قد تعود هذه الدعوة إلى نصف قرن مضى.. فالفنانون المصريون لم يكفَّوا عن مطالبة الدولة بإدماج أعمال الفنون التشكيلية من جداريات ومنحوتات وتجهيزات فنية فى الفراغ والنصب التذكارية فى الميادين، والتماثيل فى الحدائق وعند مداخل الكبارى..
ضمن المشروعات العمرانية التى تنشئها الدولة ويرتادها المواطنون ويتفاعلون معها، لتساعد فى الارتقاء بأذواقهم وفى إشاعة الإحساس بالجمال بين كافة مستويات التلقى والتذوق، وإعادة الفن إلى مكانته كعنصر هام فى النهوض بالإنسان والمجتمع عامة، اسوة بجميع الدول المتقدمة، التى ربما لا تملك ما نملكه نحن من رصيد حضارى من الفنون التشكيلية قديماً وحديثاً، فى الوقت الذى يعانى فيه شعبنا من أمية بصرية ومن غربة قاسية – تصل إلى حد القطيعة – بينه وبين قاعات الفنون ومتاحفها.. لاسباب يطول شرحها، ما يجعل من إقامة أعمال الفن «الصرحية والميدانية والحدائقية» جسراً ممتداً بين الفن والناس، ومدرسة مفتوحة لتربية أذواق الأجيال وحواسهم الجمالية.
لقد أسفرت هذه الدعوة فى سبعينيات القرن الماضى عن إصدار قرار جمهورى بتخصيص نسبة مئوية لا تقل عن (2%) من تكاليف المنشآت العامة لأعمال التجميل المعمارى والميدانى (والحدائقى)، يتولى الفنانون التشكيليون تصميمها وتنفيذها من خلال جهاز يتبع وزارة الثقافة، ولم يكن ينقص تطبيق هذا القانون إلا التصديق عليه من مجلس الشعب آنذاك، لكن ذلك لم يحدث حتى الآن بكل أسف، وبات مسكوتاً عنه ومنسياً تماماً... وأظن أن السبب الرئيسى هو عدم إدراك مجالس الشعب المتتالية – ومن ورائها الحكومات – لضرورة وأهمية الفنون الجميلة، معتبرة إياها ترفاً زائداً مقارنة بكافة الضرورات الاجتماعية والتنموية، علماً بأن ما يتم إنفاقه بالفعل على الكثير من الأعمال الفنية ضمن المنشآت التابعة للدولة بدون استعانة بالفنانين الحقيقيين قد يزيد على النسبة التى يكفلها القانون، وقد تعد زوائد جمالية بغير قيمة، بل وقد يبدو الكثير منها مجافياً للذوق الجميل، وربما منفراً للناس أكثر من كونه جاذباً لهم.. والأمثلة كثيرة نجدها فى بعض التماثيل الميدانية والـ «نوافير» والواجهات المعمارية هنا وهناك.
هل آن الأوان لأن تتبنى الدولة اليوم هذا المشروع، فى ظل الصحوة العمرانية المشهودة فى العديد من المدن والمجتمعات الجديدة، بدءا من الأحياء التى أقيمت بديلاً للعشوائيات، ووصولاً إلى العاصمة الإدارية الجارى إنشاؤها؟.. إن تصميماتها جميعاً تتمتع بالمساحات الخضراء الفسيحة والأبنية ذات الأشكال المعمارية المبهرة والحسابات الدقيقة للميادين والحدائق والفراغات وارتفاعات المبانى.. وكل ذلك يعد خلفية رائعة للأعمال التشكيلية لمشاهدتها من مختلف الزوايا والمسافات.
وإلى أن يتبنى أحد أعضاء مجلس النواب قضية نفخ الحياة فى قانون التجميل المعمارى المغلوب على أمره (الشهير بقانون الـ 2%)، أتوجه برساله إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى – كداعم للنهضة العمرانية الجارية – بالتوجيه بإنشاء هيئة أو لجنة قومية مختصة بوضع التصورات والرؤى الجمالية لمختلف المشروعات الجديدة – من المدن السكنية حتى المشروعات الصناعية والادارية والصحية والتعليمية – على أن تتولى هذه الهيئة أو اللجنة الإشرافية تنفيذ رؤاها بعد تخصيص الاعتمادات اللازمة لها، بالتعاون مع وزارتى الإسكان والثقافة ونقابة الفنانين التشكيليين.
إن مثل هذا المشروع – فى منظور التنمية الحضارية – لا يقل أهمية عن مشروعات البنية الأساسية، لأنه يتصل ببناء ذوق الإنسان ووعيه.
رابط دائم: