عبد الرضا» قائلا : «أخرج حمدى فريد أجمل الأعمال الكويتية، وأبرزها «درب الزلق» و«خالتى قماشة»، كما أشاد أيضاً بالمخرجين الكويتيين الراحلين» كاظم القلاف وعبدالعزيز المنصور، فيصل الضاحى» الذى أخرج مسلسله الرائع «الأقدار».

شارك «أبو عدنان» - أحب الأسماء إلى قلبه - فى أول عمل مسرحى بالعربية الفصحى تحت عنوان «صقر قريش» عام 1961، لكنه قدّم لخشبة المسرح أكثر من 33 مسرحية، أشهرها «باى باى لندن»، و«بنى صامت»، و«على هامان يا فرعون»، و«سيف العرب»، وكان قد كتب بعضها بنفسه، وقد أسهم فى إنشاء فرقة «المسرح الوطنى» عام 1976، كما أسّس «مسرح الفنون» كفرقة خاصة عام 1979، وفى 1989 أسهم بشكل كبير فى تأسيس فرقة «المسرح العربى» ثم دخل مجال الإنتاج وأسس شركة «مركز الفنون»، وقد أدى كل ذلك بالطبع إلى إبراز دورهً فى نشر فن الكوميديا، خاصة بعد تأسيسه لـ «فنون»، أوّل قناة تلفزيونية فى العالم العربى مخصصة حصريا لعرض الأعمال الكوميدية.

لقد حفر الراحل العظيم بصمته الخاصة فى الدراما التلفزيونية من خلال مشاركته فى أكثر من 30 عملاً، منها «درب الزلق - مراهق فى الخمسين - سوق المقاصيص - حبل المودة» و«العافور» الذي كان آخر عمل من بطولته عام 2014، وقد كان له مشاركة فى رمضان 2017، والتى شكلت آخر ظهور له على الشاشة الصغيرة من خلال إطلالته كضيف شرف فى حلقتين من مسلسل «سيلفى 3» للكوميدى السعودى ناصر القصبي.

لم يكن عبد الحسين عبد الرضا مجرّد ممثل كوميدي، بل كان قادراً فى نصوصه وأدائه الفذ على استخدام فن إضحاك الجمهور كأداة لتوجيه رسائل نقدية تسخر من الأوضاع السياسية والاجتماعية السائدة فى المجتمع الخليجى أوّلاً، والمنطقة العربية والعالم، ماعرّضه لمحاولة اغتيال، فضلا عن المساءلة القانونية من جهات رسمية، وربما كان ذلك ناجما عن فعل نضالى آمن به ما قبل شروعه بالتمثيل، فقد تطوّع أثناء العدوان الثلاثى على مصر عام 1956 ضمن صفوف الجيش المصري، الأمر الذى يجعل نضاله على مستوى الوطن العربى وليس الكويت وحدها.

لقد ظل «عبد الحسين عبد الرضا» بين الحياة والموت محتفظا بابتسامته الوديعة الهادئة، حتى ترجل عن صهوة المجد فى مسرح الحياة ، وسلم لحكم الواحد الأحد، ثم أسلم روحه إلى بارئها، مخلفا فى القلب والوجدان الكويتى والعربى صورا عبقرية للكوميديا النظيفة الشجاعة، وعلى شفاهنا تبقى أغانيه بعذوبة صوته الشجي، وهو ما ميزه عن بقية الفنانين فى جيله؛ ما جعله يخوض تجربة الأوبريتات، والتى شاركه فى ثمانية منها الفنانة «سعاد العبد الله»، وكان أول فنان يخوض تجربة الأوبريتات التمثيلية الغنائية التى لاقت نجاحاً كبيراً، بالإضافة إلى أنه غنَّى ضمن أعماله التلفزيونية والمسرحية عندما كان العمل يستدعى ذلك.. رحم الله «أبو عدنان» صانع البهجة الخليجية ورائد مسرحها الحديث الذى سيبقى محفورا فى الذاكرة العربية بحروف ذهبية.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق